|
تامارا .. 8 .. القصّة .. فصل 5 .. الأخير .
هيام محمود
الحوار المتمدن-العدد: 5655 - 2017 / 9 / 30 - 18:31
المحور:
الادب والفن
لم تكن تلك اللحظةُ "البدايةَ" الحقيقية لأن البداية كانت قد بدأت منذ البدء كما هي عادتي ، لكنها كانت لحظة الإعتراف لنفسي .. كم أنتِ مُنافقة يا نفسي ! دائما تسقطين ثم تهربين فتكذبين وتدّعين كلّ إفكٍ وبهتانٍ لتُبعدي عنكِ الحياة فتموتين وأموتُ معكِ ! لكن هذه المرة ليست كالسابقات ولا أراكِ قادرة على الإفلات !
همست تامارا في أذني : حظكِ سيء عيناكِ فضحتاكِ ، ربّما إستطعتِ أن تخدعي ال "عاهرة" لكنّكِ لن تستطيعي خداع الطبيبة .. منافقة لماذا تُعيدينَ طرح سؤالٍ تعلمينَ جوابه ؟ ..
ثم قالت : سأختارُ لكِ ، هل تسمحين لي ؟ .. لم أُجب ونظرتُ إلى "كريم" فحبستُ دموعي .. أخذت من يدها الشكولاطة ، كنتُ أحبّ الشكولاطة ! كثيرا ! .. رنّ الهاتف مرة أخرى فناوَلَتْ "كريم" كل العلبة وذهبَتْ لترد ..
هرعتُ إلى "كريم" وقلتُ لهُ : هل تُحبني ؟ .. ردّ مستغربا : بالتأكيد ، ولماذا تبكين ؟! .. أجبت : عزيزي أريدُ أن نخرج من هنا ، ثم كيف سنذهب إلى الزفاف ! أنت لا تستطيع قيادة السيارة .. دخلت تامارا : أنا أستطيع قيادة كل "من" يسيرُ على وجه الأرض .. السيارة والجرّار والحافلة والقطار أيضا فمن يريد ؟ زفاف من ؟ .. "كريم" : إبن خالة إيلان .. تامارا : أين ؟ أنا : في البادية .. تامارا : أين ؟ "كريم" : "الوادي" .. تامارا : ستين كيلومترا من هنا وعشرة كيلومترات عن "الجبل" .. "كريم" : تعرفين "الوادي" ؟ تامارا : أبي أصيل "الجبل" ، عندنا ضيعة هناك ومنزل كنّا نمضي فيه بعض الأيام عندما كنتُ صغيرة وإلى الآن نزوره أنا وأبي .. إيلان إذا دعوتني إلى زفاف "الوادي" سأدعوكما إلى منزل "الجبل" ما رأيُكِ ؟ .. وأزيدُ على ذلك قيادة السيارة والإعتناء بساق "كريم" .. قولي نعم .. هيّا لن تندمي ..
نظرتُ إلى "كريم" فرأيتُ الرضا في عينيه والراحة على وجهه ، ألم ساقه ذهب ، مستلقٍ على سرير طبيبته ، يأكل شكولاطة سويسرية ، يتكلم وكأنه يعرفها منذ سنوات ، رفَضَ طلبي في الخروج من هذه الغرفة ، لم يكفه يوم كامل في عيادتها ويريد زيادةً على ذلك أن يذهب إلى منزلها الذي في ضيعة ! .. طيب ليكن كما تريد عزيزي ! .. لم أعهد "كريم" هكذا ، كان دائما سندي عندما أحتاج له وقوتي عندما أضعف ، هذه المرّة لم أجده ! لم أعرفه ! .. مع كل لحظة تمرّ كانت تقترب منّا أكثر وتسيطر علينا أكثر ، كل الرياح كانت تجري مجرى سفنها .. و"كريم" لم يلاحظ أي شيء ، ربّما عمل بوصية أمها عندما قالت له "لا تحشر أنفك في متاهات النساء" .. صدقَتْ ، حقا إنها متاهات وصدق الله عندما قال أن كيدنا عظيم !
تامارا : إيلان ! أين ذهبتِ ؟ .. هل سكوتكِ يعني الرضا ؟ .. هل أعتبر نفسي مدعوّة ؟ .. أنا : نعم ! تامارا : شكرا على الدعوة ، لكن أقبلها بشرط ..
"كريم" ضحك ! .. لأنه لم يكن يعلم ماذا ستشترط .. ولن يضيره شيئا عندما يسمع الشرط .. بل سيدفعني للقبول وسيقول لي كوني "لبقة" ! ..
تامارا : ما بكِ ؟ لماذا لا تردّين ؟ .. قلتُ عندي شرط لأقبل دعوتكِ .. منذ قليل رفضتُ دعوة أمي وقد سمعتي ذلك بنفسكِ فهل تظنين أني سأقبل دعوتكِ أنتِ ببساطة هكذا ؟ أنا : ماهو ؟ تامارا : هل تُريدين أن ترقصي معي ؟ أنا : لا أستطيع .. "كريم" : أنا موافق وإن إستطعت سأرقص معكما .. تامارا : قلتُ هل تُريدين لم أقل هل تستطيعين .. أنا : لا أقدر ! ..
بعد لحظات وجيزة شعرت بضيق شديد ، كنتُ غير مرتاحة في تلك الغرفة ، كنتُ أغرق ولا أمل لي في النجاة ، لا أحد يسمع صوت إستغاثتي ويهرع لإنقاذي .. قلتُ : "كريم" يجب أن نخرج من هنا ولا أريدُ أن يذهب معنا أحد إلى الزفاف .. الآن نخرج .. هيّا ! .. إختنقتُ .. يجب أن أخرج .. وأنتِ كفّي عن مُغازلتي .. اللعنة ! أنا إمرأة متزوجة وأحبّ زوجي ! .. قمتُ من مكاني وحاولت الخروج بسرعة من الغرفة لكني لم أستطع تجاوز الباب ..
عندما أفقتُ ، وجدتُ نفسي مكان "كريم" .. هو جالس عند رأسي عن يميني وتامارا عن شمالي .. تامارا : "مبروك" .. إذا كانت أنثى سمّيها على إسمِ مُكتشفتها .. أنا : ماذا ؟ "كريم" : عزيزتي أنتِ حامل .. تامارا : وعصبيّة بعض الشيء بسبب ذلك .. "كريم" : أُغمِي عليكِ .. أنا : نعم .. كنتُ أشعر بذلك منذ البداية ، تمنّيتُ أن تكون بجانبي عندما سقطتُ .. أكره أن أسقط على الأرض .. لكن لا ألومك عزيزي على ذلك .. لو بقيتُ بجانبك لم أكن لأسقط على الأرض أمام عينيك .. "كريم" : عزيزتي لا تهتمي ، أمر بسيط قد يحدث لأي إمرأة حامل .. أنا سعيد جدا .. أنا : وأنا أيضا عزيزي .. وأنا أيضا .. تامارا : هل الدعوة لا تزال قائمة أيتها "الإمرأة المتزوّجة" ؟ أم أني سأُعاقب ل "مُغازلتي" لكِ أمام زوجكِ ؟ .. أعلمكِ أن زوجكِ أعطاني مُباركته بخصوص ذلك .. أنا : أنظر ل "كريم" الذي كان يضحك : مُباركة بخصوص ماذا ؟ "كريم" : الزفاف .. أنا : .. .. تامارا .. أعتذر منكِ ، لا أعلم كيف قلتُ ذلك .. تامارا : .. .. أنا أعلم كيف ولماذا .. .. والزفاف ؟ أنا : .. .. تُشرّفينا إذا حضرتِ .. تامارا : .. .. و"المغازلة" .. .. أعني الرقص ؟ أنا : .. .. أُريد ! نعم أُريد ذلك !
الرّاوية : أنا ، "عجوز" فى التاسعة والثمانين أمشي وأجيء على الركح ، أروي .. عنّي .. عندما كنتُ في التاسعة والعشرين .. كنتُ جميلة وكانت تامارا أجمل ..
بقية القصة ..
هل تريدون سماع بقية القصّة ؟ .. أنا أريد .. وسأوجز فأُخلّ ! .. سامحيني تامارا .. صاحب المسرح أرسل لي يُعلمني أن وقتي شارف على الإنتهاء .. القصّاصون يريدون جمهورًا وأجورَا ، أنا أريد فقط قليلا من الوقت .. لقول ما سأستطيع إظافته .. عنها ..
مرّت الأيام حُلُما لم نستيقظ منه .. بعد أشهر وجيزة إلتحق بنا "كريم" .. وبعده بثلاثة أشهر إلتحقت بنا تامارا الصغيرة .. كانت شقية وغريبة الأطوار كأمها .. كانت وحيدتنا ولم يرد أحد منّا إهداءها أخا أو أختا .. "ماما تامارا" ، "ماما إيلان" و "بابا كريم" كانت تُنادينا .. في عيد ميلادها السادس إلتقينا جميعنا وإحتفلنا في منزل جدّها وجدّتها في ضيعة "الجبل" .. بعد الباكالوريا رفضت تامارا الصغيرة رغبة جدّها في أن تدرس تجارة وإلتحقت بكلية الطب كأمها .. في سنة الباكالوريا تلك وقبل وفاته طلب أب تامارا من "كريم" إدارة كل شركاته .. بعد سنتين تُوفيت أم تامارا .. بعد عشرٍ .. مرضت تامارا .. أذكر في عيد ميلاد تامارا الصغيرة الثاني طلبتُ منها وعدا ففهمت ما أريد كعادتها وقالت لي : اليوم يوم فرحٍ وليس يوم وعودٍ .. فقلتُ ودفعتُ تامارا الصغيرة في حضنها : عدي إبنتكِ أن تُقلعي عن التدخين ؟ .. فاحتظنتها وقالت وهي تنظر لي : ماما تُحبّكِ من كل قلبها وستُحبُّكِ إلى الأبد .. .. .. .. مرضت تامارا ، ولم يتركها السرطان طويلا .. .. .. .. وقبل وفاتها بشهرين فاجأني حضور المحامي إلى المنزل ومعه أوراق .. .. .. .. طلبت مني تامارا أن أمضي دون أن أقرأ ، إعتدتُ أنا و "كريم" فعل ذلك في كل الشؤون التي تخص تامارا الصغيرة .. بعد خروج المحامي طلبَتْ مني أن أقرأ فوجدتُ أنها ملّكتني كل ما تملك .. سألتها لماذا أنا وليس "كريم" أو تامارا الصغيرة فقالت : أنتِ الأصل وهما الفروع ، أنتِ الأصل ..
#هيام_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تامارا .. 8 .. القصّة .. فصل 4 ..
-
تامارا .. 8 .. القصّة .. فصل 3 ..
-
تامارا .. 8 .. القصّة .. فصل 2 ..
-
تامارا .. 8 .. القصّة .. فصل 1 ..
-
تامارا .. 7 .. أنتِ ..
-
تامارا .. 6 .. أنا وأنتِ .. وهُم .. جُنون !
-
تامارا .. 5 .. أنا وأنتِ .. وهُم .. لماذا يكذبون ؟
-
تامارا .. 4 .. أنا وأنتِ .. وهم ..
-
تامارا .. 3 .. أنا وأنتِ ..
-
تامارا .. 2 .. عن صلب المسيح وصلبى ..
-
تأملات .. 6 .. عن العلمانية والبداوة : كُلّنا بدو ! (السيد ن
...
-
تأملات .. 5 .. عن العلمانية والبداوة : كُلّنا بدو ! (السيد ن
...
-
تأملات .. 4 .. عن الربوبية واللا أدرية وأصل فكرة الإله الواح
...
-
تامارا ..
-
تأملات .. 3 .. عن بداوة الإسلام .. عن لاوطنية الدول العربية
...
-
إسلام !
-
رُفعت الأقلام وجفّت الصحف ..
-
كلمتى .. 10
-
كلمتى .. 9
-
كلمتى .. 8
المزيد.....
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
-
-يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم
...
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|