أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - ما جدوى أن تكون مثقفا؟ 15















المزيد.....

ما جدوى أن تكون مثقفا؟ 15


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 413 - 2003 / 3 / 2 - 09:11
المحور: الادب والفن
    



 

 هذا هو السؤال الذي طرحه المفكر السويسري  اليساري جان زيغلر على  المفكر والكاتب الفرنسي المعروف ريجيس دوبريه في حوار ممتع دار بينهما على محطة اذاعة فرانسس كلتور  ونشر فيما بعد في باريس في كتاب سنة 94 بعنوان" كي لا نستسلم".

 بهذه الصورة يضع زيغلر سؤاله:
ـ ريجيس دوبريه، أنت وأنا لدنيا مهنة غريبة، نحن "مثقفان" أي أننا في عداد الناس الذين لا يجيدون فعل أي شيء على الإطلاق اللهم إلا الإنتاج الرمزي، وإنتاج الأفكار والكلمات. غير أن هذه الأفكار تحتاج لمن يجسدها لكي  تصبح موجودة، لكي تصبح قادرة على تغيير الواقع، أي أنها تحتاج إلى حركات اجتماعية. ما المنفعة من وجودنا، وما هو مستقبلنا القريب والعملي كمثقفين؟

 وكان رد دوبريه هو سرد لتاريخ المثقف والمفكر والباحث والفصل بينهما، لكن أشد ما يلفت الانتباه في هذا الرد هو تفسير ريجيس للطريقة التي يخون فيها المثقف دوره حين يصير " مروجا إعلاميا، أو قوالا، أو واعظا، إذا شئت، وبذلك يخون أخلاقية الذكاء. ويخون تعريف المثقف بالذات".
 
 وجان زيغلر وهو مفكر لامع وصاحب قضية صلب  يجد أن مهنته في إنتاج الرموز والأفكار والكلمات قد لا تكون مجدية لوحدها ما لم توضع في إطار منظم عقلاني، وهو في الوقت نفسه يجد أن هذا الدور، دور إنتاج الأفكار والرموز، قليل عليه كمثقف لأن واجبه لا شك يجب أن يكون أكبر. 


 وإذا كان هذا السؤال يصدر من مثقف ومفكر عضوي عملي مثل زيغلر ويعكس عدم رضاه عن دوره، وهو دور كبير ومشرف، فكيف يمكن عكس هذا السؤال في الوضع العراقي أمس واليوم؟.

 لسنا بحاجة لإعادة التأكيد على أن هزيمة ساحقة وشنيعة حلت بالطبقة المثقفة العراقية أو التي تعرّف نفسها على هذا النحو، ولعل أوضح وأفدح علامات هذه الهزيمة اليوم هو غياب الدور الحقيقي لهذه النخبة في التقرير أو في المشاركة أو حتى في هامش صغير في قضية مصيرية هي قضية مستقبل العراق الذي يرسم اليوم في دوائر إقليمية ودولية بمعزل عن مشاركة النخبة المثقفة العراقية باستثناء بعض التوابيت الصدئة التي وجدت أخيرا من ينفض عنها وعن مساميرها التراب ويعرضها لضوء الشمس بعد نسيان وإهمال وخيبة وخسران وفشل عارم.

 هذه التوابيت التي يعيش معظمها في الرمق الأخير، وبعد أن جربت كل أنواع الحرف وفشلت مثل حرفة الحزبي أو حرفة السياسي بنسخته الرديئة أو حرفة الأدب في لجوء يائس بعد إفلاس السياسة فبدأت تكتب أدبا رديئا كأن توسيخ ساحة السياسة لم يكف فقررت تلويث مساحات جديدة ، وحرفة الفن، وحرفة الكتابة الإعلامية من خلال نشر تقاليدها الساذجة والبوليسية وهي مقطوعة عن عالم الثقافة والفكر منذ سنوات ولا تعرف ماذا يدور حولها، لجأت إلى حرفة الدليل  والواشي والخائن والمروج الإعلامي للاحتلال وهي التي كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها لمجرد زلة لسان عابرة، مثلا، عن  تقدم الرأسمالية في مجال التقدم الصناعي والتكنولوجي.كانت هذه وحدها جريمة لا تغتفر.

ومن الغريب، أو من المضحك، أن غالبية هذه النماذج المروجة للحرب هذه الأيام هي من النخب  السياسية المؤدلجة التي كانت حتى وقت قريب تعتبر مجرد عيش المثقف في وطنه  هو جريمة سياسية.

 لكن، فجأة ـ هل فجأة حقا؟ أم أن العدمية السياسية كانت راقدة في قيعان سرية؟  ـ انقلبت الأدوار التي يبدو أنها كانت منقلبة أصلا بصورة معتمة، وتم التخلي علنا، باستخدام لغة التبرير ذاتها في كل مناسبة، عن كل الثوابت الوطنية.

 وكما هو الأمر في لغتها الغوغائية الأولى، لغة الأيديولوجيا ذات الرنين العالي، صار كل من لا يتبعها إلى محفل وليمة الحرب ليس وطنيا، وليس عراقيا، وليس بشرا، لأن الوطنية والعراقية والإنسانية لا تستمد قيمتها وتعريفها ووجودها إلا من حفنة حرفين، مهووسين، تتسلط عليهم فكرة الموت، وفكرة النسيان، وفكرة الإحباط، وفكرة الخوف من الخسارة.

هذه هي طبيعة المفلس وطبيعة الخرف. يصبح كل عمل مبررا ومقبولا وأخلاقيا، حتى التبول على المارة في الشارع يصبح فعلا من أجل الديمقراطية،  ويصبح رمي كل تماثيل القادة والعظماء والأبطال فعلا من اجل التغيير، ويتحول دور الواشي للقوات الأمريكية إلى مناضل من اجل الحرية والاستقلال.

وهذه هي لغة سلطة، لأن السلطة ليست جيشا وشرطة فحسب، بل هي عقلية وذهنية ونمط تفكير وتصور وطريقة تعامل.  

 وبلا شك فإن هذا الدور، دور الواشي والدليل للمحتل، هو آخر أدوارها لأن العمر نفسه لم يعد يسمح بمزيد من ألعاب السيرك والارتجال والطيش والزعرنة.

 وهكذا يتزامن الانهيار السياسي والأخلاقي مع الانهيار الجسدي، خاصة وأن هذه الشريحة الهرمة التي أخذت حصتها في تقرير شؤون العراق في موقع السلطة أو في مواقع المعارضة ولمدة أكثر من نصف قرن، لا تريد مغادرة المشهد السياسي دون  أن تترك حفنة روث أخيرة على تاريخ الوطن.
 

ويبدو أن العاصفة السياسية المحلية قد هبت قبل هبوب العاصفة الحربية، وتكشفت قوى ومواقف كانت مغطاة أو في الأقل مواقف مستترة ومخفية بعناية تحت شعارات براقة، وأبرز علامات العاصفة السياسية هي فضيحة ما كان يتصوره البعض في هذه النخب من جدارة واستحقاق لحمل رسالة وطنية وخاصة في لحظات المنعطف.

 وعلى هذا الأساس فإننا كنا ننام على خدعة ضخمة وكبيرة ومختفية ومسكوت عنها. فكما كانت هناك خدعة ضخمة في عالم السياسة كانت هناك خدعة أضخم في عالم الثقافة.   

 وهذه الشريحة المروجة للاحتلال لا تزال تكتب وتفكر بنفس اللغة السحرية الآيديولوجية الأولى التي خبرناها. وطبيعة اللغة السحرية أنها فوق عالم الحقائق والأشياء وقوانين الطبيعة والجسد والتاريخ.

 وكما يقول الساحر والمشعوذ لشخص ما: أنت ستدخل هذه الغرفة الصغيرة وهناك ستجد قطارا تركبه، أو: إذا فتحت يدي ، سيخرج المارد. أو : في جيب معطفي الأيسر بحر واسع....الخ.. هذه لغة السحر والسحرة.

 وبنفس اللغة الميتة، فإنهم يعتقدون عن قناعة أو عن احتيال أن خصومهم سيحملون نفس الصفات التي سيخلعونها عليهم.

لم لا؟ أليست هذه لغة السحر؟
ألسنا أمام دجل وشعوذة سياسية في عصر القرية الفضائية وبنوك الحيامن وتأجير الأرحام..؟.

 فهؤلاء المومياءات يؤمنون بهذه اللغة بعد تسييسها، أي وضعها في حقل التداول السياسي، فليس غريبا أن يقول أحدهم أو يكتب أن أمريكا جادة هذه المرة في تحرير العراق وان موقفها أخلاقي، عكس فرنسا التي يتسم موقفها باللاأخلاقية.

 غالبية هذه الشرائح من صفوف اليسار العراقي المنقرض والتقليدي الذين تحول بعضهم إلى دور الواشي ليس فقط لقوات الاحتلال، بل لرؤساء تحرير صحف كانوا يعدونهم أعداء طبقيين قبل سنوات، والأسوأ من ذلك أنهم صاروا يعرضون خدماتهم على كل من هب ودب وإعلان الوفاء لصاحب الأمر الجديد ولو كان بصفة ممسحة أحذية أو أمي يمتلك أية وسيلة إعلامية تخرجهم من علبة النفتالين إلى السوق ولو كان هذا السوق هو سوق الخردة.
 فهل هو بحث عن دور جديد بعد فشل الأدوار؟
  ولماذا حلّت الواجهة محل الأيديولوجيا؟.
 المهم الظهور في الواجهة.
ولا يهم نوع الواجهة.
مشهد جنازة،
أو مشهد حفل ردح،
أو مشهد احتلال،
أو مشهد  زفاف،
أو عرس دموي،
ولو كان عرس وطن مغتصب.
لأن المومياء مشغولة بالمشهد والكاميرا والجمهور.

 إذا كان ريجيس دوبريه  يعتبر أن خيانة المثقف لدوره الأخلاقي وللذكاء هو عندما يتحول إلى مروج وقوّال، فماذا سيقول عن مثقف يقوم بدور الواشي للمحتل ويبرر هذه الخيانة بدون حياء؟!

ـــــــــــــ*
من سلسلة مقالات" محنة البطريق".



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسرار ليلة الدخلة 14
- يوميات قلعة الموتى 13
- السجن والطبقة والجنس 12
- الشاعر حسين حبش ـ غرق في الورد
- ذهنية المخبأ السري .11
- الشاعرة جنيفر ميدن ـ تأملات في الوحش
- لن نركع . 10
- انطلاق وحش وقبيلة مركبة 9
- الشاعر علي رشيد ـ الحرب والطفولة
- محنة البطريق ـ نقد العقل الاختزالي 8
- محنة البطريق ـ تفكيك صورة الجلاد 7
- محنة البطريق ـ نقد العقل الجنسي 6
- محنة البطريق ـ مقتل محارب نظيف5
- محنة البطريق ـ الحريق، الحريق 4
- محنة البطريق ـ الرؤية المشوهة
- محنة البطريق ـ فوضى الادوار2
- محنة البطريق وعلامات التحول 1
- الكتابة والاحتيال
- بغداد لن تتزوج الجنرال
- الروائي محسن الرملي ـ الحرب والفتيت المبعثر


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - ما جدوى أن تكون مثقفا؟ 15