|
التناص : تشابه نصوص أم تشابك لصوص
جميل فتحي الهمامي
الحوار المتمدن-العدد: 5653 - 2017 / 9 / 28 - 15:51
المحور:
الادب والفن
يعد التناص عنصراً جوهرياً في بنية النصوص الإبداعية وتلقيها ويكثف فاعلية اللغة وتماهيها في بنية النص وأنساقه، ويعتبر التناص من المفاهيم النقدية التي تنتمي إلى مرحلة ما بعد البنيوية التي أعادت النظر في مسلمات نظرية الأدب الحديثة، ويندرج هذا المفهوم ضمن الإنتاجية النصية التي تهتم بالكيفية التي يتم بها توالد النصوص وخلقها، وفق بناء النص على نص سابق، على أساس أن المكون النصي اللغوي عبارة عن تفاعل وتبادل بين النصوص وفق رؤية جوليا كرستيفاالنقدية الجديدة التي تنظر إلى النص كملفوظ لغوي واجتماعي في آن. تؤكد رؤية كرستيفا النقدية انفتاح النص على عناصر لغوية تتحكم في صياغته وشعريته . وعلى ما قرره الباحثون فإن جوليا كرستيفا أول من اشتق المصطلح واستخدمه في مقالتها النص المغلق عام 1967، وقررت تعريفه بأنه : تقاطع بلاغات في نصٍ ما مأخوذ من نصوص أخرى سابقة أو متزامنة. وقد تبنى رولان بارت أولا ثم رفاتير التناص وجعلا منه أحد الأبعاد المهمة لقراءة النص الأدبي في جانبه النظري والنقدي التطبيقي وقد أولى بارت التناص أهمية خاصة في مقالته في الموسوعة العالمية رابطاً بينه وبين الاقتباس إذ قال : إن كل نص جديد نسيج جديد لاقتباسات ماضية. ويتبنى منظرو التناص أثر القراءة في إنتاج النصوص ولذلك فليس بالضرورة أن تكون الاقتباسات من مدونة أدبية يمكن حدها بقوسين وإنما قد تكون من اشتغال الذاكرة؛ بمعنى فعل فعله المعرفي والإبداعي في إنتاج النص الجديد وعليه لا يقتصر التناص على مصدر أو تأثير محدد في وعي منتج النص)، فالنص حقل عام من تراكيب مغفلة من النادر إدراك أصلها، ومن اقتباسات غير واعية أو آلية بوصفها مكوناً من مكونات المعنى الذهني الذي يلبسه منتج النص. وقد أفرز المترجمون للمصطلح أنواعا وتفريعات مختلفة تتجذر في تنوع مصدريتها الأجنبية، وهذا الداء الذي ابتلي به النقد العربي، فكل مترجم يفهم دلالة المصطلح بمرجعية تلك اللغة ومرجعيته الثقافية. فقد ذهب صاحب نظرية المصطلح النقدي إلى التفريق بين مسمَّيين: التناصية والتناص. وذهب إلى أن التناصية تتسق مع النظرية، ونوه إلى وضع المصطلح ضمن منظومة الإيقاعية الوافدة على سبيل المصدر الصناعي الأسلوبية والتفكيكية والبنيوية. والتناص يتسق مع الظاهرة الفرعية حسبما تستقر على النظرية، حيث تصبح لها دلالاتها المطلقة في الاستخدام اللغوي، ويحاول بهذا التفريق أن يركز على أن ما لم يقع على النظرية يصبح مفهوماً عائماً لتصورات مختلفة، قد تفسر قواسم مشتركة في تجلّي النظرية أو تكون هي تقنيات توجهها التطبيقي مع ما استقر في الطرح النقدي العربي الموروث، والتي نهض عليها التصور عند البعض قبل أن تستكمل النظرية أبعادها المعرفية تجاه فروضها، ولم تكن النظرية لتأتي معنية بما استقر وشاع لدينا في مفهوم (التضمين) أو الاقتباس، أو التلميح أو التوليد وإن كانت قد تمثلت جوانب منه. وعليه فإن التصور القائل إن التناص تضمين نص إلى نص آخر أو استدعاء نص لنص آخر يتفاعل معه، لم يكن ليضيف جديداً إلى المعرفة النقدية أكثر مما استقر لدينا على مصطلح التضمين ، والأمر ذاته ما ترجمته سامية محرز لما أسماه جيرار جنيت بـالتضمين النصي يعني العلاقة التي تنشأ بين نص معين ومجموعة من النصوص الأخرى في تراث الكاتب القومي أو التراث العالمي عامة ، ما كان ذلك مقصوراً على ظاهرة التضمين ، وأدنى منه ما ترجمه وليد خشاب إلى تناصّي معنياً بالإشارة إلى علاقة بين نصين تعتمد على الاستدعاء عن طريق الاقتباس وقد يتسق التصور مع النظرية بشكل مكثف لدى محمد عناني، بتمثل تقنيتها على أن التناص معناه في أبسط صوره هو التفاعل داخل النص بين الطرائق المختلفة للتعبير المستقاة من نصوص أدبية أخرى أو من كتابات أخرى غير أدبية. وليس من مهمة هذا البحث أن يؤرخ للمصطلح من دلالته عند الشكلانيين الروس وحوارية باختين ، وصولا إلى كرستيفا، التي وسمت المصطلح بـالتناص ، بل التنويه بالمثاقفة الفوقية التي يعتقدها المنظرون للمصطلح، وقسر المفهوم في التطبيق للاتكاء على سجل النقد العربي المنجز في مراحل متقدمة تحت مسميات مختلفة كلها تصب في خانة هذا المصطلح وتحتويه... بل وتتعداه... في استغراق التحليل والقراءة المتخصصة لسجل النصوص... وهذا الشأن المعمّى عليه في مجال النقد والبلاغة العربية يحتاج إلى تبصير وعمل دؤوب، فما دام كل مصطلح محدث في قراءة النصوص ووصف بنيتها براءة اختراعه مسجلة منذ زمن بعيد في النقد العربي، فلم لا نعمل على إيجاد مؤسسات لها خاصية معرفية لتبني هذه المثاقفة وإشاعتها بالتقابل في النقد الغربي؟ وإحياء الجانب التطبيقي ونقله إلى عالم المصطلح الجديد. فقد وجدت الأسلوبية بعد كتاب المسدي الأسلوبية والأسلوب، حيرة في فهم العمق المعرفي الذي انطوت عليه الترجمة لنقل اللسانيات إلى عالم الأدب بمقولة... الأسلوبية جسر اللسانيات إلى الأدب. عندها لم تجد مناصا لمقاربة فهمها إلا الاتكاء على البلاغة العربية في التطبيق... فكان كتاب محمد عبد المطلب البلاغة والأسلوبية شاهداً على ذلك، وهكذا انطلق تمثل الأسلوبية في الدراسات النصية وإذا هي ليست كما زعم جيرو الأسلوبية بلاغة القدماء ، وإنما أقول : البلاغة هي أسلوبية المحدثين على الرغم من حجة المعيارية والوصفية...
#جميل_فتحي_الهمامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأدب السوداني : العملاق القادم على مهل
-
شاي بالنعناع : قراءة في فناجين القاص وليد بن احمد
-
الترجمة : و ان أدّوا الأمانات إلى أهلها
-
الكوبوي
-
من الاليزيه إلى قرطاج
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|