أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضياء فتحي موسى - صراخ مكتوم














المزيد.....


صراخ مكتوم


ضياء فتحي موسى

الحوار المتمدن-العدد: 5650 - 2017 / 9 / 25 - 10:25
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
..
صراخ مكتوم
كان ممددًا على سريره ورأسه على الوسادة, ثم فتح عينه, فلم يجد زوجته على السرير, من المعتاد أن تكون نائمة إلى جواره في هذه الساعة, ربما في الحمام وستعود, فكّر في ذلك, وارتأى له أن ضوئًا خفيفًا ينبعث من ناحية النافذة, فرفع عينه نحوها, فألفاها مفتوحة, لم يكن ذلك عاديًا بالنسبة له, لماذا فتحت زوجته النافذة على هذا النحو في الساعة السادسة صباحًا, بالتأكيد زوجته هي التي فعلت ذلك, لأن لا أحد يعيش في الشقة معه سواها, وليس لديهما أولاد, إلّا أن يكون لصًا, ستكون مشكلة كبيرة إذا كان لصًا هو الذي فعل ذلك, ربما لم يزل في الشقة الآن, ربما سرق زوجته!
قام من سريره قلقًا, مشى خطوات إلى الصالة حذرًا يتلفت يمنة ويسرة,نادي زوجته, يبحث عنها في كل مكان داخل الشقة, لكن لم يجدها, وكان باب الشقة مفتوحًا, وجميع النوافذ أيضًا. رأى هاتف الزوجة النقّال على الكنبة, لماذا لم تأخذه معها في المكان الذي غادرت إليه, سأل الزوج نفسه وهو يشعر بخيبة وصدمة عظيمة, وإلى أي مكان تكون قد ذهبت تلك المجنونة, ومع المجنونة أضاف شتائم كثيرة, زوجته لا تعمل حتى تغادر الشقة في هذا الوقت المبكر, ولم يحدث أي شيء ليلة أمس يجعلها تغضب وتهرب, فأين ذهبت ولماذا غادرت بهذه الطريقة الغريبة!
وقف في منتصف الصالة يفكر في حيرة, مشى خطوات إلى نافذة الصالة, الشقة في الطابق الثالث, نظر منها لعلها تكون في الأسفل, وقد رآها تقف في الشارع مع امرأة, لكن من الواضح أنّ هناك مشكلة, أمر غير مفهوم, احتاج الزوج لقرص نفسه بقوة في وركة ليتأكد من أنّه مستيقظًا, زوجته لا ترتدي شيئًا على رأسها, شعرها مكشوفًا, كذلك المرأة التي تتحدث إليها, شعرهما مكشوف, وكانت زوجته طوال عمرها تغطي شعرها, لذلك وقف الرجل مفجوعًا من هول الصدمة, محدقًا في بلاهة إلى زوجته.
صاح بها, فنظرته في هدوء ولا مبالاة, وقالت بثقة أنّها ستجري مع صاحبتها إلى ربع ساعة ثم تعود, لم يتكلم الرجل رغمًا عن أنفه بفضل ما أحدثته له زوجته من صدمة مدوية, أخرسته بحق, وجعلته لا يفكر..
ثوان وحدثه صديقه على هاتفه عن أمر غريب حدث له منذ دقائق, يقول أن زوجته تمردت, عليه وعلى كل شيء, وأرادت أن تخرج إلى الشارع كاشفة شعرها, ولمّا منعها, اتصلت بنساء العمارة, فحطمن الباب, فخرجت عنوة, واتفقا الصديقان أن ينزلا الشارع للبحث عن زوجاتهما.
ثم لم يجدا شوارع المدينة هادئة مثل كل صباح, وهي مدينة ريفية بسيطة اعتادت على الهدوء, غير أنّ هذه المرّة اكتظّت بنساء المدينة, كلهن كاشفات عن شعورهن على غير العادة, ومتخلين عن العبائات السوداء, يرتدين بدلًا منها فساتين ملوّنة, ويفوح من أثوابهن روائح عطرة, ويمشين في ثقة غير مكترثات بما تبديه نظرات الذكور لهن من ذهل وجنون وفظاظة, وسرعان ما امتلأت الشوارع بالذكور, وجوههم فيها غضب ونقم وسعير, كل من له امرأة يلاحقها, على رجليه, أو على متن حماره ويضربها بالعصا والسوط, أو يركب "موتوسيكل" أو "توكتوك" فيخطف قريبته ويضع على رأسها غطاء, ويوسعها ضربًا ويسقط فوق رأسها من لسانه رطلًا من الشتائم البذيئة.
حتى أنّ الذكر منهم, شتم أمّه ووصمها بالعهر, ومنهم من ضربها مثل ضربه لأخته وزوجته وابنته, ومنهم من طلَق زوجته, ومنهم من حرم ابنته ميراثها, والنساء تبكين, يسقطن على الأرض إمّا إغماء أو موت, أو يحاولن الهرب والإختباء, في أي بيت أو محل أو في الحقول الممتدة على طول المدينة, والذكور من ورائهن بالمرصاد, لا يعرفن ماذا حدث للذكور, جميعهن في آن واحد وبطريقة غير معلومة اتفقن على نزع غطاء الرأس, ولا يذكرن عنه شيئًا, فقدن ذاكرتهن الأولى, ويصبن بالدهش عندما يخبرهن الذكور بأنهن عشن كل عمرهن بغطاء رأس, لا يرين في إظهار شعورهن مُنكرًا أو عيبًا, ولا يرين من ذلك صدعًا في قوام مجتمعهم الفاضل, ولا من قطعة القماش التي يطاردهن بها الذكور فصلًا بين الباطل والحق, إنهم يرونه فرج وهن يرونه شعر.
وانتشر الحلّاقون في الأرجاء, يمسك لهم الذكر قريبته ليقص هو شعرها كله إلى جزره, ولا يشفع لها عنده توسل أو اعتذار, يحدث ذلك على جنبات الطرق.
ودونهم من الذكور يمدون أبصارهم ضاحكين, يتحسسون بأعينهم أجسادهن, ثم يلقون بأنفسهم وسط الزحام, فيلمسون شعور النساء في إجلال وتعظيم ورهبة.
امتلأت سماء المدينة بصراخ النساء, وعلت المآذن بصوت الوعّاظ, يجذمون بأنّ يوم الميعاد قد حان, ويأمرون بالغلظة معهن, والحبس والضرب..
وانتشرت الشرطة ووصلت تعزيزات أمنية مهيبة من سيارات وقوات, وأُنشأ, على أطراف المدينة, مُعسكرًا مغلقًا, محاطًا بسور من الأسلاك الشائكة والحراسة المشددة, تُحمل إليه النساء, مُكدسات في سيارات كبيرة مصفحة تستخدم في نقل المساجين, مكبلات بالأغلال من أرجلهن وأيديهن, إلى أن يحضر الذكور فيأخذ كل واحد بقريبته..
و قرر الفريق البحثي الذي أرسلته وزارة الصحة بمعاينة أوليّة دقيقة أن وبائًا غريبًا انتشر في الجو, في حدود المدينة, ومن تباعاته إحداث خللًا في بعض وظائف الدماغ مما ينتج عنه تصرفات مشوّهة.
ومن ناحية أخرى, عثر الرجلان على زوجتهما في المعسكر, نقل واحد زوجته إلى المنزل, وهي مكبلة, ومغطاة الرأس, في صندوق سيارة ربع نقل, ووضع الثاني زوجته على متن حمار, يتدلى نصف جسدها من ناحية والنصف الأخر من الناحية الأخرى, ومشى الرجل على رجله, إلى جانب صاحب الحمار الذي طلب عشر جنيهات مقابل التوصيل..
بعد ساعات, وعند غروب الشمس, هدأت المدينة, إلّا من صراخ مكتوم يصدر من خلف النوافذ وجدران البيوت!






#ضياء_فتحي_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر ...
- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
- الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو ...
- -ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان ...
- تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضياء فتحي موسى - صراخ مكتوم