أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - فصل جديد من روايتي (حين يحزن القمر)















المزيد.....

فصل جديد من روايتي (حين يحزن القمر)


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5656 - 2017 / 10 / 1 - 21:29
المحور: الادب والفن
    


أسترجاع الصورة
المرة الوحيدة التي أختلفا فيها كانت حول لوحة شعرية كتبها وهو في قمة كأبته من هذا السكون الذي يجثم على قلب المدينة وهي تذبح كل صباح...... كتب فيها عصارة نبؤة غير مكتملة مشحونة بأسى وتمني، رسم فيها صورة للوحة سريالية مما لا يتوافق مع ذوقها المنحاز للواقعية المرمزة... أنتهى اللقاء كما بدأ ... خرج كئيبا وخرجت أكثر حزنا على تلك القدرة الشعرية المتفردة حين تنغمس باليأس حد التلاشي....
إلى جزر بلا عنوان
حملت الفراشات الرقيقة أحلامي
ومضت
تشق أفق السماء
أنظر ...... كيف لها أن تحمل هذا الكمد المهول...
وهذه الأماني اليتيمة المثقلة بالمستحيل
وأقول في نفسي
يا ليتني أطير معها
لأرى أخر المنتهى كيف يكون
ومتى يقوم الإنسان من لحده
ليعاتب الرب على فعلته الشنيعة
متى تولد الشمس من جديد
كقروية أمتهن الإنجاب في مواسم عديدة
أتمنى أن أكون أنا حيث أنا
أكون ذاتا أخرى تقارع العذاب
ولأنتزع اليأس من أقدامي
وأكسر قانون القدر.....
أنا لئيم جدا
حين أحسد الفراشات والطيور
لأنها تملك أجنحة
وتملك عيون ترى من بعيد
وأنا هنا بين مقعد بارد وسرير
مكبل بالممكن المقهور....
رغم الفتور
ورغم الظهور....
يا قدر المدينة المحكومة بسلطان طبعه
مر كثور يرفض الخضوع
سأحاول أن أبحث عن تلك الجزائر
الموهومة
في خارطة ذكرياتي
بين أشباح معرفتي
بين دفاتر ذكرياتي التي أهملتها
بين السنين والأعوام
سأبحث عن جزر لم يطأها إنسان
ولم تعرفها حتى الملائكة الكرام
لقد رحلت فراشاتي بعيدا
وأنتظر من بعد غيبتها الجواب.....
سميرة تبرأت من هذا الزخم المستشعر منه التردد بين الشجاعة وبين الهروب... كانت ترى في هذه الكلمات أنتقاما من ذات شاعرها دون سبب معقول، فليس من جزائر تطير لها الفراشات بلا عنوان.... هي تعرف الطريق... من المؤكد أن المخلوقات البريئة كلها تعرف الطريق ولا يمكن أن ترحل بلا عنوان...
كريم المفتون بسحر الكلمات يرى أن البقاء هنا في هذه المدينة أكثر من ضياع فراشاته التي بعثها دون سؤال وهو الذي ينتظر الجواب... يقول... أن الفكرة التي أراد أن يصل لها أنه (يتمنى) أن تصل مراسيله إلى مكان (ما) فيه تصنع الأقدار وترسم الخرائط للوجود... لم يكن يعني أنه يخاطب المجهول... فالرب بالتأكيد يسكن بلا عنوان... لم يشأ أن يكمل الحديث معها ومزق الورقة التي حملت همومه وقتل الفراشات الجميلة قبل أن تبلغ المدى... وذهب كل منهم إلى مكان...
_ليتك الآن تصدقين أنك بلا عنوان .... وأنا أنتظر الجواب
_ليت أنك صدقتي فراسة نبيا في لحظة تجلي وأنا أقرأ خطوط كف السماء التي أرهقتني برموزها العصية على التذكر... وأتعبت مخي بفك شفرات القدر.
_ليتك صدقتي أن الرب هناك يستقبل الفراشات والعصافير وهي تحمل شكاوينا من قسوة الإنسان.
_ليتك رحلتي قبل أن ترد مراسيل الشيطان إلى مدينتي تطلب حضورك بين يدي سلطان يمسك بالسيف والصولجان.... ليقرر أنك من بقايا جيش الملائكة المبعدين عن حدود مملكته التي ورثها من سلطان أقذر.... ليتك تفهمين أن القدر ليس كما كنا نتوقع مثل جرائد الصباح تطبع في بغداد ونقرأها هنا... القدر هنا يصنع وهنا تخلق الفتنة.... السلطان نائم في داره المملؤة بالأفاقين الذين يعدون قوائم الموت التي تطبع صباحا ومساء....
كلما تذكر لحظات الأفتراق تلك يشعر أن روح سميرة ما زالت تتنفس قريبا منه، بل أن سميرة ذاتها قد تكون أقرب إليه من كل الأشياء... تذكر أن هفيف روحها كان يصله قبل أن تصل فعلا ليجلسا معا أو يحضرا في مكان ما، كانت تسخر من فكرة أنه نوع أخر من الأنبياء الذين يظهرون فجأة ليختفوا فجأة.... مازحها مرة أنه لو نصب فعلا أن يكون نبيا بشكل أو بأخر فلا بد له أن يختار له وزير ,,, وخير الوزراء من كان سميرا وخليلا.... ضحكت وقالت أنا السميرة أبنة الخليل....
الأشهر والأسابيع والليالي التي مضت منذ أن تأكد تماما أن غريمته وروحه التي هوت في عالم النسيان بلا وداع، ساكنة بين جدران لا يصلها ضوء ولا ينقل عنها الهواء ولو كلمة قد ذهبت برحلة (الصد مارد) تلك الحكاية التي روتهاا له جدته الزايرة ألف مرة ومره وهو يستلذ بمقاطع منها، حين تروي أن أحد فرسان حكاياتها كان يوضع بين مفترقي طير، الأول عنوانه (درب الصد رد) فيه الأمان والسلامة، وأخر لا نهاية فيه إلا الفناء، إنه درب التمرد والأحتجاج والأهوال ولكن من سلكه كان واحدا من مئات أختاروا الخلود على البقاء.
تذكر حكايات تلك الأميرة غصون التي كان يزورها الشيخ دهر ويسألها يوميا عن الدهر (يميل لو ما يميل) فتجيبه بكل نقاء الطهر، لا الدهر ما يميل حتى فقدت أخوتها الأربعين ذات صباح وهربت تلوذ بالصحراء من فجيعة الدهر.... كانت ليالي الشتاء الطويلة مدرسة الحجية الزايرة كي تزرع في ذهن حفيدها الوحيد رؤيتها وما تظن أنه سيزرع فيه التعقل والعلم، أه يا جدتي أقول لك الآن ... (الدهر سيء جدا وغدار ليس فقط أنه لا يميل، بل لا يستقيم أصلا)، إن كانت غصون قد وجدت ذلك الدرؤيش الذي زامنها طويلا وقد عاد لتخبره أن الزمن يميل، يا ليته يعود لي اليوم لأخبره أنني بحاجة إلى تلك الوردة التي أحيت أخوة غصون بعد سبعة أعوام من الرقود المميت... أنني بحاجة إلى زهرة الخلود تلك أو زهرة الحياة.
مر على غياب سميرة أكثر من سبعة عشر شهرا وما زال كريم يبحث عن ظل أو أثر ينبئه عن حكاية أمل، ما كان يحاول أن يقنع نفسه به أن والدته التي أعتادت أن تلجأ لأهل القرآن تصر على أن سميرة حسب ما يقولون لها على قيد الحياة ونهم سيلتقيان مرة أخرى، هل من المعقول أن يستكشف هؤلاء الغيب؟.... هل لي أن أقبل منطق يفترض أنه يخرق قوانين العقل ويعمل في ظل تأويل كلمات مكتوبة من أكثر من ألف عام.... هل يا ترى سأتحول إلى خرافة بعد أن طلقت طريق الظن من زمان....
لقد نجح أخيرا في العودة لمكان عمله بعد أن أقتنع أن الهروب من مواجهة الواقع ومتطلباته ليس من الحرية بشيء، عاد ولكن ليس بنفس الدرجة والمكانة..... الآن يمارس الوظيفة مشرفا على مخزن الكتب الغير معدة للقراءة أو التي يصيبها التلف أو التي تمنع عن التداول، هذا ما وفر له جو كامل أن ينفرد بنفسه وتلك القائمة التي تتضخم يوميا كلما جاءت قوائم المنع من مصادرها، أكثر ما يؤلمه هو حين يتم تحديد يوم لأعدام تلك الكتب وحرقها لتختفي معها أثار بقايا الحرية التي تتقلص يوما بعد يوم، في أحيان كثيرة يبقى أسير المخزن يذرف الدموع على تلك المذابح اللا إنسانية بحق الكلمة والمعرفة ....إنه درب (الصد ما رد).
من بين ما كان يفكر به أن يكتب من جديد لعله يهتدي بالكتابة إلى وسيلة أخرى للبحث عن سميرة، هناك دوما أفكار تولد من بين الحروف حين تتجمع حول فكرة ما، أراد أن يجمع ما تركته له من أوراق وقصصات أو ما سجله هو من محاورات كانت تجري بينهما ليقدم صورة تسجيلية عن حكاية (أمرأة خارج النمط)، أبتدأ بتسجيل بعضا من أفكاره التي ما زالت متشتته بأكثر من أتجاه، سجل أيضا بعضا من الأفكار التي ولدت وهو يهم في بداية مشروعه الذي يظن أنه سيكون بداية لمشروع كتابة مطول... أخيرا وبعد بضع أيام تخلى عن كل ذلك ةغير أتجاهه نحو الدراسة السيكولوجية عن تأثير البيئة على معنى الحرية أجتماعيا، كانت العينة التي أختارها لتكون موضع الدراسة أيضا تجربة سميرة وأمها وسامر وأبوه.
تذكر البصرة ورحلته الأولى لها وأراد أن يحي هذه الرحلة بعمل توثيقي أجتماعي عن تلك المدينة التي أسرت عقله، كل مصادر المعلومات والوقت الكافي بين يديه، فهو شبه عاطل عن العمل هنا في المكتبة وبإمكانة أن يكتب ويبحث ويسجل كل شيء دون أن يطلب أذن من أحد أو تمنع عنه مصادر أو كتب يحتاجها في البحث... أه كم من فكرة تتصارع في عقله لتعيد سميره إليه صورة على كل ورقة يبدأ في كتابتها، إنها حلم ساكن بين الحروف وأمل لا يريد أن يغادر عالمه وهو مكتوف بحبل من رجاء أن تتحقق وعود والدته أنكم ستلتقون مرة أخرى في مكان ما ولكن ليس هنا..... اللقاء أينما كان سيكون جميلا حتى لو كان تحت ظل سياف .... فقط أحتاج أن أراها ولينتهي العالم كله من خلفي....
الورد حزين على فقد لونه الجميل
والقمر يحاول الإفلات من عصابة السارقين
فميزان الأمور بيد مشلولة
ومن يأمر الرماة على سفح الجبل أعور
يشير بعكس ما تشتهي النبال
صورة بألف صورة
قبيحة
هي من واقع الحياة
لكنها لا تنتمي للحقيقة
خدعة الأزمان
وقصة يكررها طاوي الليالي
بلهجة المستباح والمستبيحة
إنه الواقع المأفون بكل بغاء الظلم
غيبوك بغياب الغيب
لماذا يا سميرة؟........













#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصل من روايتي (حين يحزن القمر)
- لعبة القتل الحميد.......!
- فصل من روايتي (أيام الفردوس)
- تحديات الواقع للعقل الإسلامي ومجتمعه في ظل عالم متطور
- الحوار المفتوح........ ج22
- ترهات عربي ملحد
- العراق بين مطرقة الأستفتاء وسندان عجز الحكومة
- الحوار المفتوح........ ج21
- الحوار المفتوح........ ج20
- الحوار المفتوح........ 19
- الحوار المفتوح........ ج18
- الحرية الدينية وميزان المنطق العقلي فيها
- الحوار المفتوح........ ج17
- الحوار المفتوح........ ج16
- الحوار المفتوح........ ج15
- الحوار المفتوح........ ج14
- الدولة وشروط ولادتها
- الحوار المفتوح........ ج13
- الحوار المفتوح........ ج12
- الحوار المفتوح........ ج11


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - فصل جديد من روايتي (حين يحزن القمر)