|
على خطى يسوع-11- من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر أولا
طوني سماحة
الحوار المتمدن-العدد: 5669 - 2017 / 10 / 14 - 22:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أوقفوها في الوسط. كانت كل العيون مثبتة عليها. كانت شبه عارية بعدما أمسكوها في ذات الفعل. جروها من الفراش. أطلقوا شريكها حرا وأتوا بها مقيدة الى الهيكل. كانوا يكيلون لها الشتائم والإهانات. كانت تشعر في ذلك الوقت أنها أشبه بالبهيمة. وضعت رأسها في الأرض وتمنت لو ان الأرض تبتلعها. حتى الدموع خانتها. كانت ترتجف وترتعد شعورا منها بالعار وخوفا من الذل والموت. كانت تتوقع ان يشق الحجر الأول رأسها في أي لحظة. كانت كلمة زانية تتبعها مثل ظلها. وقف الرجال حولها مثل الجزارين. كانت لحاهم الطويلة تهتز تحت شفاههم وهم يصيحون مثل البرابرة "ارجمها، ارجمها". خلعوا عمائمهم ورموها على الأرض غضبا. داسوا عليها. للحظة بدا وكأن شرف الامة مجتمعا كان مرتبطا بهذه المرأة. بدت اللحظات ساعات. نادت في سرها وقالت "أسقط أيها الحجر. أسقط وارحمني. فج رأسي. أخرج الدم من جبيني ليغسل عاري. خير لي أن أسقط في يد الموت من أن أسقط بيد هؤلاء الرجال. خير لي أن يعانقني الموت من أن أحيا هذا الذل وهذه الاهانات. خذني أيها العدم. خذني من هذا العالم. خذني من براثنهم، هؤلاء الذين نهشوني البارحة لحما، يرمونني اليوم جيفة. هؤلاء الذين بادلوني الحب البارحة يشربون دمي اليوم. أسقط عليّ أيها الحجر، وخذني من عالم الاحياء الى عالم الأموات. ليتني لم أولد لأحيا هذه اللحظة. ليت أمي لم تحبل بي. ليتني مت عندما ولدتني امي. كان خير لي ان اموت بريئة لحظة الولادة من ان اموت آثمة وقد عشت العمر بأكمله.
رفعت عينيها خلسة وهي ترتعد. بدا لها وكأنها أصبحت شبه صماء كفيفة. كانت أصوات الرجال تحيط بها مثل عاصفة هوجاء، لكنها لم تكن تفهم شيئا مما يقولونه. كانت أجسادهم المسعورة تشبه الاشباح الراقصة وأياديهم الممسكة بالحجارة تبدو وكأنها تراقص الموت. لكن، وفي مشهد متناقض، هناك في الوسط، وقف رجل كانت العيون تشخص إليه. كان هادئا وصامتا. كان ينظر الى الجميع دون ان ينطق بكلمة. كانت الحجارة تنتظر الأمر منه كيما تتساقط عليها مثل حبات المطر. كانوا يهتفون وكان ما يزال صامتا. تمنت لو أنه يفتح فمه وينهي هذه المعاناة "هيا أيها الرجل، قل كلمتك فأنا ما عدت أستطيع الاحتمال. قل كلمتك مهما تكن قاسية، فوقع الحجارة عليّ أكثر رحمة من نظرات هؤلاء الرجال. ألم الحجارة أخف من شتائمهم. الموت أسهل من هذا العار عليّ. هيا أيها الرجل، قل كلمتك وأنهِ هذه المعاناة."
تقدم الرجل خطوة. نظر اليهم جميعا. هدأت الحجارة في أيديهم. اقترب منه شيخ القوم وهو يحمل الحجر الأكبر. صمت الجميع. قال له الشيخ "يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟" صمت الجميع بانتظار الجواب. كانت المرأة في الوسط تجهل أن هذه المحاكمة هي للإيقاع به أكثر منها بها. كانت تجهل أن الحجارة في أيديهم كانت تريد أن تستهدفه بالدرجة الأولى قبل أن تستهدفها. كانت تجهل أنهم يريدون موته أكثر منها. بل لو هي بقيت على قيد الحياة، لكانوا أكثر فرحا، إذ أنها سوف تبقى مصدر لذة ومتعة لهم. أما هو فصوته يقلقهم، يرعبهم، يخيفهم. صمتَ الرجل. صمته كان دليلا على وقوعه في الفخ. فلو أمر برجمها، لناقض نفسه ونسف رسالته، رسالة التوبة والرحمة التي كان يبشر بها، إذ أنه هو القائل "أما ابن الانسان فقد جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك". وإن هو أمر بإطلاقها، يكون قد حارب الناموس، ناموس موسى والأمة، وهو القائل "ما جئت لأنقض بل لأكمل". طال صمته، شعروا بنشوة النصر. بل ها هي الحجارة تتأهب للسقوط عليه ما أن ينطق بكلمة تبدو لهم تجديفا. رأوه ينحني الى الأسفل. بدا وكأنه قد هزم. انفرجت اساريرهم. هدأت قلوبهم. لقد اصابوا اليوم عصفورين بحجر واحد. امرأة ترجم حتى الموت ورجل هز الامة بتعاليمه يقع في فخ دهائهم. نظروا إليه، أما يسوع فقد ابتدأ يكتب على الأرض. ماذا تراه يكتب؟ أتراه يوقع صك الحكم عليه؟ أعجز عن النطق، فلم يجد طريقا للهرب سوى بالكتابة على الأرض؟
اقترب الشيخ من يسوع ليرى بعينيه الكتابة. وقف هنيهة. طال وقوفه. انتظر الجميع منه ان يرمي الحجر الأول كيما يكون ذلك إيذانا لهم بالرجم. لكن الحجر لم ينطلق من يده نحو هدفه المنشود. أطال الرجل النظر الى الأرض. نظر اليه يسوع أولا ثم الى الجمع وقال "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر أولا". عاد يسوع ونظر الى الشيخ الذي كان ينظر الى الكتابة. عندها وقع الحجر من يده وانصرف. ذهل الجميع. لماذا مضى الشيخ؟ لماذا لم يطلق الحجر الأول؟ لماذا لم يقل لهم شيئا؟ اقترب الجميع واحدا تلو الآخر. نظروا بدورهم الى الكتابة. رموا الحجارة أرضا وانصرفوا هم أيضا واحدا وحدا. لم يبق في الوسط سوى يسوع واقفا والمرأة منحنية، أما في الخلف كان التلاميذ واقفين مع جمع من اليهود يشاهدون ما يحدث. تقدم يسوع الى المرأة، غطّاها بردائه، أمسك بيدها، رفعها وقال لها " يَا امْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ" فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا".
مضت المرأة. كانت قد ولدت من جديد. حصلت على حياة جديدة. عمرها الماضي كان ضياعا. كان معجونا بالزنا، مجبولا بالعار، موصوما بالعيب، مكتوبا بالذل، منقوشا بالشعور بالذنب. مضت لتكتشف عمرا جديدا، لتولد من جديد، لتحيا. أدركت أنها كانت في الماضي ميتة حتى ولو كانت تتنفس وتأكل وتشرب وتحيا. أدركت أنها كانت تحيا في الظلمة دون أن تدري، وها هي اليوم تولد تحت نور الشمس. نظرت الى يسوع. كانت تريد أن تقول شيئا. لم تخرج الكلمات من شفتيها. كانت تريد أن تشكره، لم تقدر على الكلام. مضت وقد تركت ذلها وعيبها وإثمها وخطيئتها عند قدميه. أتوا بها ليقدموها ذبيحة للموت، فإذ بها تعود أدراجها حية، نقية. أما أولئك الذين أتوا بها ليذبحوها، فقد عادوا أدراجهم أكثر تلوثا من ذي قبل. مضت المرأة وهي تسمع يسوع يقول لتلاميذه واليهود "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ". أدركت أنهم أتوا بها مقيدة في الليل وأنها عادت حرة، طليقة يشع نور العالم من قلبها وعينيها.
#طوني_سماحة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شبهة وردود 3- المسيح الارهابي
-
على خطى يسوع-10- الرغيف
-
على خطى يسوع-9- أسكت أيها البحر، إهدئي أيتها ا لريح
-
سارق الحساء
-
شحاذ سجائر
-
على خطى يسوع-8- إنه سبت آخر
-
على خطى يسوع-7- هل يصير الحجر خبزا؟
-
على خطى يسوع-6- نؤمن أن لا إله إلا السبت
-
عذرا أيها الحب
-
على خطى يسوع-5- الابرص
-
على خطى يسوع-4- أبانا الذي في السماوات
-
في التربية والتعليم-1- مقدمة
-
على خطى يسوع-3- من هو يسوع؟
-
وكما كان في الميلاد الأول كذلك يكون في الميلاد الثاني
-
على خطى يسوع 2- موعظة على الجبل
-
على خطى يسوع 1- في البدء كان الكلمة
-
إنها الحياة-12- شكر في عيد الشكر
-
إنها الحياة-11- لا، لا ترحل يا والدي
-
إنها الحياة-10- كل عام وانت بخير يا صغيري
-
العهد القديم والعهد الجديد-20- الخاتمة
المزيد.....
-
هآرتس: إيهود باراك مؤسس الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب
-
الاحتلال يسلم عددا من الاسرى المحررين قرارات بالابعاد عن الم
...
-
هآرتس: الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب أسسها إيهود باراك
-
السويد ترحل رجل دين ايراني دون تقديم توضيحات
-
10 أشخاص من الطائفة العلوية ضحايا مجزرة ارهابية وسط سوريا
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|