|
من سيرقص الإنسان أم الأحمق فينا ؟؟
دعد دريد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 5696 - 2017 / 11 / 12 - 00:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في كل عام مثل هذا اليوم في 11-11 في الساعة 11:11 دقيقة، تحتفل المانيا بالعد التنازلي في مدن مثل ماينز، كولن وديسلدورف، بمهرجان ليلة الصوم. وهو مهرجان فلكلوري ديني شعبي، تعود بداياته الى القرن الثالث-الرابع عشر الميلادي. يحتفل به الكاثوليكيون تمهيداً للراحة من ملذات الجسد من مأكل ومشرب والإسراف باللهو، للتعبد وذكر الله. ويعتبر من أهم الإحتفالات والمهرجانات في المانيا ككل وفي المدن التي ذكرتها آنفاً بشكل خاص. حتى أن الكثير من السواح يؤمون المانيا من كل أنحاء العالم، فقط للمشاركة بأيام هذه المهرجانات. وهو مشابه لمهرجانات ريو دي جانيرو مع الإختلاف بدرجات الحرارة والبذخ بالملابس التنكرية التي تكون متواضعة مقارنة بمثيلتها التوأم اللاتيني وسمرة وحرارة سيداتهن. فنرى المواكب وليست العاشورية، مزينة كل حسب نادي مختلف يختار موضوع معين، كأن يكون موضوع سياسي ينتقد به سياسية أو سياسي عالمي أو محلي أو موقف معين أو موضوع يخص البيئة وغيرها الكثير من المواضيع، وبحسب الموضوع يكون التنكر والدمى والشخصيات المرافقة للعربات المزينة التي يعلوها أفراد متنكرين بدورهم بملابس تعود الى أجواء القرون الوسطى أو غيرها من الأجواء. يرمون بالحلويات والهدايا، على الأعداد الغفيرة من الناس كبيرهم وصغيرهم، بدورهم متنكرين ماشاء لهم وماطاب. من أزياء ومكياج شخصيات خيالية الى شخصيات من الواقع. تُغلق الشوارع للحافلات العادية وبغض النظر عن برودة الجو أو الأمطار، فلا يتغيب أحد وخاصة الحمقى منهم عن الإحتفال والمشاركة، فهو يسمى أيضاً بمواكب الحمقى الذين لايكفون عن الغناء والرقص والمناداة بكلمة " هيلاو" في ماينز وبكلمة " آلاف " في كولن بصوت واحد من الأعداد الغفيرة من المحتفلين كلما مر موكب مع راقصاته وراقصيه ليرمول لهم بالعطايا والهدايا البسيطة الرمزية . وبطبيعة الحال لايخلو هذا الجو من الإفراط بالكحول بكميات هائلة، حتى يقال أن بعد تسعة أشهر من بعد هذه المهرجانات تتضاعف حالات الولادات التي لاتعرف الأمهات من هم آباء أولادهم، وربما هذا أفضل. لم يتوقف الإحتفال بهذا المهرجان على مر الأزمنة، الا بتواريخ محددة لأسباب سياسية أو إقتصادية، على العكس ففي أثناء الإحتلال الفرنسي لمدينة ماينز في القرن الثامن عشر الميلادي، أحتفل شعبها وبتصميم وتحدِ غير علني ضد المحتل، بأن أضافوا للملابس والأعلام التي كان يرفعونها بالمواكب والملونة بالأحمر، الأزرق والأبيض وهي ألوان علم فرنسا، أضافوا اللون الأصفر وهو لون المقاومة السرية ضد الفرنسيين. أما في القرن العشرين مثلا، توقف لمدة 6 ستوات أثناء أزمة البورصة المالية في اوربا في عشرينيات القرن العشرين. وكذلك منع الحزب الفاشي هذه الإحتفالات، وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وهكذا نستشف أهمية هذا المهرجان الشعبي للترفيه عن شعبه، المعروف بجديته ومواظبته في العمل، لكي تكون فرصته في الراحة والبهجة وعدم التكلف في مثل هذه الأيام. أما الإنقطاع الأخير لهذه الإحتفالية، فكان أثناء حرب الخليج عام 1991 والعدوان الأمريكي مع حلفائهم على العراق، وقرر منظمو الحفل مع سياسي البلد، بإلغاء المهرجان بتلك السنة، بالرغم من الخسائر الإقتصادية الكبيرة التي يعنيها الغاؤه. ولكنهم أرادوا إثبات تضامنهم مع شعب العراق ومع نكبته وما عاناه جراء القصف من قتل ودمار، على الرغم من وجود بعض الإحتجاجات هنا وهناك، بأن الأفضل لو منعوا الحرب من أن يمنعوا البهجة والإحتفال. الا أن جميع مدن الراين لم تحتفل، الا في داخل النوادي الخاصة بهم في تلك السنة. وللقارئ الذي لم يشارك أو يعش ماهية وكيفية هذا الإحتفال، لن يعي بهذه الكلمات ربما، مايعنيه الغاؤه. فهو كإلغاء الإحتفال في بلادنا بعيد الفطر او الأضحى أو بأعياد الميلاد، وبرأيي ربما أكثر. وعوضا عن ذلك خرج آلاف المتظاهرين حتى وهم يدفعون عربات أطفالهم وبرغم شدة البرد التي أتذكرها وهم يحملون الشموع والشعارات التي تنادي " لانريد النفط مقابل الدم". أعلم أن هذا لم يوقف الحرب ولا التي تلتها وتلتها، ولكن الإنسانية لاتتوقف عند لون أو عرق أو دين. ولو هبت كل شعوب الأرض هبة إنسان واحد ضد من يريدون السيطرة والهيمنة ومن يصنعون الأسلحة والحروب والديكتاتوريات، لما وصلنا الى ما هو آل عليه وضعنا اليوم ، شرقاً وغرباً، شمالاً أو جنوباً. سيأتي الدور على الجميع، ولا فكاك من ذلك. فوجودنا لم يكن بإختيارنا، لكن ماهيتنا هي بإختيارنا. ومسؤوليتنا هي ليست فقط لأنفسنا أو لمن هم الأقرب الينا، ولكن مسؤوليتنا تجاه كل مخلوق على بقعة الأرض هذه. وإذ استمر سكوتنا ولا أباليتنا، جبننا أو خوفنا على مصالحنا المزعومة، فلندع الإنسان جانباً ولانقرأ حتى الفاتحة عليه وعوضاً ليرقص الحمقى على جنازته!
#دعد_دريد_ثابت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زهور المنون
-
كرنفال خريف
-
هل يعيد التاريخ نفسه؟ وهل نعيد أدوار السلف؟ وهل نحن على قاب
...
-
مناجاة كأس
-
حلم الريح
-
اللعبة
-
صحوة الموت الصغير
-
حين يكون الوعي ذبابة !
-
تعابير العدم
-
ستقضي العولمة على نفسها ببراقش !
-
أتون ليل
-
مخاض موت مجرة
-
قلق الغياب
-
همس جرادة
-
القبض على غربة متلبسة بإثم وطن!
-
أنة النثيث
-
الغربة باب
-
لم أصل بغداد الا أمس!
-
سرمد الغياب
-
هل أكون أو من أتوهم بكوني؟!
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|