|
بحثٌ عن بُقعٍ للتشبث!..
يعقوب زامل الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 5711 - 2017 / 11 / 27 - 19:35
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة ........... في كل لحظة ملائمة، كان ينقلُ إليّ رسائله السرية. وفي كل لحظة أتطاير في الهواء فرحاً كما فراشة يغمرها الاعتراف بالحب. كل رسالة منه، تجعلني أكتشف أن نبراته الخفية تحملني طفلة ما بين السماء والارض. وفي الصحو السريري، امرأة، حين يحرق جسدي بأحصنة أنفاسه، تقفز اتجاهاتي مخدّرة من البرد. عندها يَتَلَقّفني بهياج لا اعرفه، يروح يُمَنّيني بأصداف الحلم الملوّنة حتى يعتريني بجسمه كما البحر. أخبرني أن طفولته لم تكن سعيدة. أتذكر جيدا، كيف كان يؤكد لي بأنه لم يَحظَ بتلك الفترة التي يمر بها غالبية الاطفال وكيف أنها تترك لديهم شيئاً من السعادة في تذكُّرِها، والتمنّي في العودة إليها. ــ " كنت حتى الخامسة من عمري بعض طفل. طفلٌ عليلٌ أعاني من بعض الامراض التي كانت تترك بعض شعاع من قلق دائم في قلبيّ أبي وأمي، من أنهم قد يخسرونني، كما خسروا أطفالهم الستة قبلي. وشقيٌ أيضا لفترة ليست بالطويلة، ما يجعلهم يطمأنون أن ظنونهم ليست في محلها، من أن هذا المشاغب، السريع العطب، سوف يتأخر عن الموت. فجأة وفي الثامنة من عمري أصبحت أحلم، وربما بدأت أشعر، بأني أصبحت رجلا ". كنت أسعى طيلة وقت ليس بالقصير، إلى أن أتناسى ما مرّ بي وما صادفته من الامور والاحداث خاصة تلك التي على شيء من التعقيد والغموض. فَكَرت " أي جزء يمكن التفكير فيه أكثر؟. هل في الجزء من الشعور أن على المرء أن يبقى شاباً لمرات عديدة، على عكس الذين يشيخون مرة واحدة، أو في الجزء الذي قلتُ له فيه يوما " أنك رائع " وكيف أنه أسعدني عندما قال " بعض الكلمات تتحول لفعل مباشر وخاص، وكأنها مطارحة غرام !". بعض المساحات تبقى فارغة، وعلى وجه الدقة حين تتحول كما حياة يوم يتحرك، وتتعقبه بوضوح أحياناً. وكيف يدفعك للتفكير: هل هي المصادفة أم شيء كما القدر؟. تلك الأفكار تجعلك ترى اليوم مجرد مساحة تتحرك. كأن تبحث عن شيء لا تعرف ما هو. أو أن ثمة رجل مررت به وهو يربط شريط حذائه، أو أحدهم رأيته من وراء واجهة زجاجية يتناول قهوته بلا اهتمام، أو حتى بامرأة رأيتها بغتة تبحث في محفظة يدها عما يشحذ ذهنها لتتذكر هل أخذت دوائها صباحا أو لا ؟. شيء من هذا القبيل. عدا شيئٌ واحداً لم يخطر ببالك أن تفكر فيه بذات الأهمية، هل سبق ورأيت يوماً يتوقف فجأة، وماذا سيحصل لو حدث وتوقف؟. قد تقلق أو ستغضب، وعلى أغلب الظن سترتاب لأنه لم يتحرك كما في السابق. حاولَتْ أن تضيف شيئاً مغايراً لفكرها، أو أن تقول لنفسها بصوت مسموع بعض كلمات سارة أو مُطَمئِنة. توقف تفكيرها على نحو غريب. وربما لأن كلاماً شبيهاً بالبهاق توقف في بلعومها. في الليل وعندما جهزت جسدها للفراش، حاولت أن تتنازل عن روح الركض العبثي. أن توحي لنفسها عن نشاط وحيوية لما فكرت فيه نهاراً من انطباع سلبي. وبعيداً عن افكار الرفض أو محاولة السير على عكس التيار واقلاق الفكر والحواس، كانت بها رغبة أن تلبث في من يهبط على مهلٍ وتقليدي. عن سمات تعبير تبريري لما يحدث من دوران. لهذا أرخت جسدها لِتَلين. أن تفكر بطريقة أكثر شرعية لما شاهدته قبل ساعات وبما ترك فيها من صور ومشاعر. فكَرَت: " ربما ما فعلتهُ اليوم، أني كنت أمرن نفسي على المشي من جديد. وأن ما سمعته من ضوضاء كانت لثلة أطفال يلعبون كرة قدم، وليس كما لبقع في الثلم المشؤومة، داكنة تحطم القلب. حاولت أن توَصل المياه لذات مجاريها الحقيقية. فذاك الذي ربط شريط حذائه، هو في حقيقة الأمر، كان يضبط منبه الساعة على موعد الفطور مع حبيبته، وأن تلك الحبيبة كانت تبحث في محفظة يدها عن جهازها المحمول لتقول له: " أنا سأكون بعد الثامنة صباحا في انتظارك لنفطر سوية "، وليس بحاجة لمن يذكرها بحبة دواء الصباح. وان من تناول قهوته ساهما خلف زجاج واجهة المقهى، كان سعيدا لأن المطر كان ينث بهدوء ". إذا هو شيء من هذا القبيل، وليس كما تصورته في النهار، شدقٌ مفتوح يلتمس الهواء النتن. لم تكن تريد افساد الامر. تحسست جسمها العاري اللين. تذكرت الوحمة التي على بطنها. بقعة بُنيّة تذكرت أن أمها كانت تؤكد لها: " كنتُ حامل بكِ وقت اشتهيت لحمة كبدة خروف مشوية. ساعتها لم تفارقني رائحة اللحم والنار في الخشب". في تلك اللحظة سمعت صوت خطى تمر قرب نافذة غرفتها المطلة على الشارع. وأن ثمة هواءٌ مُلْكٌ لمأثرة حزن تتفوق بعددها على قلق سنواتها تمرُ خفية من حراس الليل. تنصتُ مفصحة. لم تكن تريد افساد اللحظة. رائحة الخشب المحترق تعبق داخل احشائها، كأنها ما تزال ذلك الجنين المتطلب داخل غشاء المشيمة. عليها أن تستمر بالتفكير. على أن ثمة هناك من يفسد الأمر، يجعلها تفكر بمن لا يستمر طويلا. " لماذا ؟" تذكرت أنه كان يفكر مثلها الآن تماما. عندما سألته " بمَ تفكر حبيبي ؟" أجابها: ــ " أفكر لمَ لا تكون الحرب رؤوفة؟!" ضحكت ببساطة. وسريعاً صمتت من جديد. كان ما يزال يود أن يقول شيئا آخر. أضاف: ــ " أنتِ من الخارج أقلُ منكِ بكثير". ــ " وأنتَ كذلك، عليك أن تبقى في الداخل ما استطعت ". تحسست الوحمة على بطنها. كانت بها رغبة ان تضمه لصدرها. حليب ثدييها يكاد ينز. فكرة، أن ما لا تقدر أن تلمسه، لابد أن تغذيه بجنونها البائس، تنهش ثدييها. لهذا تصورته كما الماء المضطرب، يذوب في النار الخفية. ــ " أحبكَ أكثر من مخاوفي. فقط تعال لأطعمك هذا". "لحظتها أخذ الحليب يبلل زيق ثوبي. لم أكن على يقين، أكثر من حاجتي لأن أطعمه من صدري. وأن أجعله يتحسس بعض النمش الذي يحبه على ظهري. لا أدري لماذا لم أفعل ذلك. هناك بعض الاشياء لا نفعلها، لكنها لا تُنْسى بسهولة، كأن التذكر يسيء لها لو توقف، ولم ندعه يسير مثل اليوم. لكن بالتأكيد سيجعلني أتخلص من آلامي ". قال وهو يتحسس الوحمة: ــ " متى سأقول مرحى ليوم لا يمر سريعاً. وحتى لو لم يحدث هذا، سأبقى أنتظر الذي يأتي ولا يرحل سريعاً". لم تكن هناك قاعدة لأن تبقى صامدة بوجود لحظات متباينة. كل ما فيها هي تلك الرغبة، أن تبدأ من البداية، كما يوم يتحول لماضٍ ثم يعود من جديد. وكما يحدث في لحظة ارتقاء قبل الهبوط في رقصة عارمة، شعرت بأنها غير متوازنة. وكانت الحرب على مقربة منها تمسد وحمة بطنها أيضاً. قالت بهمس دفين " ساعدني أن أتنفس بعمق. خذ يدي عندما سأدفعكَ بقوة لتدخل احشائي ". " فرديةٌ جامحة كانت تزحف على جسدي كما موجة حرارة لا عيون لها. فقط لمعان عند منطقة توزع طرق متعددة. " كل تفكيري توقف في محاولتي لإصلاح صعودك المدمر للحرب. فقط لأمنعك عن الرحيل .كنت اصرخ خلفك بكل ما أدخر من صوت : " أنت طفلي وعشيقي. أبق. أنت تستطيع هذا. أبق في حياتي أطول فترة ممكنة. فكر بما يستمر طويلا . أنت في داخلي أكثر ضرورة من هذه الحرب بكثير". شيء ما كان يشبه الحطب في النار. والوحمة على بطني. وكيف أنك كنت تحاول تلمس طريقك في أحشائي أكثر، بعيداً عن الفم الموبوء اليابس واللسان الخشن بما يُسْقّط من عظام وضحايا وخراب أمكنة. على امتداد النظر لم يكن ثمة من شيء سوى تشنج يزأر كما شبح في ليل. توتر محموم يكابد الطبيعة البكر. حيث لا منطق لما يحدث من معنى لهذا الصميم المأساوي!
#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفاجئني بالحيّرة !..
-
إقلاع عن التدخين!..
-
ما يُسِرَّعُ المدهش!..
-
الاشرعة تمضي لنشأتها!..
-
هواجس على أطراف الرغبة..
-
يبدأ ثانية!..
-
هناك ألف معنى ..
-
كفيفُ النظر وحده في الليلِ!..
-
مقدارٌ لما تبقى !.
-
الازرق الخام!..
-
الفرصة دائما...
-
الطيارة والولد الوردي..
-
لا مخرج للخليط!..
-
ما يوحي بالحب..
-
لماذا افتراض؟!..
-
الحبُ، مشاكسةٌ أيضاً..
-
مغاور النوافذ السجينة!
-
من وقت لآخر..
-
ما لا يذهب سُدى..
-
إدمان خشخاش الأرق...
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|