|
قرار
خلدون عبدالله مراد
الحوار المتمدن-العدد: 5728 - 2017 / 12 / 15 - 14:03
المحور:
الادب والفن
ذاك الطريق الزراعي الممدود من مقتلي "الكلية" إلى نعشي "المحطة" هو الروتين اليومي لوصولي إلى مدفني ، كل شركات العالم اتفقت عليه ، تارةً المياه وتارةً الهاتف ثم الكهرباء فالصرف فالمواصلات وأخيراً الخدمات حيث تسلِّمه من جديد للمياه حاولت تغييره لكن عبثاُ حاولت ، فقد أصبح سمةً من سمات يومي الضائع ، لم أجرؤ يوماً على مناقشة أمر الطريق حاولتُ الالتفاف حوله، لكن لا جدوى ، فقد وجب علي الانطواء في انخماصاته المهترئة ولو بعد حين. لم يكن اليوم مختلفاً عن غيره من الأيام ، حملتُ ما تبقى في رأسي من اتزان وكرّاساتي المهترئة ، وانطلقت عابثاً ، إلى حيث كل يوم انطلق كانت المحطة ككل المحطات بقايا موقفٍ أكله الصدأ وأيدي المارة, هاأنذا مصلوبٌ انتظر حافلة العودة ، وسط حشود من المارة و المصلوبين ، لم تكن الوجوه غريبة ، الحزن على معظمها ، والكفر على بعضها ، وعدم الرضى على ما تبقى حاولتُ مراراً أن أجد وجهاً يجذبني إليه يعذبني بعذابه ،أو يغبطني لابتسامةٍ ثكلى تصدرُ من شفاهٍ أماتها الحزن الذي لا أعرفهُ هو أنني أجد نفسي متحداً بكل إنسان كأنني جزءٌ منه أو كأنه جزءٌ منّي كانت شقراء ، لم تكن سعيدة وهذا هو الطبيعي ، لم تكن هادئة ، كان الاضطراب يلاعبها أو يلعب بها. كراساتها المهترئة بيمناها وباليسرى قلمُ رصاصٍ يصطدمُ بصفين من اللؤلؤ ويفضحُ اضطرابها وقلقها كانت تراقبُ مجلاتٍ منشورة على حبالٍ أمام كشكٍ صغير، حبلت به المحطة يوماً، فولدته لكن دون ألم ألصقته بها كما تلتصق الشرقية بوليدها ، لكن الكشك طوّر نفسه وكبرَ مع الأيام ولازال الحبلُ السري ككل شرقي- يمسكُهُ لا مفرُ. كانت الشقراء تراقب المجلات حيناً ثم تذهب وترقب قدوم الحافلة كنتُ مزروعاً في منتصف المسافة بين المحطة وحقل المجلات أو لعلي كنت ملتصقاً بالحبل السري، وهذا مكّنني من ملاحظة اضطراب الشقراء في الحالتين ، وبشكلٍ جيدْ لم أخشَ المارة أو المصلوبين ، كنت مفتوناً بها وكانت عيناي تأكلانها بلا خجل ، وعندما ذهبت لترقب الحافلة قادتني قدماي لإغراء عارضة أزياء، لا بل اضطراب الشقراء أمرني فانصعت له هاهي الآن تعود للمجلات ، وقفتْ على بعد خطواتٍ أمامي ، قدمها اليمنى تضرب الأرض بتواترٍ ضعيف فتهتز ساقها ويموج صدرها فينثني الجيد اللجين ويميلُ الرأس على إيقاعات القلم على حبات البَرَدِ كلُّ ذلك زاد توتر جسدي أضعاف توتر الأرض الميتة تحتنا ، وانصهار الحرير الملتصق ببقايا الجسد المأسور كانت عيناي ترتفع وتهبط لكل ركن من أركان جسدها الممشوق شعرها المرمي بلا اكتراث على كتفيها عقيق يهزّه الرأس فيلمعُ من تحته لجينٌ من شباكٍ صغير فتحه زرٌ منسّيٌ فوق الحرير دعاني جسدها المضطرب للتقدم فتقدمت ، أمرني بالوقوف فتوقفت ، ثوانٍ من الهواء بيني وبينها ، اضطرابي يزداد ، بقي خطوة وأصل ، همسةٌ فتسمع ، موجةٌ وتشعرْ سحبتُ قدمي محاولاً رفعها إلى النقطة الأخيرة ،قدمي في الهواء، لازالتْ قدمها تهزّ الأرض من تحتي فأخشى السقوط ، حرارة جسدها تصهرني تأمرني بالابتعاد ، نسمة هواءٍ ذراها عقيقُ شعرها جفّفت قطرات الندى من على وجهي الشوندرة جسدي يغلي وبين موجة حرٍ ونسمة هواءٍ، أنفاسي تتحطم ، وبكل ثقة المرتجفين والمهزومين ثبّتُ قدمي في خط البداية لا زال القلم يضرب اللؤلؤ وعلى أنغامه استدرت وتكلمت - هل تبحثين عن شيء ما ؟ كانت جملتي الأولى ، رميتها وأنا على أتم الاستعداد لرؤية فرار السراب أو تعتيم القمر توقف القلم فجأة أحسستُ بصمتٍ رهيب ، شعرت للمرة الأولى بمعنى أن يغني المغني رغم الكورس وحيد ، تقوقعت في جسدي كأيقونة ، لكنها كسرتها بنظرة من عينيها قبل أن تجب - لماذا هذا السؤال ؟ ثم من أنت لتسأل ؟ جوابٌ مُفحِم ، كافٍ لقطع اللحن الأول والأخير في سيمفونيتي الفاشلة ولألملم ما تبقى من كبريائي المتحطم ، لعنت كل الساعات وكل الدقائق ، بين مد اقترابي وجزر هروبي دوارُ عينيها دوّخني، لكنّي صمدت - لاحظت عليك الاضطراب فقادني فضولي لمعرفة السبب رميتُ الورقة الأخيرة من يدي الثكلى ، فإما أن أجمع أوراقي وأُكمل ، أو تحرقَها فأهرُب - أيبدو علي الاضطراب ؟ كان سؤالها مزيجٌ من اندهاش وخوف شرقيٌ مزروع في غابات عينيها طبعاً أجبت …شكراً لك، أسعفتني بالجواب يجب أن أعود، وداعاً لأولِ مرة أرى ابتسامة كهذه ، تغير فيها كل شيء كزهرة دوّار الشمس ساعة الشروق... صُلبتُ دقائق أرقُبُ فرار السراب.... لم أفهم شيئاً، ولكن أعرفُ جيداً أنّي ساعدت بقرارٍ لا ناقة لي فيه ولا جملْ.
#خلدون_عبدالله_مراد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرار
-
مؤتمر
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|