|
اللقاء
غازي صابر
الحوار المتمدن-العدد: 5703 - 2017 / 11 / 19 - 03:57
المحور:
الادب والفن
اللقاء غازي صابر أيام وهو يتجول في مدينته التي فارقها قرابة ثلاث عقود من السنين وزار وتفقد أغلب الأماكن التي عاش صباه وشبابه فيها وإسترد الكثير من الذكريات مع الأصدقاء الأحياء منهم وكم ترحم وبكى على الذين فارقوا الحياة ومع هذا لازال يشعرأنه لم يحظ برؤية كل ماضيه وذكرياته الجميلة والحبيبة على قلبه قبل أن يعود الى بلد المهجر والذي سافر اليه مجبر وفي ظروف صعبة مر بها . كانت الشمس تهبط ببطء حزينة ومتعبة صوب الغروب وكأنها تحمل على ظهرها صرة بالية وشاحبة من صفار باهت كورقة شجر ذابلة وقت الخريف ، تجول اليوم كثيراً وفكر بالعودة للفندق الذي يقيم فيه وشعر وكأن تعبه اليوم لايختلف عن تعب الشمس ورحيلها صوب الغروب وكعادته يعود كل يوم بالتأكسي وبين الرغبة بمواصلة التجوال وبين العودة للفندق لمح باص لنقل الركاب قريباً منه فتذكر أيام شبابه وهو طالب في الجامعة وكان هذا الباص رفيقه كل يوم في الذهاب والأياب وتذكر الأيام التي كان يعود فيها الى بيته مع أخر باص ينطلق من مركز المدينة في منتصف الليل وكم نام على مقاعده وهو ثمل وكم سمع قصصاً وحكايات للركاب وكم شاهد فضائحاً وصوراً لتحرش الرجال بالنساء ومن أماكن مختلفة . رأسه لم يأمر قدميه بالتوجه للباص ولكن قلبه هو الذي أخفق حتى وجد نفسه داخل الباص وهو يبحث عن مكان كان يفضله في الطابق العلوي والى جانب الشباك لكن قلبه أشار اليه أن يجلس في الطابق الأرضي وفي المنتصف عثر على مقعد شاغراً ولم يجلس لجانبه أحد وبدأ بالتطلع الى الركاب وكانوا من مختلف الأجناس والأعمار وإستدار نحو النافذة بينما الباص يتمايل في الشارع لأن أغلب شوارع المدينة أصابها الخراب وكأنها تعيش البؤس والشيخوخة كما يعيش هو وكما هي كل واجهات الأبنية وأزقتها الضيقة والقديمه . كان ينقل بصره بين النافذة وبين الركاب وهو يستمع الى ما يتحدثون به وكم كان يتمنى أن يسمع ويرى ما كان يراه عندما كان شاباً وهو يلتقي بهذا الباص كل يوم وبدأ يستعيد بعض المواقف ويردد مع نفسه هنا تشاجرت إمرأة وشاب حاول التحرش بها وهنا صفعت إمرأة شاب وخزها من الخلف وهنا صرخ رجل بأن محفظة نقوده سرقت وهناك تشاجر رجل مع شاب بدعوى مغازلة زوجته وفجأة إستنشق عطرنسائياً وكأنه يعرفه فالتفت وشعر بوجود إمرأة تجلس بالصف المجاور لمقعده إمرأة تبدو عليها الأناقة وعمرها قريباً من عمره وتطلع فيها فأعجبه أنفها البلوطي الجميل كانت محتشمة في لبسها وضل ينظر اليها بين لحظة وإخرى وهو يستعيد الماضي ويتوقف عند كل قطعة من جسدها الشفاه لم يعدن كما في الماضي ممتلئتان الشعر الكستنائي وقد تم تغطيته بشال يناسب ما ترتديه والجسد لم يعد كما كان رشيقاً وإنتبه اليها وهي تحرك خاتم بأصبع يدها وإصيب بالدهشة لأنه سبق له أن أهداها هذا الخاتم قبيل القدوم بخطبتها من أهلها. شعر بالإنفعال وإرتفاع حرارة جسده وشعر بعرق جبينه مع أن الوقت كان نوفمبر وعاد بذكرياته وهو بين الشك واليقين بأن هذه المرأة التي تجلس قريباً منه هي أحلام حبيبة شبابه والتي بسبب فقدانها قررالهجرة الى الخارج أحلام التي عاش معها أجمل سنوات حياته وهما يدوران في شوارع وحدائق المدينة ،أحلام التي كان كثيراً ما يتخلى عن المحاضرات في الجامعة ويذهب للقاء بها أحلام التي يعرف كل ذرة في جسدها وكم غفى وهو يحتضنها وأي عسل كان يرتشف من شفتيها أحلام التي لاتعرف الدفء الا بحضنه وهو الذي يشعر وكأنه يحتضن العالم لحظة يخفيها بين أضلاعه ويسمع دقات قلبها وتلسعه أنفاسها فيلثمها ويلثمها حتى تغفو بين يديه . ضل يتحرق شوقاً حتى يعرف هل هي أحلام التي أحبها وقاتل حتى يفوز بها لكن أهلها كانوا أقوى منه وقد هددوه بالقتل وقاموا بتزويجها من أحد أقاربها فعاش البعد والحرمان وحتى لايختنق بالحزن و يموت قررالهرب الى الخارج . وبين لحظة وإخرى كان ينتظر أن يفرغ المكان الى جانبها حتى يستغله ويسألها إن كانت هي أحلام أم شبيهة بها وحانت الفرصة وغادرت المرأة التي تجلس الى جانبها فنهض وجلس الى جانبها فصفعته رائحتها التي كان يعرفها وينتشي بها وبلا مقدمات نظر في عينيها وإنساب من مفرق جبينها حتى أسفل صدرها وتحول الى قطرات دمع حزينة تطلب الرحمة وبدون وعي منه وضع يديه على يديها فشعر بنفس النبض الذي كان يحتويه قبل ثلاثة عقود وشعرت هي بنفس الدفء الذي كانت تنتظر الساعات حتى تذوب في حناياه وهي تذرف الدموع وتغرق بعبير أنفاسه وهي تردد بحزن والم : ــ لقد طال إنتظاري حتى خشيت الموت قبل أن أراك مرة إخرى .
#غازي_صابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشؤم
-
جاسم والحب
-
الإجتثاث في الإسلام
-
إيران وزمن الثورات
-
البطالة وفساد العقول
-
في القلب جمرة والقمع العربي
-
بين الحاكم العشائري والسياسي
-
مشنقة العقيده
-
زنوبه
-
حكم الزمن
-
جدي وجده
-
السياسي وملابس النساء
-
بصاق الديكه
-
ماذا يحصل لو إنفصل الأكراد :
-
الشيطان الأكبر والماركسيه
-
أوديب والعراق
-
الجهاد الكفائي والنفير العام
-
الأنكليز والحسين
-
نجيب محفوظ وصدام حسين
-
الحوشيه وداعش
المزيد.....
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|