|
رواية الهتلية للروائي - شوقي كريم - / قراءة في النزعة الجرمية للمجتمع العراقي
عبد الجبار نوري
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 5678 - 2017 / 10 / 24 - 15:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربما يبدو في أختيار الروائي شوقي للعنوان الصادم والذي يعتبر من جملة ( المسكوتات ) التي أختارها بشجاعته المعهودة في أسقاط ورقة التوت عنها وأظهارها للمتلقي للمشاركة في أيجاد الحلول لها ، ثمّ أن مفردات الهتلية والسرسرية تعني باللغة التركية العصملية القديمة (جامعي الضرائب ) وتقول الحكاية التركية عندما عيّن الوالي العثماني نخبة الهتلية لجمع الضريبة وصلت أخبارهم بأنهم لصوص وفساد أداريين وماليين ، فأستبدلهم بالسرسرية فكانوا أسوء منهم في اللصوصية والحرام ، وبما أن العراق كان من الولايات المهمة للأمبراطورية العثمانية فأصبحت تستعمل كلمة " الهتلية " كمفردة تعني الأنحطاط الخلقي وكنوع من الأساءة والذم لأنها تحمل مضامين اللاأخلاق ، وأن الروائي أستعمل هذه المفردة كرمزية يرمي بها السلطات الحاكمة والجائرة التي تعاقبت على حكم العراق ، وتتضمن الرواية أشارات للزمكنة الجغرافية والتأريخ في العراق ، وببراعة المؤلف تمكن أن يغور في أعماق المجتمع العراقي حيث زواياه السوسيولوجية لسنوات المحنة حيث أختار الفترة الحرجة في حياة الأمة في ثمانينيات القرن الماضي والفترة العصيبة بين 2006- 2008 سنوات الأحتراب التي أرتقت للحرب الأهلية حيث نقطة اللاعودة . الهتلية بناء روائي ممتع مستعرضاً الشخصية العراقية المعاصرة بكامل صورتها الواقعية الملموسة على الأرض العراقية تشق طريقها للوصول إلى التسلط على رقاب العباد بشتى وسائل اللاأخلاق لسد النقص الذي يعانيه من الأستلاب المادي والروحي محاولة للأستئثار بالمال العام وهو الباب الذي فتحهُ شوقي للرواية للبحث عن الحل للخروج من المحنة ، لذلك أعتمد الروائي شوقي على أستعراض الأحداث الشاخصة وحوّلها ببراعته المعهودة في الجزئين االشروكية والخوشية إلى رموز ودلالات وصور أستعارية دقيقة الأختيارومتقنة ، وأعطى لبطل الرواية الأولوية في الظهور كي يترجم واقع حال البلد المأزوم منذ سقوط العراق جغرافية وتأريخاً في 2003 ، أما رجال الدين يرمز لهة بالكهنة فهم أصحاب القرار في القيادات الحاكمة الذين وحدهم يمتلكون اللعب في مقدرات العباد والبلاد ، وأعتمد الواقعية التعبيرية كنمط للمسار السردي في جعل المتلقي يقوم بنفسه في تركيب الرؤى والأحداث المعروضة في النص ليرجعها إلى أصولها الواقعية المشهودة فعلا على أرض الواقع ، فكانت أدواتهُ أرضية الزمكنة والأحداث المتسارعة والمستلبة من قبل أنقلابات العساكر وحكومات توفيقية متلاحقة على السلطة ، نجد أن البطل ينفث آهات الندم والأحباط بشهيق وزفير بحشرجاتٍ مسموعة تترجم وخزات الجلد الذاتي في الصفحة 110-113 أنهُ لم يكن أهلاً في تقديم القربان من دمه وروحه لأيقونة الوطن المصلوب على جدار الخوف حيث يقول( ---صمتي يعني فشل آمالي وأمانيي في الأنتصار ، تعرض الروائي شوقي وبشجاعة بارعة في التصدي( للمسكوتات) التي تعايش المجتمع والتي تعتبر فوبيا للكتاب والروائيين في تهيّب الأشارة أليها أرضاءاً لجهات وأغضاب جهات أخرى كالمحرمات الثلاثة ( الدين والجنس والعنف السياسي ) ومسائل الحلال والحرام ، والخروج عن طاعة ولي الأمر والأعراف القبلية العشائرية ، فالكاتب بجرأته وشجاعته البحثية تمكن الغوص في ثنايا الأعماق والكشف عن زواياها المظلمة لينتشل تلك الموروثات العقائدية والقيمية الدينية والوضعية ويعيد صياغتها جمالياً وسردياً ويقدم مثل هذا النص الأدبي الرائع . هتلية شوقي كريم وشم في ذاكرة المجتمع العراقي أن نزعة اللصوصية والتخريب تبدو وكأنها ظاهرة مرضية خطيرة ، وأن أعمدة علماء النفس والتأريخ منهم الدكتور " على الوردي " والعلامة المؤرخ " عبدالرزاق الحسني " والعلامة المغربي أبن خلدون أكدوا على بداوة وذكورية الشعب العراقي والترسبات الأرثية القبلية التي تحملها الشخصية العراقية بالذات من خلال قساوة البيئة الصحراوية المجدبة والمستلبة والحروب والغزوات والمجاعات والفيضانات والطاعون والحكومات المستبدة كل ذلك بلورت في أعماق اللاوعي العراقي( نزعات جرمية ولصوصية وتخريبية ) ( وعاظ السلاطين –د/ علي الوردي ) ، ويؤيّد العلامة والمؤرخ عبدالرزاق الحسني تلك النزعات الهابطة والغير أخلاقية في كتابه تأريخ الأحزاب السياسية 1908 – 1958 في فصل كتابة مذكرات الملك فيصل الأول أقتبس النص التالي{ --- الشريف حسين يوصي ولدهُ فيصل وهو ذاهب ألى العرق – يا ولدي هذا العراق لا يؤتمن فقد غدر بعمك الحسين ابن علي ابن أبي طالب حيث دعوه ثم قتلوه ، فاذهب أليها وحدك ، وكتب عن فيصل الأول عندما عايش العراقيين في 1933 ، يذكرفيصل في مذكراته { لا يوجد في العراق شعب بل توجد تكتلات بشرية خيالية من أية فكرة وطنية متشبعين بتقاليد وأباطيل دينية لا تجمع بينهم جامعة ، سماعون للسوء ميالون للفوضى مستعدون دائماً للأنتفاض على أية حكومة كانت ( عبد الرواق الحسني / تأريخ العراق السياسي ج1ص12 . أن الهتلي في عنوان الرواية ليس بالضرورة أن يكون من الطبقة الفقيرة والمعدمة بل ممكن أن يكون من الأثرياء والموسرين أو حتى من رجال الدين ، وفي القاموس السياسي العراقي المعاصر كان أغلب الرموز السياسية وبطانة دكاكين الأحزاب الرثة من طبقة (الهتلية ) أبتداءاً من العهد الملكي الذي أعتمد بعض من قادته على الشقاة في أيام التقاطعات السياسية ، أما العهد الجمهوري فكان( أ---- من أخيه نورالدين) كما يقول المثل البغدادي ، حيث ظهر من قادتهم شقاة وبلطجية وقطاع طرق أمثال ناظم كزار وعلي رضا باوه وجبار كردي وعلي كيمياوي وسمير الشيخلي وعلي صالح السعدي ، أما العهد الديمقراطي الجديد والحمد لله ظهر لنا منهم بعض من هتلية وسرسرية أبطال روايات هندية ، أمثال اللص أيهم السامرائي وزير الكهرباء الأسبق وحازم الشعلان وزير الدفاع الأسبق وعبد الفلاح السوداني وزير التجارة الأسبق ووووو . الذاكرة العراقية تأبى من مسح أهزوجة هتلية الشارع العراقي (حلو الفرهود كون يصير يومية ) في 1941 ذلك الشعار المعيب والمخزي في نهب أموال الطائفة اليهودية وقتل وجرح ألفي شخص منهم ودعم الحكومة للشقاة بأسقاط الجنسية العراقية عنهم (عدنان نورالدين – كتاب هتلر في الأبريق ) وتبعهُ فرهود وتدمير قصور الملوك عام 1958 ، وفرهدة الفيليين في عهد النظام الصدامي الفاسد في 1980 ، أما عن بعض هتلية العهد الديمقراطي الجديد ولصوصها يكفي أن نذكر أختفاء 800 ملياردولار خلال 14 سنة من الأحتلال وهي تكاد تعادل ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية وأكثر . كاتب ومحلل سياسي عراقي مقيم في السويد كُتب في 24 اكتوبر 2017
#عبد_الجبار_نوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زلماي خليل زاده--- والعرق دساس !؟
-
الرئيس---- الفوبيا
-
أنجيلا ميركل / المستشارة الألمانية الدائمة!؟
-
حمى اليمين المتطرف في الغرب الأوربي وأمريكا
-
الدولة المدنية الديمقراطية/ العلاج الأمثل لوطننا المأزوم !!!
-
الفنان التشكيلي- كاظم حيدر/ وأرجوانية لوحة ملحمة الطف الشهيد
...
-
أضطراب الهوية ---في أزدواجية الجنسية !؟
-
الأرتهان للأستيراد---- نكسة للسياسة الأقتصادية
-
أيرما - ضيف ثقيل على ولاية فلوريدا !؟
-
طوفان ------ العشوائيات !؟
-
حكام / سارقو الأكفان وعرّاب مافيات الشركات الأمنية
-
نجيب محفوظ في - أولاد حارتنا- / قراءة برؤى واقعية مغايرة
-
قانون العفو العام / مكرمة للجلاد وخيانة للضحية!!!
-
نواب للبيع --- وتواقيع الأستجواب !!!
-
يا عراقيون--- أين أنتم من سارقيكم ؟؟؟
-
رواية أفواه وأرانب / والمعالجة بمنظور ماركسي !؟
-
أحتساب 9-1 في طريقة سانت ليغو / نكوص أخلاقي جديد !؟
-
العراق المأزوم ---- وفوبيا الأختيار
-
شظايا ----- وزارة الداخلية العراقية!!!
-
أيزابيل ألليندي في بيت - الأرواح - رؤى في حيثيات الحلم والوا
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|