أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مروة التجاني - في اعتزال العالم














المزيد.....


في اعتزال العالم


مروة التجاني

الحوار المتمدن-العدد: 5684 - 2017 / 10 / 31 - 23:42
المحور: الادب والفن
    


قد أتورط في خطاب مفرط في الطول إن أنا ذكرت هنا على وجه الخصوص كل الأسباب الطبيعية التي تدفع بالأشخاص المسنين إلى الانسحاب من التعامل مع الناس : فتغير أمزجتهم ، ومظاهرهم ووهن أعضائهم ، هذا كله يدفع بهم رويداً رويداً ، مثل معظم بقية الكائنات الحية إلى الابتعاد عن مخالطة أشباههم .

والكبرياء التي لا تنفصل عن حب الذات تحل عندهم محل العقل : فهي لم تعد قابلة للإغراء بأشياء كثيرة تغر الآخرين ، ولقد اطلعتهم التجربة على ثمن كل ما يرغب فيه الناس في مرحلة الشباب واستحالة التمتع به لفترة طويلة ، إن مختلف السبل التي تبدو مفتوحة أمام الشبيبة من أجل بلوغ العظمة والمتعة والشهرة وكل ما يسمو بالأنسان قد أوصدت دونهم ، سواء بسبب سوء الحظ ، أو بسبب سلوكهم ، أو لحسد الآخرين وظلمهم ، والدرب الموصل إليها طويلة جداً وشاقة جداً إذا تاه فيها الأنسان ذات مرة ، فالصعوبات تبدو لهم غير قابلة للتذليل ، والسن لم تعد تسمح لهم بإدعاء المجابهة .

يصيرون غير حساسين إزاء الصداقة ، ليس لأنهم لم يكادوا يجدون صداقة حقيقية ، بل لأنهم شاهدوا موت عدد كبير من أصدقائهم الذين لم يمكنهم الزمن ولا المناسبات من التخلي عن الصداقة ، ويقتنعون بسهولة بأنهم ربما كانوا سيظلون أكثر وفاءً من الذين تبقوا لهم .

لم يعد لهم نصيب من الخيرات الأولى التي ملأت مخيلاتهم في البداية ، بل لم يعد لهم نصيب من المجد تقريباً : وحتى ما نالوه منه ذوى بفعل الزمن ، وفي الغالب يفقد منه الناس وهم يهرمون أكثر مما يجنون .

كل يوم ينتزع منهم قطعة من ذواتهم ، لم تعد لديهم حياة كافية للتمتع بما يملكون ، وأقل من ذلك أيضاً لبلوغ ما يرغبون فيه ، لايرون أمامهم إلا الأحزان والأمراض والمهانة ، كل شئ شوهد ، ولاشئ يمكنه التحلي في نظرهم بنعمة الجدة ، والزمن يبعدهم خفية عن زاوية النظر التي تناسبهم لرؤية الأشياء ، ومن حيث يجب أن يروا هم أنفسهم .

أسعدهم لا يزالون قيد التحمل ، والآخرون محتقرون ، أفضل ما تبقى لهم هو أن يخفوا عن الناس ما يمكن القول إنهم بالغوا في إظهاره .

ذوقهم المتخلص من الرغبات غير المجدية ينزع عندئذ إلى أشياء بكماء باردة العاطفة ، فالمباني ، والزراعة ، والاقتصاد ، والدراسة ، كل هذه الأشياء تخضع لإرادتهم ، وهم يقتربون منها أو يبتعدون عنها كما يحلو لهم ، إنهم سادة أهدافهم وانشغالاتهم ، كل ما يرغبون فيه هو تحت سيطرتهم ، وبما أنهم تحرروا من التبعية للناس ، فإنهم يجعلون كل شئ تابعاً لهم .

أكثرهم حكمة يتوصلون إلى استغلال الوقت الباقي لهم لخلاصهم ، وبالنظر إلى أنه لم يبق لهم إلا نصيب قليل جداً من هذه الحياة فأنهم يتطلعون إلى حياة أخرى أفضل .


أما الآخرون فليس لديهم إلا أنفسهم على أية حال شهوداً على بؤسهم ، فيتسلون بآفات شيخوختهم الخاصة ، وأبسط استراحة تمثل لهم محطة سعيدة ، أما الطبيعة ، الواهنة والأكثر حكمة فغالباً ما تنزع عنهم مشقة الرغبة ، وأخيراً فأنهم ينسون الناس ، والناس في منتهى الأستعداد لنسيانهم ، بل إن غرورهم يجد عزاء في اعتزال العالم ، ومع الكثير من الضجر والارتياب والضعف ، عن ورع حيناً ، وعن تعود غالباً ، يتجشمون ثقل حياة عديمة الطعم ، وواهنة .

_ من كتاب حكم وأفكار / فرانسوا دو لاروشفوكو .



#مروة_التجاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فكر مدام دو ستايل الأدبي
- أيام في الزنزانة
- ديستوفسكي في عيادة فرويد - تشريح المثلية المكبوتة
- كفاح المثلية الجنسية .. شكراً دافنشي
- The Coat
- اختراع العزلة
- كفاح المثلية الجنسية .. شكراً اندرية جيد
- سيمون فايل - فيلسوفة التجذر 2
- سيمون فايل - فيلسوفة التجذر 1
- المثلية الجنسية ليست جريمة
- الغرفة المزدوجة
- مع باستر كيتون - 1922
- الصور الجميلة
- تأملات ماركوس أوريليوس
- هواجس جسد فتاة مثلية جنسياً - 2
- هواجس جسد فتاة مثلية - 1
- في حبي
- الفصيلة المعدنية
- الله عارياً
- أحبه بكل ألواني


المزيد.....




- بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
- بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر ...
- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
- الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو ...
- -ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مروة التجاني - في اعتزال العالم