|
الدولة أولاً...
شاكر كتاب
أستاذ جامعي وناشط سياسي
(Shakir Kitab)
الحوار المتمدن-العدد: 5680 - 2017 / 10 / 26 - 20:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أفرزت الأحداث الأخيرة والخلافات الحادة بين الحكومة الإتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان أن هناك خللاً بنيوياً في تركيبة المشهد السياسي الذي أفرزته ما يسميها البعض باعتزاز شديد بـ " العملية السياسية ". وهذا الخلل يستند في وجوده أصلا إلى خطل في الرؤيا الإدارية التي يتمسك بها القائمون على السلطات في المركز والإقليم على حدٍ سواء. ونذهب أبعد لنقول أن هذا الخطل قد فرضته ظروف الحصار الظالم على شعبنا في تسعينات القرن المنصرم واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وقيادة السلطة مباشرة من قبل سفيرها بول بريمر. ولنبدأ من آخر السلسلة. أولاً : وفي أعقاب صدور قرار مجلس الأمن رقم 688 عام 1991 قامت فرنسا وبريطانيا وأميركا بإنشاء منطقة آمنة شمالي العراق بالقوة بمساحة قدرها 2400 كم2. كما فرضت حظرا جويا على الطيران العراقي عند خط عرض 36 شمالا، وكانت قاعدة أنجرليك التركية هي مركز الطائرات التي قامت آنذاك بتنفيذ الحظر. وبالرغم من أن أمريكا قد اعلنت أن هذه المنطقة مؤقتة تنتهي مع عودة اللاجئين وتسلم الأمم المتحدة إدارة شؤونهم . ألا أن في الحقيقة بقيت هذه المنطقة محمية من قبل القوات الغربية واستطاع الحزبان الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني أن يؤسسا بشكل غير رسمي لإدارة مستقلة تماماً عن بغداد بعد أن مرت علاقاتهما بكثير من أشكال الصراع بينهما بما فيها الدموي. وعندما اصبح العراق تحت الإحتلال الأمريكي عام 2003 كانت كردستان العراق مهيئة إداريا وسياسياً وحتى اقتصاديا لتتمتع باستقلال شبه تام عن بغداد. ثانياً: دخل المحتل الى العراق بعد أن اشبعه ضعفاً بسبب الحصار الطويل اقتصاديا وسياسيا وعسكرياً. ومع دخول المحتل كانت الدولة العراقية قد سقطت بالكامل وأجهز عليها بحل الجيش والأجهزة الأمنية ووزارات أساسية ومؤسسات هامة أخرى. ثالثاً: في هذه اللحظات بالضبط كان الكرد مدعومين على كل الأصعدة من قبل سلطات الإحتلال. وكانت المؤسسات الكردية مستقرة وتؤدي أعمالها بشكل جيد. في مقابل فوضى عارمة في بقية أنحاء العراق. رابعا: جاء دستور عام 2005 ليقرر أن العراق دولة اتحادية وأن كردستان العراق هي إقليم إتحادي. ونذكر مرة أخرى أن الدولة كانت ضعيفة للغاية في حين كان الإقليم أقوى بكثير. فلقد اشتعلت الحرب الطائفية في نفس الوقت الذي ازدادت مقاومة المحتل من قبل العراقيين. واذا كان الإحتلال وقبله الحصار قد دمّرا العراق وبنيته التحتية فإن الحرب الطائفية قد مزقت نسيج المجتمع العراقي مع ما رافق ذلك من شهداء وضحايا وأرامل وأيتام ومعوقين ومهاجرين وتهجير وعاطلين عن العمل وخراب اقتصادي شامل وانتشار الجريمة المنظمة والعصابات وشبكات الفساد وسرقات المال العام وضياع الآفاق وغياب كامل للدور الفاعل للدولة. خامسا: جرت الإنتخابات النيابية الأولى عام 2005. وقد رافقها سيل كبير من التزوير والإغتيالات والتهديد وصدور فتاوى متناقضة المواقف من المشاركة فيها. فجاء أول برلمان عراقي بعد الإحتلال عليلأ كسيحاً بلا أية إرادة وطنية سوى اتباع قرارات رؤساء الكتل الذين كان القادة الكرد أقوى عناصرهم. سادساً: عملا بهذا الدستور الذي استند في فلسفته على الرؤيا الأمريكية راحت الإدارة الكردية تأخذ شكل الإقليم المتكامل مع وضعه لشروط ثقيلة للتعاون مع بغداد في مقابل تحالفات سياسية مريبة تتعلق بالحكومة وتركيبتها والمحاصصة فيها. فحصل الإقليم على المزيد من الإمتيازات المالية والسياسية والإقتصادية في موازاة اضعاف مستمر للدولة وبقية أجزائها. سابعاً: مما سبق من تفاصيل مضافاً إليها إخلاص القادة الكرد لقضيتهم القومية في مقابل خيانات القادة العرب لدينهم ووطنهم وتفضيلهم مصالحهم الشخصية والعشائرية والطائفية فلقد كان من الطبيعي أن يصبح الإقليم اقوى من المركز أي من الدولة من كل النواحي. ولا ينبغي أبدا أن يفوتنا ذكر التحالفات غير المقدسة التي رافقت انهيار الدولة التدريجي وصعود نجم الإقليم من قبيل التحالف الإستراتيجي الشيعي الكردي. أو احتواء القيادات الكردية للقادة السنة اثناء تعرضهم لملاحقات غير نبيلة قامت بها بعض أطراف الحكومات المتعاقبة . هذا الإحتواء الذي سيتحول قريباً إلى تحالف اسراتيجي سني كردي. ثامناً: مع دخول داعش الى عدد من محافظات العراق ومع إثارات متكررة من قبل القادة الكرد لما سمي بالمناطق المتنازع عليها بما فيها كركوك الغنية بالنفط وسهل نينوى بل ودخول البيشمركة ( جيش الإقليم ) الى كركوك بقوة السلاح واحتلالها بحجة حمايتها من داعش في الوقت الذي اتخذت فيها كل الإجراءات لضمها الى الإقليم بدءاً من السيطرة على آبار النفط وصولا الى إجبار اهلها للمشاركة في ما سمي بالإستفتاء مرورا بالتغيير الديمغرافي للسكان وبمجلس المحافظة ومحافظها الذي عرف علناً بشوفينية مفرطة. تاسعاً: ثم جاء الإستفتاء الذي قصم ظهر البعير رغم أنه لم يكن قشةً بل من أكبر كل انواع البلوزرات. ثم استتتبع الكثير من الفعاليات السياسية والأمنية انتهت باستعادة كركوك والكثير من المناطق التي لم تعد متنازعاً عليها. ورافق ذلك إنشقاق خطير في الصف الكردي ( بين السليمانية وأربيل ) وفي كل حزب من الأحزاب الرئيسة المسيطرة في كردستان العراق. كل ما تقدم , وكل ما جرى يضع أمامنا درساً لا ينبغي أبداً تجاوزه وهو : 1- أن الدولة الضعيفة المفككة لا يمكنها تأسيس أقاليم لا ذات طابع قومي ولا ديني لأنها غير مؤهلة لأي إجراء إداري حاسم بل ستقع تحت إملاءات شروط قادة الأقاليم, لا سيما إذا لم تتوفر قيادة اتحادية وطنية وغيورة. 2- لا يمكن السماح لأي إقليم أن يكون أقوى من الدولة – المركز كما جرى في العلاقة بين إقليم كردستان وبغداد. 3- لا يمكن ابدا القبول بتمتع اي إقليم بصلاحيات هي من اختصاص المركز اي الحكومة الإتحادية. 4- لا يجوز ابدا التفكير بتأسيس أقاليم ( حتى الإدارية منها ) ما لم يصار إلى إنجاز بناء الدولة القوية العادلة أولاً وقبل كل شيء. 5- يبقى أن نتساءل ما فائدة الأقاليم وما ضرورتها ودرجة الحاجة لها إذا ما توفرت لدينا دولة قوية عادلة , تعتمد في أسسها الجوهرية مبدأ المواطنة والإزدهار الإقتصادي والرقي العلمي والحضاري وتحافظ في ذات الوقت على كامل حقوق الإنسان بل حتى حقوق الحيوان والزرع وعلى التميز الثقافي والطقوسي لكل مواطن ولكل مجموعة بشرية أو شريحة أو دين ومذهب وعنصر.؟؟؟؟. إلا إذا اتفقنا على الحاجة لحلول إدارية مناطقية محددة في بعض المحافظات لا يمكن ان يتوفر لها مكان في في محافظات أخرى.
#شاكر_كتاب (هاشتاغ)
Shakir_Kitab#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تغريدة عن استشهاد الحسين ع
-
الحزب السياسي بالمختصر المفيد
-
هجرة الرسول ص.
-
من يمثل الشعب العراقي في أزمته الوطنية الراهنة ؟؟
-
سقوط ترامب على الأبواب
-
في استراتيجية الوعي الوطني.
-
عراق ما بعد داعش..!!
-
في نظرية العمل
-
بيان شخصي.
-
بيان حول اتهامات وزيرالدفاع لعدد من المسؤولين.
-
خلافات سرمدية – من يقف وراءها !؟؟
-
أسئلة إلى دولة رئيس الوزراء
-
ثلاثية التخلف وعبادة الشخصية
-
أنتم في واد ونحن في واد
-
صوت الشعب هو الحقيقة
-
حل الكتل السياسية المتسلطة
-
حول أكذوبة التكنوقراط ..!!
-
أصحاب السور وموقف العبادي ..!!
-
العراق ... يجب تغيير فلسفة الدولة
-
مرة أخرى - العراق أنموذجا
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|