|
مات الجنرال وتساقطت أزرار سلطته
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 5728 - 2017 / 12 / 15 - 13:07
المحور:
الادب والفن
قد نوافق هولدرن، في ما ذهب إليه في مقولة (اللغة أخطر مقتنياتنا)، ولكن علينا اللعب بهذه الخطورة ومعها، وهذا يعني أن نكون حثيثين في فعل الإشتغال في اللغة وتفجيرها، بمعنى توليدها للغة جديدة، بل وحتى مضادة، من أجل أن تحيط أو تستوعب أفكارنا ورؤانا. وإذا ما سقنا كلمة حرية، على سبيل المثال، لهذا المذبح - بمعناه المعبدي، الكنسي - فإننا بالتأكيد سنحتاج لتوليد الحقول الدلالية والإشارية لهذه المفردة، بمرجعيتها النزوعية، كروح تواقة للمزيد من الفضاء التفكيكي، من أجل الوصول بها لحالة الإلتفاف على حالة الإرتهان لقوالب ومحددات البنى النحوية وفقهية اللغة، بل والتحرر منها ألى رهانات المعرفية والتوليدات الجدلية، بمعطاها الفلسفي وديالكتيك إنشطاراتها الإزاحية (التوسيعية) أو التفجيرية التوليدية، عبر خاصية السؤال وخواصه التحريرية من حالة موات القوالب ومرجعياتها التاريخية (المقدسة)، سواء بحكم جمود التقادم أو إستحواذ الرهان المعبدي على (جسدها) - اللغة - وجهده التصنيمي لحراكه، عبر هيمنة النص المقدس، تاريخياً ومعبدياً. ربما الجاحظ، ذلك الذي أعده أول الموسوسين بشأن فكرة رفض تسييج اللغة، بأي إعتبار أو إجتزاء سوسيوتاريخي، بل وحتى نحوي وصرفي ( إحتجاجا على قصر بصيرة وبصر من سبقوه)، وأيضا أول الممسوسين بلجاجة التمرد وتحطيم ذلك السياج المفتعل، عبر مقولته: (المعاني ملقاة على الطريق)، والإشتغال الأدبي يأتي عبر فكرة القول (كيف تقول أو كيف توصل المعنى عبر بلاغة اللغة وجهدها التقني/والتقاني الفني) كان أول دعاة الثورة على تحنيط اللغة وقيادها إلى مراحها، في أن تكون تقانة فنية، من بين أدوات النص الإبداعي، وبما يمنح الشرعية لفكرة أو مقولة الأخفش(الشعر إضطرار، قصرت المقولة العملية الابداعية على الشعر لأن العرب تكاد إقتصرت عليه من بين فنون القول أو التعبير) وعليه فإن اللغة يجب أن لا تتحوط وتتحنط، و أن تكون هي الأولى بهذا الإضطرار، لتستحدث.... وتطور أدواتها ومفاعيلها وتشرق (إضطرارا) لتحقيق الإيصال عبر مفاعيلها المتجددة، بل والمبتكرة أيضا. ربما، وتأسيسا على مقولة الأخفش (الشعر إضطرار)، تكون اللغة معتقلة ورهينة، وعليه فإن أهم أولويات الشعر في إشتغالاته هو الحفر في جسد اللغة، إغناءً وتحريراً لها من (تراثها القسري، توليدات النحو وتوليدات فقهها) وإطلاقها لتواكب روح تحررها، في الشعر، بإعتباره أهم أشكال تمظهرها، ككائن حي ينزع للنمو والتمدد، في متسعاته الدلالية والإزاحية وإعادة تفعيل أدوات اللغة، التي إختصرها الأخفش في مقولته، رغم جرأة تخصيصها. لم تولد اللغة من قواميس لتحنط في قواميس؛ اللغة ولدت كحاجة ووسيلة تعبير، فمن قال أن لها عمراً محددا للنمو، ومن يستطيع أن يفرض عليها موعد شيخوخة تبلغه؟، وبالنسبة للغة العربية فقد بلغته وإنتهى الأمر، كما قال النحويون والفقهاء، بسحب قداسة النص المقدس عليها، دون الإلتفات إلى كون أن اللغة كانت سابقة على ظهور النص، وإنها كائن حي من حقه إبتكار (أذرعه) وتشكيل وتوسيع حقوله الدلالية. وسنبقى في فضاء تطلع الأخفش، لنفرك ونولد مقولته ونخلص إلى أن (اللغة إضطرار)، إضطرار لتوليد المفردة والبنى اللغوية، وتجزيئها وتكثيرها، وإعادة إنتاجها، بفضاءات إشارية ودلالية، جديدة وموسعة، وإلا ستصمت اللغة أو تنكمش تحت معطف كولنيالي محكم التزرير ومعتم، ولا يجهد في غير إبراز لمعان أزراره النحاسية الصلدة. وماذا عن الكلام والأفكار التي لم تقال بعد، لعجز اللغة عن إحتوائها أو الكشف عنها وفض وفضح ماهياتها وبناها المنغلقة؟ إنها تطالب بإستحقاقها من خامة المساحات اللغوية، التي مازالت خامة تصارع قشرة بيضة الولادة... ولكن مطرقة الكسر مازالت معلقة في عروة حزام المجد الكولنيالي، الذي لم يتبق منه أكثر من البدلة المهترئة، والقابعة في قاع صندوق الأشياء القديمة، المحشور تحت تراكمات القبو الفاسد الهواء، والذي تغطي، كامل جسده وأشياءه، طبقة سميكة من غبار العناد البركاني الأصم. لكل نص أدبي مساحته اللغوية الخاصة به، وهذه المساحة يجب أن تكون مؤثثة تأثيثاً حديثاً، قادراً على تحقيق إشتباك جديد ومتقن مع البنى والأفكار التي هي بصدد التعبير عن نفسها وإيصال مقولتها إلى المتلقي... وأظن أن هذا لن يتحقق بغير إخراج بدلة الكولونيل من صندوقها وحرقها إلى الأبد، كي لا تمارس سلطاتها المهترئة على مساحات عدونا في الميدان... ببساطة لأن الكولونيل الحاكم قد مات، من قبل دخوله لمتحف تحنيطه، بمسافة محيط مساحة إختراعه لنفسه. مشكلة جنرالات اللغة أنهم يصلبون خدمهم، وبعشو ليلي كامل، في المسافة التي تفصلهم عن المرآة التي يزررون بدلاتهم أمامها، ولهذا فإنهم لا يرون ما فعل العث بخيوطها وخيوط السراويل التي غطوا بها، ذات وصاية، عوارتهم المثيرة للشفقة.
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب، كالسيد الرئيس، لا ترى ألوان ثيابها
-
جاري مُغسِل الموتى
-
يمكن للمعبر أن يكون شوطاً من بكاء
-
مكافآت الغرب الثقافية
-
الحب... كإعلان أخير
-
الهلاك الأمين... بلا خوف
-
العنف الأزرق كوجه سماء
-
الطقوس الكورالية للرواية
-
الدخول من باب إله البحر
-
دم هوليود
-
الحب كبراغيث داجنة
-
حين يتعقل بوكوفسكي اللعين
-
خزانة رعاة البقر
-
بلاهة ميتافيزيقية أو أرضية
-
في ظهر المدن
-
بعض ما يسقط كأسرار
-
البعيد... حلم شاهق
-
لا وقت للبغايا لسذاجة الدموع
-
هذيانات كلبية
-
بائعة هوى لم أفهم لغتها
المزيد.....
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|