أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - فرح مع إيقاف التنفيذ














المزيد.....


فرح مع إيقاف التنفيذ


نواف خلف السنجاري

الحوار المتمدن-العدد: 1465 - 2006 / 2 / 18 - 06:25
المحور: الادب والفن
    


في ليلة تختلف عن جميع ليالي شهر شباط من ذلك العام و كل سني التاريخ التي سبقته، وتحديدا في السابع و العشرين منه، رزق صديقي بطفله الأول، لازالت تفاصيل تلك الليلة منقوشة في ذاكرتي فقد سمعتها منه في اليوم التالي، كان يحكي بشوق كطفل يتمتع بقطعة حلوى و قال لي: أويت إلى فراشي مخمورا ، تعبا ولا مباليا كما هو شأني دائما.. استيقظت على أنين زوجتي بعد منتصف الليل و أدركت حالا بان موعد ولادة طفلي أصبح وشيكا، نهضت بسرعة لا اعرف كيف أتصرف .. كنت أتخبط، لان مفعول الكحول لم يفارق راسي بعد.. ارتديت ملابسي بسرعة و خرجت متوجها إلى منزل جارنا (حسن) و طرقت بابهم كالمجنون.. خرج الجار مذهولا (إنها الثانية و النصف) و قبل أن يكمل كلامه قلت له: يجب ان توصلنا بسرعة إلى المستشفى ، اخرج سيارته و خلال دقائق كنا في طريقنا الى هناك.
بدأت خيوط الفجر تلوح و أنا اذرع قاعة الانتظار بخطوات قلقة ، رميت علبة السجائر و أشعلت آخر لفافة فيها.. عندها ظهرت ممرضة مرافقة لوالدتي و الابتسامة على وجهيهما و قبل أن ابادرهما الحديث قالت الممرضة بابتسامتها الملائكية :اعطني البشرى فقد رزقت بطفل جميل.
عدنا إلى البيت و معنا طفل صغير (زائر حبيب) لم أر ملامح وجهه بعد.. المفاجئة و الذهول يشلان تفكيري ، غمرتي في ذلك الصباح الذهبي مشاعر لم استطع فهمها لم تكن السرور و الفرح أو نشوة المنتصر أو شعور من ربح الجائزة الأولى في اليانصيب. انه شعور اكبر من كل هذه الأشياء مجتمعة .. لقد أصبحت أبا بعد خمس سنوات من الانتظار!.
عندما نظرت إلى طفلي للمرة الأولى شعرت بالإحباط! أيمكن أن يكون هذا هو الذي انتظرته طويلا؟ انه صغير جدا و لكن هنالك شيء سحري يشدني إليه و على الرغم من صغر حجم وجهه إلا أن عينيه تبدوان كبيرتان وأوضح شيء في ملامحه . كنت أراقب نموه يوما بعد يوم مثلما يراقب المزارع أجمل الورود في حقله و أتفحصه مثلما يتفحص الصائغ أغلى جواهره.. (انه يكبر بسرعة و يكبر معه فرحي) هكذا كان يقول لي دائما.
كان صديقي شخصا مرهف الإحساس و كان الحزن العميق الممزوج بالسخرية اللاذعة هو ابرز سمات شخصيته ، و هو كالكثيرين من زملائنا الخريجين الذين يعملون خارج ميدان اختصاصهم أعمالا تفوق تحملهم . . كان يشعر بالفشل و اللا انتماء ولم تكن تربطه بالحياة إلا خيوط واهية..إن ثقل الواقع الأليم الذي لا يستطيع حتى التعبير عنه – لأنه من الجرائم الكبرى - مضافا إليه عبئ العمل الشاق و الحرمان بكل أشكاله المادي و المعنوي و الفكري كل ذلك حفر في روحه جرحا عميقا لا يندمل. لكنه ألان إنسانا أخر و قد سيطر الفرح المفاجئ على الجانب المظلم من حياته و أصبح طفله هو كل شيء .. انه يطعمه، يحممه ، يلاعبه و يراقب كل كلمة جديدة يلفظها و كل حركة إضافية يقوم بها , كنت اسمعه يقول : عندما أعود من عملي أنسى كل تعبي بمجرد رؤيته ينتظرني عند عتبة البيت ، انظر إليه "انه النور الوحيد الباقي في حياتي"..
إن الحياة تضيق بسعادة البؤساء و كأن الهواء مليء بالأرواح التي تكره سعادة الفقراء على وجه الخصوص.. زرت صديقي آخر مرة كان (أزل) وهو اسم طفله المدلل يلعب ويمرح و يغني ولم يكن للمرض أي اثر على قسمات وجهه ، إلا أن والده كان مصرا على أن يأخذه و يعرضه على طبيب اختصاص للأطفال ، فقد كانت رقبته تؤلمه أحيانا و كنت أقول له دائما بأنه أمر عادي ولا يحتاج إلى طبيب فهي تشنجات بسيطة يتعرض لها اغلب الأطفال الصغار ، غير انه لم يقنع بكلامي ، فأخذناه إلى الطبيب كم كانت المفاجئة كبيرة عندما قال لنا: (إن هذا الطفل طحاله كبير) ويجب أن يبقى في المستشفى لإكمال الفحوصات اللازمة و قد يكون السبب ملاريا أو تيفوئيد أو حمى أخرى ، أجرينا كل الفحوصات المطلوبة للدم و الإدرار و لم تشخص الحالة.. الاشعة و السونار لم يتبين نوع المرض ، فقط هناك (كتلة فوق كليته اليسرى) لذلك طلب الطبيب المختص فحصا آخر لم نسمع به من قبل و هو (زرع نخاع العظم) فآخذناه إلى المختبر المطلوب و كان يقع خارج المستشفى.. عندما دخلنا إلى المختبر كانت عيون العاملين هناك تنظر إلى الطفل و أباه نظرات تنم على شفقة.. انتظرنا أكثر من ساعة كانت دقائق طويلة كأنها دهور.. بعدها ظهرت نتيجة الفحص (انه ورم خبيث) لقد كانت لهذه الكلمات وقع الصاعقة على الوالد المسكين.. هز الطبيب رأسه و وقع الأب مغشيا عليه من هول الصدمة (يا الهي كيف يمكن ان يصيب مرض كهذا طفل لم يكمل عامه الثاني بعد؟!! و أنا ألان أتسائل: من هو الميت حقا؟ أهو الطفل البريء الذي دفناه قبل أيام ؟ أم والده الذي يجلس حزينا في زاوية الغرفة و عيناه خاليتان من البريق و الدموع؟!!.



#نواف_خلف_السنجاري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (( الحلم ))
- من وحي عطركِ
- عندما تبكي السماء
- قصص قصيرة جدا/5
- خطاب لرجل ضائع
- قصة قصيرة ليلٌ وجمرٌ وحكاية
- امرأة و زنزانة
- عناق
- هلوسات محموم
- السنونو والحوت
- (( زوبعة الزمن ))
- جرح ورماد
- قصص قصيرة جدا /4
- البركان
- همسات
- أحزان
- النظرة العراقية.. والمخلوقات الفضائية
- صخرة سيزيف شعر
- ليس لدى المهيب الركن من يكاتبه
- الحب في زمن الطاغية


المزيد.....




- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...
- الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس ...
- تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته
- فرنسا: جدل حول متطلبات اختبار اللغة في قانون الهجرة الجديد
- جثث بالمتاحف.. دعوات لوقف عرض رفات أفارقة جُلب لبريطانيا خلا ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - فرح مع إيقاف التنفيذ