|
النبي الجديد
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 5713 - 2017 / 11 / 29 - 05:14
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
في سنـته النهائية من دراسة الطب قام هو وصديق له برحلة من وطنه الأرجنـتين إلى أمريكا اللاتينية لمسافة 4500 متر. كانت الرحلة بدراجة نارية.. حينها اصطدم بالفقر الكبير و هو ابن الطبقة الوسطى. اصطدم بأناس فاقدين لصفة الإنسان بسبب الفقر و الجوع و الاهانة. "كيف لي أن أعيش في عالم مظلم ظالم كهذا مرتاح البال؟..لا يمكن لي ذلك.. أي قوة أبنيها لنفسي في كرة "الرغبي" و في "البيسبول"؟.. القوة الحقيقية في تغيـير هذا العالم البائس..القوة الحقيقية في رفع هذا الظلم لملايين البشر..".. و هكذا كانت الإيديولوجية الماركسية اللينينية حاضرة كمخلص واقعي من بؤس العالم. و انكب على قراءة كتاب "رأس المال" لكارل ماركس، و اطلع على كتابات "لينين" و خاصة كتابه "ما العمل".. و وجد في النضال من أجل الأممية الاشتراكية المخلص الوحيد من ظلم العالم كما وجد فيها النور الداخلي الذي أنار شعلة الفضيلة داخله.. و هكذا في مواجهة العالم البائس فقد آمن بقانون جديد لعالم جميل يسعد جميع البشر و هو عالم الاشتراكية العالمية أو الأممية.. غدت الفضيلة إذن ضمن مجرى العالم تـتحقـق في وعيه ضمن آداب الكلي و الحق في ذاته و الخير، و التأديب الحق يكمن في التضحية بالشخصية في جملتها لأجل تحقـق تلك الكلية... هذا هو "تشي جيفارة" بكل اختصار.. ضمن الإضاءة للسردية التاريخية لمن لا يعرفها، يكفي أن نقول انه إلتـقى بزعيم الثورة الكوبية سنة 1955 في المكسيك حيث أجريا حوارا مطولا لمدة عشر ساعات متواصلة عند أول لقاء بينهما، حتى أن أحد رفاقهما شبه ذاك اللقاء بالحب من أول نظرة.. "كاسترو" الواقعي و "جيفراة" الرومانسي هما في الحقيقة وجها الثورة الاشتراكية المتلازمان و لكن واقع العالم كان يفترض افتراقهما في النهاية.. كان "جيفارة" الرجل الثاني في الثورة الكوبية سنة 1959 ضد دكتاتورية "باتيستا" الفاسدة التي جعلت كوبا حديقة خلفية للولايات المتحدة الأمريكية.. "كاسترو" ابن الإقطاعية لم يجد السعادة إلا في النضال لأجل سعادة الكل التي تـنتـفي من دونها أي سعادة.. انتصرت الثورة و كان "جيفارة" الرجل الثاني في الدولة الاشتراكية الجديدة. وزير الصناعة و مدير البنك المركزي، و ينهض في الساعة الرابعة ليشارك العمال في قص قصب السكر ثم يتوجه إلى الوزارة في السابعة صباحا ليأخذ دُشا ثم ليلتحق بمكتبه في الساعة الثامنة صباحا.. قام بزيارة عدة دول ينشر فيها تبشيره بالاشتراكية العالمية التي ربطها بمحاربة الامبريالية الأمريكية أساسا.. بعد خمس سنوات، حين بدأ اليأس يتسلل إلى قلبه من سياسة الاتحاد السوفياتي التي رأى فيها تعبيرا عن الانتهازية و الامبريالية، قرر أن يستأنف طريقه في الثورة الأممية.. ذهب إلى "الغونغو" في افريقيا ليحقـق فيها الثورة الاشتراكية و حين فـشل عاد إلى كوبا، و لكن ليغادرها بصفة نهائية ليحقـق الثورة الاشتراكية العالمية ابتداء من "بوليفيا".. هناك و بعد أشهر حيث تعقبته المخابرات الأمريكية مع الجيش البوليفي، تم القبض عليه ثم إعـدامه بالرصاص.. كانت جثـته عبارة عن أيقونة قام الضباط و الجنود بأخذ صور بجانبها. الممرضة التي كانت في المستـشفى قالت أنها رأت عيناه تـنظران إلى كل الاتجاهات، إلى الكل أنما تـنـقـلت في حركتك..لم يمت.. و فعلا روحه أو هو كروح بقي حيا..اليوم هو قديس في أمريكا اللاتينية حيث يزورون تماثيله التي تجدها حتى في القرى.. يتـقربون إلى الله من خلاله.. أحيا مثال اليسوع الذي ضحى بنفسه لأجل خلاص البشر من ذنوبهم.."جيفارة" كان يروم تخليص البشر من ذنوبهم في الأنانية الضيقة التي تـقود إلى الامبريالية و التوحش الشيطاني و العبودية و الاستعباد..كان على نفس الوتر لباعثي الأديان قد جسد الفضيلة برمتها في شخصه و مسيرته إلا أن الفضيلة المطلقة الانهائية تبتلع الحياة الفردية. و ابتلعته في اللحظة التي أنجز فيها ايقاعاتاته الزمنية ليغدو موسيقى خالدة توحد عالم الروح بعالم الطبيعة..لذلك فـ"غيفارة" إستـثـنائي في تاريخ الثورية الاشتراكية. ذاك أنه حقـق جوهريتها في الانهائي و الإلهي و الروحي العميق الكوني..و بفضله فالاشتراكية لن تموت.. صوره في كل العالم. في الملابس و الشنط بل في ولاعات "الزيبو" للبورجوازية ذات البطون المنتـفخة اللذين كان يمقـتهم.. يمقـتهم على نفس إيقاع مقت القرآن للذين يكنزون الأموال و في ضنهم أن أموالهم ستخلدهم.. كتب أرنست جيفارة، إثر احتـفاله بعيد ميلاده الرابع والعشرين: "علمت أنه حين تـشق الروح الهادية العظيمة الإنسانية إلى شطرين متصارعين، سأكون إلى جانب الشعب. أعلم هذا، أراه مطبوعاً في سماء الله، أرى نفسي قرباناً في الثورة الحقيقية، المعادل العظيم لإرادة الأفراد. أشعر أن أنفي يتسع ليستـنـشق الرائحة اللاذعة للبارود والدم وموت العدو. أفعم جسدي بعزم فولاذي، وأعد نفسي للمعركة"..
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقف و السلطة و الثورة
-
لروحه السلام أبيك و أبي..
-
اليسار بين الصعلكة و التحررية
-
-ترامب- أو المشهد الأخير
-
السياسي الوضيع
-
أفق البديل السياسي المطلوب في تونس
-
قاون المصالحة يقلب المشهد السياسي التونسي
-
مصالحة ألامصالحة
-
النداء التقدمي
-
تاريخية القرآن ( من خلال سيرة ابن هشام)
-
الرئيس التونسي يتحدى الشرق البائس
-
زقاق الجن
-
الأيادي القذرة
-
نهاية الفصل الأول من الثورة
-
الدوامة السورية إلى أين؟
-
معركة -بدر-
-
من يخون من؟
-
ضرورة الانبعاث الفكري للثورة العربية
-
انبعاث ثورية السلطة في تونس
-
معركة -المصالحة- في تونس
المزيد.....
-
ارتدت خاتم -نجمة داود- أثناء مصافحة الرئيس.. مسؤولة أمريكية
...
-
نزيه عبد الله: الحرب فُرضت على نتنياهو من أجل إعادة الرهائن
...
-
نائبة ستيف ويتكوف من بيروت: -لقد ولى عهد إرهاب حزب الله وممت
...
-
عامان على زلزال تركيا: جراحٌ لم تندمل وأمل لم ينطفئ
-
مقتل 3 وسقوط عدد من الجرحى من مقاتلي العشائر اللبنانية جراء
...
-
الملك الأردني والرئيس العراقي يبحثان هاتفيا جهود تعزيز الأمن
...
-
ما الذي نعرفه عن الاستثمار الإماراتي في فرنسا لإنشاء مركز -و
...
-
ما أبعاد اتصال شولتس بالشرع؟ وما تفاصيل مؤتمر باريس حول سوري
...
-
أبرز المسلسلات المصرية في رمضان 2025
-
سيناتور جمهوري أميركي يتوعد قيس سعيّد بمصير بشار الأسد
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|