سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1463 - 2006 / 2 / 16 - 12:18
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
بدأت إيران ، على ما يبدو ، تحث أنصارها في المنظمات والأحزاب الشيعة في العراق ، وعلى وجه الخصوص في محافظة البصرة الجنوبية ، على التحرش بقوات الاحتلال البريطانية ، تلك القوات التي حاولت قدر المستطاع التعامل مع الأحداث بطريقة تختلف عن تلك الطريقة التي تعامل بها قوات الاحتلال الأمريكي مع ذات الأحداث ، فقد عمدت القوات البريطانية الى سياسة إطالة النفس مع السلطات المحلية في البصرة التي وصلت الى حكم المدينة بمشيئة منها ، ومن حلفائها في القوات التي تحتل العراق اليوم ، وذلك بعد أن هيأت لتلك السلطات ، مع القوات الأمريكية ، إزالة صدام ونظامه ، وسمحت بعودة الكثيرين ممن يحكمون في البصرة اليوم من إيران ، حتى قيل أن محافظ البصرة الحالي يسكن إيران ، ويحكم في العراق . يضاف الى ذلك أن القوات البريطانية ، وباعتبارها قوات احتلال ، تعتبر هي المسؤولة عن حفظ الأمن والنظام في المدينة ، لكنها ، وفي أحيان كثيرة ، كانت تغض النظر عن الأعمال الهمجية التي قامت بها عصابات تسللت من إيران ، وعاثت فسادا في تلك المدينة ، فقتلت من قتلت من نساء ورجال ، وسرقت ما سرقت من نفط ومن غيره ، واحرقت هذا البيت ، وذاك المحل . وكل ذلك تحت مسميات التصقت أسماءها باسم الله ، فمنها ثأر الله ، ومنها بقيت الله ( بالتاء الطويلة على الكتابة الفارسية ) ومنها كذلك حزب الله ، هذا بالإضافة الى عناصر أخرى قد تسلل الى دوائر الدولة في أقضية ونواحي المدينة ، قامت بمنح من يرغب من الإيرانيين الجنسية العراقية ، لقاء مبلغ مئة الف دينار عراقي ، أي حوالي خمسة وستين دولارا أمريكيا ، مثلما يقول الكثيرون من أهل البصرة ، ورافق هذا كذلك تفريس المدينة حيث صارت اللغة الفارسية لغة مألوفة بها ، كما صار التومان ، ( أي العملة الإيرانية ) متداولا في أسواقها ، مثلما صاحبه تجارة تهريب نفطها ، وبمساهمة فاعلة من قوات حرس الحدود الإيرانية في شط العرب ، وربما من مراكز في السلطة الإيرانية ، وفي الحرس الثوري الإيراني كذلك .
كل هذا ، وغيره كان يجري أمام أنظار الجنود البريطانيين المتمسكين بنظرية استهواء قلوب العراقيين ، تلك النظرية التي لاقت نجاحا يذكر عند الشارع البصري الغير مسيس ، والذي قدم أكثر من شكوى لهؤلاء الجنود عن الجرائم والأعمال المشينة التي كانت تمارسها بعض من مليشيات الأحزاب الحاكمة في البصرة ، وبعض من الضباط والمراتب من أفراد الشرطة الذين هم على صلة بتلك الأحزاب والمليشيات ، والى الحد الذي قامت فيه القوات البريطانية باعتقال عناصر من تلك المليشيات ، ومن أفراد الشرطة المرتبطين بها ، انتصارا لأهل البصرة الذين سيتجيرون من النار بالرمضاء على عكس ما ذهب له هذا المثل السائر . وبرد فعل القوات البريطانية على الأعمال المشينة التي قام بها حكام البصرة الجدد حازت تلك القوات على درجة جيدة من التقرب الى الناس فيها ، وصار بعض من هؤلاء الناس يدلون بمعلومات لتلك القوات عن أفعال ، وتصرفات حكومة البصرة ، وأشياعها المشغولين هذه الأيام بفتح أرصدة دولارات لهم في مصارف دولة الأمارات العربية ، أوفي مصارف الجمهورية الإسلامية التي يحتفل مسلموها من الشيعة هذه الأيام بعيد العشق والقلوب الأمريكي ، وفي شهر عاشوراء الذي قتل فيه الإمام الحسين عليه السلام ، وفي وقت لازال فيه شيعة العراق يشكون من اللطم على صدورهم بهذه المناسبة الأليمة ، فكيف تكون سياسة النفاق بعد ذلك ؟
قلت : لقد غضت القوات البريطانية النظر عن الكثير من الأعمال التي استهدفت المواطن البصري ، رغم أنها هي المسؤولة عن أمنه وسلامته ، وفقا للقانون الدولي ، وقرار الأمم المتحدة المرقم ( 1438 ) ، ذلك القرار الذي عرف تلك القوات على انها قوات احتلال .
لقد أرادت القوات البريطانية من وراء سياستها هذه خلق سياسيين من أهل البصرة يقتربون منها ، ولا يبتعدون عنها باتجاه الجارة الشرقية ، إيران ، وفات هذه القوات أن هؤلاء السياسيين المفترضين قد ارتبطوا بإيران منذ أمد زمني ليس بالقصير ، وهم لذلك لا يستطيعون فكاكا من رباطهم هذا ، فإيران هي التي صنعتهم كأحزاب ، وكميليشيات ، وأن نفوذها عليهم مثل نفوذها على أي تكوين إيراني داخل إيران ، وأن مخالفة أي فرد منهم لما تريده إيران أن يجري في العراق سيكون له عواقب وخيمة على هذا الفرد ، أنهم باختصار آلة في جسد نظام ولاية الفقيه .
رب قائل يقول أنك تمضي بعيدا ، وتتجنى على حقيقة الوضع في البصرة ، وحقيقة حكامها من العراقيين . ولهذا القائل أطرح هذا المثال ، رغم أن هناك أمثلة كثيرة يمكن أن تقال في هذا الموضوع ، فقبل أيام اعتدت القوات الإيرانية العاملة في شط العرب على الجنود العراقيين ، وهم في مياههم الإقليمية من الشط ذاك ، فقتلت من قتلت منهم ، وأسرت من أسرت ، وكان هدف القوات الإيرانية هو إنقاذ ربان سفينة إيراني كان يهرب النفط من البصرة بعد أن وقعت تلك السفينة بقبضة الجنود العراقيين ، وفي المياه العراقية من الشط ، وبعد هذا الحادث بأيام صرح أحد أعضاء المجلس البلدي في البصرة ، وبصوت خافت هذه المرة ، أن القوات الإيرانية قامت باعتداء آخر على سفينة عراقية في شط العرب ، وهي في الجانب العراقي منه ، وسارع الجنود الإيرانيون المعتدون الى إنزال العلم العراقي من على سارية السفينة العراقية ، ورفع العلم الإيراني بدلا عنه في عملية غطرسة واستهتار واضحة.
لقد سكت الجميع عن هاتين الجريمتين المشينتين بدءً بحكومة البصرة ، ومحافظها ، وانتهاء بالجعفري والعباقرة من وزرائه ! ، وحين وصل جثمان الجندي الشهيد من إيران أمتنع الكثير من قادة المنظمات والأحزاب الشيعية في البصرة من المساهمة في تشيعه ، وفي الطليعة من هؤلاء جماعة المجلس الأعلى ، ومليشيات بدر ، وخرج محافظ البصرة ، وبعض من أفراد المجلس البلدي حياء في ذلك التشيع ، ودون أن ينبسوا بكلمة إدانة ضد القوات الإيرانية المعتدية ، ولكن ، وبعد أن أحيل ملف إيراني النووي الى مجلس الأمن ، وجدنا أن محافظ البصرة ، ومجلسه البلدي يعلن قطع التعامل مع القوات البريطانية المحتلة للبصرة ، وراح هو ومجلسه يبكي على السيادة الوطنية المنتهكة من قبل تلك القوات ، والسبب في ذلك هو أن مجموعة من المراهقين ، والمحرضين من قبل الجماعات الإيرانية في البصرة ، مثلما يقول أهل البصرة ، قامت برمي الجنود البريطانيين بالحجارة ، فما كان من الجنود البريطانيين إلا أن قاموا بإلقاء القبض على نفر منهم ، وضربهم بالهراوات والأيدي ، مثلما ركلوهم بالأرجل ، ومع أن هذا العمل مهين ، وشائن ، ومدان ، لكن ما السبب الذي جعل محافظ البصرة ومجلسها البلدي ، الذي حول جامعة البصرة الى حسينية يقودها جهلاء الناس ، يبكيان السيادة الوطنية المنتهكة هذا اليوم ، مع أنه قد مضى على احتلال القوات البريطانية لمدينة البصرة قرابة ثلاثة سنوات ، ما كنا قد سمعنا فيها قبل اليوم بكاءً للمحافظ ، ولا لمجلسه البلدي على تلك السيادة ؟ ثم إذا كان المحافظ ومجلسه البلدي قد أخذتهما الحمية ، والغيرة على أولئك الأطفال من رماة الحجارة ، فلماذا لم تأخذهما نفس الحمية والغيرة على الجنود العراقيين الذين قتلتهم القوات الإيرانية ، وأسرتهم في مياه شط العرب ، مثلما أسلفت من قبل ؟
العراقيون أغلب العراقيين ، وخاصة سكان مدينة البصرة يريدون أجوبة على هذين السؤوالين من المحافظ أولا ، ومن المجلس البلدي ثانيا .
إن السياسة المفضوحة الأهداف هذه ، والساذجة في الوقت نفسه سارت كذلك مسارا آخر ، وراح المجلس البلدي في البصرة هذه المرة يطالب ، وبهدي من تلك السياسة ، وبعد أن أحيل الملف النووي الإيراني الى مجلس الأمن ، القوات الدنماركية بالانسحاب من العراق ، والحجة هذه المرة الصور المشينة التي نشرتها صحيفة دنماريكية شعبية للنبي الكريم ، تلك الصور التي أستغلت من أكثر من طرف ، وكل واحد من هذه الأطراف كان يغني على ليلاه ، وفي المقدمة من هؤلاء كانت إيران . فماذا كان رد الحكومة الدنماركية على طلب المجلس البلدي ، الذي رأى النور بوجود قوات الاحتلال المتحالفة تلك ، والذي راح يطالب اليوم قوات تلك الحكومة بالانسحاب من العراق ؟
هاكم اسمعوا : قال ناطق باسم تلك الحكومة : إن الحكومة في الدنمارك هي التي تقرر السياسية الدنماركية ، وليس المجلس البلدي في مدينة البصرة !
ماذا سيقول المجلس البلدي في البصرة بعد هذا الرد ؟ ألا يدرك أعضاء هذا المجلس أنهم في مدينة من بلد فاقد السيادة ؟ وأنهم جالسون الآن تحت حماية مدافع قوات الاحتلال المتحالفة ؟ فلا تغركم إيران ـ يا من تدعون تمثيل الشيعة في العراق ـ ! فإيران تريد أن تزج بكم في معركة ليس للعراق مصلحة فيها ، وها أنتم ترون بأم أعينكم أن كل الذين دفعتموهم في احتجاجاتكم تلك للتظاهر من أهل البصرة لم يتجاوز عددهم ألف شخص ، فرحم الله إمرأ نظر ، واعتبر !
#سهر_العامري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟