فريد غانم
الحوار المتمدن-العدد: 5711 - 2017 / 11 / 27 - 20:40
المحور:
الادب والفن
هذيانٌ حداثيٌّ//
بقلم: فريد غانم
****
وسطَ حُموضةِ ضَوءِ المصابيح المُدمنةِ على التّدخين والصَّفير، تكسّرَتْ لفتَتي المسفوحةُ بالشّبقِ البدائيِّ. ذُبابٌ سريعُ الذّوبان يحتلّ أكياس القُمامة وينتحرُ كي يخفّفَ من زحامِ الكرةِ الأرضيّة. قشعريرةٌ باسقةٌ في البنايات الشّاهقة تُحملِقُ في الأرصفة العاجزة عن الصّعود وتنتشرُ بصمتٍ داكنٍ في نشازاتِ المُشاة الغارقين في تيهِهم الجميل. امرأةٌ زهريّةٌ من البلاستيك الصّيفيّ، الموشوم بالغبار والتّفسُّخ، ترقصُ رقصةَ الجُمودِ في الواجهة الزّجاجيّة المُصابةِ بعمى الألوان والأصوات، وقد خلَعت فستانَها الطّينيّ وأظافرَها المُتعبة، وراحتْ تقشّرُ أهدابَ الرّجالِ. عرباتٌ ثُمانيّة الدّفعِ تجأَرُ وتجترُّ بقايا الرّيح الرّاجفةِ على باب بائعةِ الوردِ الميّت. عابرو السّبيل يتجرّعون حبوبًا لتحويل الكآبة إلى سعادةٍ شمطاء، وتقومُ الاحتفالات وتنفجرُ.
أطلقُ تنهيدةً مُجعّدةً في وجهِ "المكوجيّ" المحروق بعشقِ النّار، لكنّ أساريري ترفضُ أن تنبسِط، فأنشرُ فتوى بأن الأرضَ مستطيلةٌ. وأخيرًا، كما يحدثُ في المساءات المتراكمة في الشّرق من قبلِ أنْ تحكي شهرزادُ حكايتَها الأولى، يسقطُ المساءُ مضرّجًا بدمائه الهامِسة، برصاصةٍ تشبِهُ عصفورَ دوريًّ مُشاغبًا.
وفيما يتوزّعُ السَّجنُ الكبيرُ بينَ أبواب المُدن، على قضبان الأقفاصِ الصّدريّة وتُكبَّلُ الحرّيّات بقيودٍ من حرير، تخرجُ الخيولُ القديمةُ من الثلّاجات الفاخرة ومن بتلات الزّهر المجفّف في ثنايا الكُتب، وتبيعُ صهيلَها الثّلجيّ على الأرصفةِ المتبخّرةِ صعودًا في ارتفاعِ الأنوف.
وهناك، في الزّحمةِ اللّيلكيّة، أجمعُ ما يتيسّرُ من هذَياني الرّماديَّ بمكنِستي البَيونيّة، أرفعُ غطاءَ ظلّي الخمريّ، استلقي داخلَهُ، ثمَّ أقفلُ صندوقَ ظلّيَ المترمّدِ في الدّرَك الأخير من آخر ذرازٍ للجحيم، أرمي المفتاحَ في دربِ العواصفِ مشعَّثةِ الشّعرِ، وأختفَي.
#فريد_غانم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟