|
إسماعيل هنيّة من جديد!
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 5720 - 2017 / 12 / 7 - 16:19
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
أكثر الزعماء يتنقلون بأقنعة مختلفة، بعضها حقيقي وبعضها زائف، لكن الظروف المحيطة هي التي تضع على وجه الزعيم القناعَ المناسب. إذا اقتطعت زعيما من فترة زمنية معينة وألبسته في مشهد آخر فغالبا ستتغير أحكامُك، مديحـــًـا أو هجاءً، تأييدًا أو معارضة، فالزعيم يتغير، والمشهد يتغير والجماهير تُصدِر أحكامَها في كل مرة بصورة مختلفة على نفس الشخص. سعد الحريري قبل الرياض مختلف عن ابن أبيه رفيق بعدها، وحسن نصر الله في 2006 كان الفارس المغوار، ثم أصبح السياسي اللبناني الذي يعيش على ذكرى انتصارات الحرب مع إسرائيل، وبعدها ملأ رئتيه بأنفاس الآيات القادمة من قُمْ فتغير البطل إلى رئيس حزب ديني سياسي لكنه أصر على ركوب نفس الجواد، فبرق .. وبهت عشرات المرات، فتُنصت إليه كأنه قادم من عُمق التاريخ ثم تعيد الإنصات فتظهر صورة الخوميني. اسماعيل هنية نموذج ثالث قضىَ أكثر من عشر سنوات في خلاف مع النصف الآخر لفلسطين، لكنه جعل غزة جزءًا من الدين على حساب الوطن، ففرح الرامليون المنحازون للسلام العبري، ودخل أو أُدْخِل في أنفاق الجيران لعله يبصر نورًا في آخر كل نفق، ووضع ثقته فيمن يحشر الريالات داخل المصحف الشريف، ويتحدى العدو الصهيوني فيخرج من كل معركة، منتصرًا أو منهزمـًـا، رافعا علامة النصر، وناسيــًــا أن يُحصي خسائر شعبنا الفلسطيني. القيادات الفلسطينية كانت توحي لجماهيرها أن الطريق إلى القدس يمر عبر العاصمة الأردنية ثم اللبنانية ثم الكويتية ولا مانع من شرب نخب الاخوان المسلمين والاخوان العثمانيين وغيرهم، فخسرت غزة كل جيرانها ولم يبق لديها غير معابر بعضُها عبري و.. بعضها سيناوي، واختلطت المقاييس الجهادية فظن الفلسطينيون أن غزة إسلامية ورام الله علمانية، فاستراح الكيان الصهيوني. اسماعيل هنية قائد يصنع تعبيرات النضال بنفسه كما يفعل حسن نصر الله حتى لو تمزقت فلسطين ولبنان، فاللغة الجميلة للقائدين تشحن الأتباع بمفردات دينية، تماما كما كان أحمد الشقيري يفعل، لكن من سوء حظ القيادات العربية و الإسلامية في كل مكان أن الأعداءَ لا يكترثون لقواعد الضاد قبل عدوانهم، ولا يخشون قصائد حماسية مع قرع الطبول لشعب محاصَر من الجهات الأربع. كان الحل السحري ظاهرًا طوال الوقت وهو عدم التدخل قيد شعرة في شؤون العرب والمسلمين، ففي كل أزمة خارج فلسطين يدفع الفلسطينيون الثمن داخل الأرض المحتلة بسبب غباء قيادات تصهل خيولها خارج الوطن، ثم يزداد الأسرى لدىَ الاحتلال آلافـًـا جديدة من شباب المستقبل الغامض. كل قائد عربي وإسلامي يريد تخدير شعبه، يأتي بالقضية الفلسطينية ويضعها، ظاهرًا، قبل قضيته القومية أو الوطنية، فيصيب النعاسُ الفلسطينيين قبل غيرهم. لو وقفت القيادات الفلسطينية مع العرب .. كل العرب على قدم المساواة لما ظهرت تلك الثغرات التي يمر منها الفكر العربي الصهيوني، من المثقفين والإعلاميين والكوبنهاجيين والحالمين بنتائج اتفاق أوسلو. الآن وقف اسماعيل هنية يصحح الخطأ، ويعيد رسم المشهد النضالي من جديد، ويضم فلسطين كلها إلى القدس ورام الله، ويساوي بين المسيح ومحمد، عليهما السلام، ويشير بإصبع الاتهام صراحة على من ظن أنهم وسطاء فإذا بهم منحازون إلى الشيطان، عقلا وروحـًـا. اسماعيل هنية مطالَب قبل الانتفاضة الجديدة بعدم التمييز بين عاصمة عربية وأخرى، بين القاهرة والرياض، بين الرباط والجزائر، بين الدوحة وبيروت، بين أبوظبي وعمّان، بين دمشق والمنامة، بين بغداد والكويت. لو كان بلفور حيـًـا لعاتب ترامب على مبالغته في سرقة أرض فلسطين، ولو كان مناحيم بيجين بينهم الآن لتوسل للادارة الأمريكية أن لا تقلب الطاولة على الجميع، فالمزايدة في دعم الاحتلال توطئة لحروب لا نهائية، لا تُبقي ولا تذر. اسماعيل هنية كان اليوم رائعـًـا، مع أن لديّ عشرات التحفظات على حماسه وحماسته طوال السنوات السيناوية المنصرمة، فكاد يخسر الشعب المصري ليربح أحفادَ حسن البنا، وترك المعاقين عقليا يشحنون المصريين بالخوف من فلسطنة شمال سيناء، وأوهم منذ أربع سنوات أبناء الشعب أن مرسي وبديع والشاطر باقون في السلطة إلى يوم القيامة. اسماعيل هنية ألقى كلمة لو تم تطبيقها لبدت كأنها بلسان عصمت سيف الدولة منذ أربعين عاما، وفلسطين المحتلة كلها القدس، وشمالها كجنوبها، وقلبها كرأسها، وعلمانيوها كإسلامييها، ومسيحها كمحمدها! اسماعيل هنية اليوم كان كل العرب، قبل أن يدخل القفص، لا قدر الله، ويجلس على المائدة الخضراء أو المستديرة، ويبدأ في شطب ومسح وحذف الدسم من خطاب السابع من ديسمبر. إذا اعتمد الفلسطينيون علينا فعلى القضية السلام، وسنعيدهم إلى المربع صفر؛ وإذا تفاوضوا بدوننا فقد يربحون شبرًا من الأرض أو يخسرون إذا توسطنا لهم. في أقل من ثلاثين عاما توالد الكوهينيون بدرجة مفزعة حتى أنك لو أجريت مسابقة التعاطف الشعبي العربي للتفاضل بين القاتل والمقتول؛ فإن ستة من كل عشرة من عرب اليوم سيُقسمون أن اسرائيل تفي بالوعد، ولا تنكث العهد، وأن الفلسطنيين باعوا أرضهم، وأن السلام العبري رسالة سماوية. اسماعيل هنية اليوم غيره بالأمس، ولكن ماذا عن الغد؟ كم تمنيت أن ألقي بأغلب وأكثر القيادات الفلسطينية في بئر سحيق، ونأتي بشباب ثائر ومتعلم ومثقف ومناضل وعاشق للوطن وبعيد عن الفساد ليعيد رسم مشهد البؤس الفلسطيني في صورة جديدة وجميلة وربيعية تتفتح على أرض الوطن. اسماعيل هنية كان اليوم فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ومسيحيا حتى النخاع، لكن التجارب علمتنا أن لا نثق بمناضل قبل أن يموت، فمن يدري فقد يحمل له حفّار القبور قبل دفنه رسالة دافئة من إيلي كوهين. لا أتحدث عن القدس الشرقية أو الغربية، ولا أتكلم عن المسجد الأقصى أو كنيسة القيامة، ولا أكترث لغزة أو رام الله، إنما عشقي وحريتي وإيماني وأوهامي وأحلامي في فلسطين كلها و.. لو بعد ألف عام. لا أدعو لحرب فنحن خاسرون قبل أن تبدأ، ولا أبحث عن سلام فنحن منهزمون قبل الجلوس على الطاولة، وأرفض العنف والقتل والتفجيرات فقد مضىَ زمنها وهي الآن في صالح الاحتلال، ولا أتعاطف مع التحدي الأجوف والصواريخ التي تسقط على المدنيين، لكنني أبحث عن فلسطين في أيدي وعقول وقلوب الفلسطينيين فقط بدون صديق أو جار أو شقيق أو صاحب رأسمال. أخشى أن أنصت لاسماعيل هنية مرة أخرى لئلا يصدمني الوجه الجميل في قناع قبيح اشتروه له بثمن بخس. لا تهمني قطعة الأرض بمفردها، إنما ملتصقة بكل الأرض فوق كل الوطن ومع كل الشعب.
محمد عبد المجيد طائر الشمال أوسلو في 7 ديسمبر 2017 [email protected]
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإمارات وشفيق .. محاولة لفهم ما حدث!
-
هذا إعلان حرب قطري ضد الإمارات!
-
العصبية لابن بلدي تُسقط العدل!
-
مواقع التواصل الاجتماعي .. الخلطة العجيبة!
-
أجيال عبرية بألسنة عربية! لماذا يكرهون عيدهم الوطني؟
-
أنا والحوار المتمدن!
-
مسيحيون ضد الإسلام .. أقباط مع الإسلام!
-
الانتحار بين صفحات الدين!
-
ثعبان في دولة قطر!
-
النبي الجديد يفتتح سوق السلاح في بلادنا!
-
نتائج انتخابات الرئاسة في مصر 2018
-
إعلام مصر في الدرك الأسفل من الانحطاط!
-
لماذا يخاف المصريون؟
-
أيها المراقَبون .. لا تخافوا!
-
صناعة الطاغية والشعب .. العلاقة التبادلية!
-
مصرُ لا تحتاج الآن لعاصمة إدارية!
-
أنا عربي حتى لو غادرت العربَ عروبتُهم!
-
مصرُ .. حربُ المحاكم!
-
الزمن الأطرش هو الأسمع!
-
الإعلام المصري يحارب الشعب والجيش .. مع صمت الرئيس!
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|