|
هل يكره الرجل المرأة الأذكى منه؟
مريم القحطاني
الحوار المتمدن-العدد: 5688 - 2017 / 11 / 4 - 22:50
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المال والجمال من أهم مصادر القوة التي قد يتحلى بها الإنسان. فالمال يؤمّن لك حياة كريمة والجمال يكسب تقدير الناس وانجذابهم إليك، بل أن الجميل يستطيع أن يكسب الصفح وحسن الظن من الآخرين دون عناء يذكر. لذلك نرى الناس يتصيّدون عطف العالم بنشر صور أطفالٍ بأعين ملونة في قلب الحرب أو المجاعة ويضع التجار منهم صورة عارضة حسناء جوار البضاعة في الاعلانات. ومن مصادر القوة الأكثر كلاسيكية واهمالاً، الذكاء التحليلي المنطقي واللياقة والقوة البدنية التي غالبا ما تقرن بالرجل. فالمرأة التي يغلب عليها التفكير المنطقي أو التي تهتم بالرياضة قد تترك انطباعاً ذكورياً على الناظر اليها رجلاً كان أو أنثى، وهذا لأن الأجيال السابقة جميعها ربطت العاطفة والنعومة الجسدية، وربما الضعف، بالأنوثة وبالتالي المرأة.
منذ أن هبط الرجل على هذه الأرض وفكرة القوة ترسل اليه بشتى الوسائل وكأنها الوصية الوحيدة التي عليه ألا يهملها. لابد له أن يصبح ذكياً، بما معنى.. منطقياً في تفكيره حازماً في قراراته، حتى أنه يتم نهره إن بكى أو ظهرت عليه علامات الليونة العاطفية وكأن حضور المنطق يتطلب نفي أو تجميد الأحاسيس. يُنهر إن فشل في حمل شيء من الأثقال ويوبخ لضعفه ويُشكك في كفاءته الجسدية، يُنهر إن كان قصيراً أو هزيلاً فيدفعه طويل القامة ويصرعه مفتول العضلات، وتخيب آماله مع النساء حتى القصيرات منهن. هذا لأن العقل الباطن يترجم الطول والارتفاع على أنه عُلو، أي قوة ورفعة. لذلك تنجذب الفتاة الى الرجل الأطول قبل الأقصر لأنها تجد في الطول قدرة على حماياتها. هذه الفكرة قادمة من نظرية التطور الداروينية والتي تفترض أن الطول لدى الانسان الأول كان يعني القدرة على رؤية الوحوش من بعيد ويعني أيضاً سيقاناً طويلة قد تساعد في سرعة الهرب من الخطر إن لزم الأمر.
وهنا يعود السؤال: هل يكره الرجل المرأة الأذكى منه؟
الجواب يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مسألة الضعف والقوة، لأن هذا السؤال في الحقيقة يقول "هل يكره الرجل المرأة الأقوى منه؟" علينا ملاحظة نقطة التفضيل وليس فقط التحلي بالصفة. الذكاء قوة وبالتالي فإن الرجل قلّ أن يقبل بامرأة تشعره بالضعف سواء عن طريق مالها أو طولها أو ذكائها أو قوتها الجسدية. لذلك قد يتردد في الارتباط ببنت أغنى منه، وإن لم يخف من ذلك وأعجبته الفكرة فهو يتردد في الارتباط بالبنت الأذكى أو الأطول أو الأقوى وهكذا. وقد يعترف الرجل دون تردد، ودون أن يجد في ذلك غرابة، بمسألة قلة انجذابه للبنت الأطول. وسبب رفض الرجل لها والذي قلّ أن يدركه الرجل، هو أن قوتها أو تفوقها عليه ظاهر للعيان وليس فقط أمراً يشعر هو وحده به. فحتى إن قبل فكيف سيسلم من نظرة الناس الى تفوقها الملحوظ عليه؟ لابد من أن يتمتع بثقة استثنائية بالنفس أو عقدة تجعل هذا الطول يُشبع شعوراً ما بالنقص لديه، ويندر أن توجد منطقة وسطى.
أما بالنسبة للجمال فقد علمتنا الثقافات مراراً وتكراراً أنه من صفات الأنوثة الخالصة، وأن الجمال من "أساسيات" الأنثى إن صح التعبير، بينما يبقى بالنسبة للرجل مجرد أمر ثانوي، بل يُهاجم إن زاد جماله عن المعايير المتعارف عليها للرجل في ثقافته، ويصبح مصدراً للسخرية والتنمر من قبل الجنسين، والعكس صحيح إن تفوق بذكائه المنطقي، يتحول إلى فرد مثير للإعجاب والجذب وكذلك هو الحال مع البنت الجميلة.
ولأن الامهات والجدات قد علمن بهذه النقطة قبلنا جميعاً، نراهن يعلّمن البنات أهمية اخفاء مكامن القوة حتى تصبح المرأة حليفة الرجل، لا ندّه، وحتى لا ينظر اليها كمنافس في حياته ولتكسب عطفه وولاءه، لذلك عليها ألا تلبس كعباً عالياً إن كان زوجها قصيراً، ولا تجادله خاصة إن كانت أذكى منه، وهكذا.
ومن ناحية أكثر عملية، فإن في الماضي البعيد كان الذكاء الجسدي- السرعة واللياقة البدنية- تعني القدرة على النجاة والعيش. أما الآن في عصرنا هذا فقد حل محله الذكاء المنطقي خاصة إن كان هذا الذكاء قد توّج بشهادة علمية. في هذه الحالة قد يشعر الرجل بعدم قدرته على توفير ما احتاجت إليه المرأة منذ أن عرف الرجل نفسه: لقمة العيش والحماية. فلقد عاشت الأجيال جيلاً بعد جيل متبنية فكرة أن قوة الرجل تكمن في قدرته على أن يحمي ويعول هذه المخلوقة - المرأة - الأضعف منه. لذلك فإن الرجل قد لا يعنيه ما إذا كانت المرأة أذكى منه أم لا، ولكن في علاقاته الشخصية، قد يخشى من عدم أهميته في حياة المرأة بل وتمردها عليه إن هو أخطأ في حقها أو تقاعس.
* مريم القحطاني كاتبة يمنية أميركية
@Mqahtanite
#مريم_القحطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا عيدك
-
كيف تعود بعد الحب إلى نفسك
-
عُزلة
-
اليمن: رقصة الشرح البيضانية
-
في الطريق الى صنعاء / قصة قصيرة
-
صلاح وفرويد والمرأة الشبح!
-
-جَعلُّه الساحق والماحق! / قصة قصيرة
-
لماذا لم يربح عمار العزكي في أراب أيدول؟
-
حظ ناقص
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|