ليلى الخفاجي السامرائي
الحوار المتمدن-العدد: 5703 - 2017 / 11 / 19 - 19:55
المحور:
الادب والفن
رحلة موت "
تحرّكَ قطارُ الفجرِ يجرُّ عرباتِهِ المُنهكةَ ، حاملاً توابيتَ الموتى معلنًا قربَ وصولِهِ الى المدفنِ الكئيب ، الموتُ بأصابعِهِ السحريةِ يخرقُ الجبالَ طولاً ، يقتنصُ الأرواحَ الصلدةَ يصارعُها صنوانِ لا يفترقانِ الخيرُ والشرُّ ، يلتحفُ بعضُها بوشاحِ الخطيئةِ ويلتحفُ بعضُها الآخرُ بوشاحِ النقاءِ ، المقابرُ تعجُّ برائحةِ البخورِ ودخانِ الشموعِ ، تتلقَّفُ الأجسادَ الليّنةَ المتجمدةَ العيونِ لاتُفرِّقُ بين غنيٍّ أو فقير ، بين ملكٍ أو غفير ، بين بطلٍ صنديد او جبانٍ رعديد ، دستورٌ كونيٌّ عادلٌ
يوزّعُ الهباتِ بالتساوي ، الغلالُ تأتيهِ صاغرةً مُنقادةً الى مصيرِها الأبدي لا يستوقفُها مطرٌ أو عواصفُ ولا زلازلُ او رعود ، المَخادعُ السمراءُ مُهيأةٌ لاستقبالِ الوافدينَ بصمتٍ تلفُّها عتمةُ الدهورِ ..لاشيءَ في هذهِ الرحلةِ العقيمةِ سوى أصواتِ بكاءٍ ونحيبٍ وأنهارٍ من دموعٍ وناياتٍ تعزفُ لحنَ وداعٍ أخيرٍ . لا سبيلَ للهروب ، الجميعُ يستعدُّ لصفعةٍ موجعةٍ من قدرٍ حتمي يستعرضُ عضلاتِهِ لينتفضَ على الجبروتِ الذي يستوطنُ النفوسَ المُلبّدةَ بالضبابِ ترتعدُ فرائصُها هلعًا من هولِ الكارثةِ ، السماءُ مغرورقةٌ عيونُها بالدموعِ ، الشمسُ أعلنتِ الكسوفَ ، والقمرُ يتهيّأُ للخسوفِ ، مازالَ الموتُ يجرُّ عرباتِهِ الثكلى لا همَّ لهُ سوى قطفِ الأرواحِ كما تُقطفُ الغلالُ من مضاجعِ البساتين . حملتُ بين يديَّ أزهارَ الدفلى والشوكرانِ والكاماسِ الى رحلتي الأخيرة ، أشمُّ عبيرَها القاتلَ بهدوءٍ ، مشيتُ الى مخدعي خائرةَ القوى أجرُّ خطايَ الوئيدةَ الى منفايَ البعيد أحكي للأمواتِ المنتظرينَ قدومي رحلةَ حياةٍ تاهتْ في عشوٍ ليلي ، في غاباتِ الوحشة ، حياةٍ لا طائلَ منها
الدكتورة ليلى الخفاجي السامرائي
19نوفمبر 2017 م
#ليلى_الخفاجي_السامرائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟