|
رجل البنتاغون رامسفيلد .. شاعراً
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1462 - 2006 / 2 / 15 - 11:18
المحور:
الادب والفن
مرة كتب والت ويتمان : الصقر لايكتب الشعر ولكنه يطير مثل شاعر . تذكرت هذا وأنا أقرأ آخر كتب الصحفي المصري الشهير محمد حسنين هيكل المسمى { الأمبراطورية الأمريكية والأغارة على العراق } والصادر في أكتوبر2003وفيه وصف لحادثة يبدي فيها كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة شيئاً من المفاجأة وهو يرى في واحدة من الجرائد عرضاً لديوان شعر من منشورات دار { سيمون وشوستر } وصاحب الديوان هو وزير الدفاع الأمريكي والمحسوب على صقور البيت الأبيض { دونالد رامسفيلد } . حيث لايعرف الكثيرون أن رامسفيلد هو شاعر وآخر أصدار له هو هذا الديوان في 2003. وهي ذ1ت السنة التي ذهبت بها الولايات الأمريكية الى العراق . ويبدو أن كولن باول كان في تلك اللحظات واقع تحت تأثير المجادلات القائمة حول الحرب بين الخارجية والدفاع حيث كان باول يحسب على الحمائم ورامسفيلد على الصقور ، وبدى لباول أن أحد قصائد هذه الديوان هي رسالة موجهة أليه شخصياً وكانت تقول : كما نعرف فهناك أشياء لانعرفها بعضها نعرف أننا لانعرفها وبعضها الآخر لانعرف أننا لانعرفه الأشياء التي لانعرفها - لانعرفها والأشياء التي نعرفها قد لانعرفها كان الأمر بالنسبة لباول مثل متاهة صنعتها شعرية رامسفيلد وأراد بها أن يذكر زميله بمحسومية الأمر بالنسبة له . عند ذلك دفع كولن باول بقصاصة ورق الى مستشارة الأمن القومي ( كوندليزا رايز ) وكانت موجودة في مكتب الوزير. القصاصة والمكتوبة بخط يد الوزير باول تقول: { أذا كنا لانعرف مايجري في رؤوسنا ، فكيف لنا أن نزعم معرفة ما يجري في العالم }. وهكذا أكتشفنا أن الوزير رامسفيلد الذي تبدو عيناه الحادتين من وراء النظارة مثل عيون صقر ، أنه شاعر من الطراز الجيد ، وهو بهذا قد لا يصل في هذا المجال إلى شهرة شاعر وكاتب ولكنه كان بمنصب رفيع وبدرجة مستشار ووكيل وزارة في الخارجية الأمريكية وأقصد { أرشيبالد ماكليش } صاحب الكتاب ذو الرؤى المهمة { التجربة والشعر } . وهكذا تقودني الرغبة أن أقرأ شعر دونالد رامسفيلد الذي كنت أظن أن أخر تفكير بالنسبة لي لهذا الرجل الذي يقود المعركة دون سيكار كوبي وبدلة مرقطة أن يكون مرهفاً حد التصوف ويكتب الشعر . وهكذا أعادت ألي كلمات والت ويتمان شكل الصقر وتفكيره ، وأنه في هذه المرة خالف بديهة ويتمان فكان يكتب الشعر . أذن هو يطير مثل شاعر. بعدما كنت أظن وربما العالم كله أن رجلا مثل السيد رامسفيلد هو منهمك في صياغة ما يراه دوراً أمريكاً جديداً لقيادة العالم بعد أنهيار برجي منهاتن . وربما رامسفيلد بتلك الشاعرية التي بدا عليها شيئاً من احتراف الجمال كان قد كتب مرثية عن ذلك اليوم الحزين في حياة أمريكا . ما توفر لي سوى هذه الأبيات القليلة أعلاه والتي أعتبرها السيد باول ( حسكة ) موجهة أليه . ولكنها بالحقيقة تتحدث عن شعور عام في الذات الأمريكية وهي تدخل مع العولمة في مساحات أوسع من تلك التي خططها أيزناهاور بيديه بعد نجاح عملية الإنزال الكبرى على ساحل النورماندي . وبدا أن الشاعر رامسفيلد أراد هنا من خلال وعيه المتسع كملعب كولف وحساسيته المفرطة بالحدث الذي كان هو من ‘صناعه منذ أن كان الروس موجودين بكامل هيبتهم السوفيتية أن يرينا دوامة المشهد الذي علينا ( أي الأمريكيون ) أن يدركوه ليصبح وعيهم مرهون بفكرة أمريكا : أن تكون الديمقراطية هاجس يرتدي الحلم الأمريكي . وهو وفق رؤى القصيدة أعلاه يحتاج إلى الكثير من المعادلات وإسقاط دكتاتوريات وتنبيه أنظمة قاسية ومتعجرفة وتصحيح مناهج وتأسيس فروع لمؤسسة فرانكلين وغير ذلك ، وإلا كما يقول السيد رامسفيلد : الأشياء التي نعرفها قد لا نعرفها . وهكذا يبدو لي بعد أن أدركت إن السيد رامسفيلد هو شاعر من طراز يعي الفهم الآخر للشعر ، بات وضوح الرؤيا يتسع وفق ا لرؤية الأمريكية لا وفق رؤية الشاعر والمفكر المتصوف النفري والقائلة :( كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ) . وكان منها أن يكون الأمر صارماً لاتخاذ قرار حتى من دون سند قوي لذريعة الجدال الذي كان موجوداً بين الخارجية والدفاع ، وذلك الأمر ربما حسمته القصيدة أعلاه والتي نشرت في صحيفة { كريستيان ساينس مونتر }. وهكذا ذهب السيد رونالد رامسفيلد إلى أفغانستان مع قصائده ، وربما فيها أناشيد لمعارك محسومة سلفاً . ومعها جاء إلى العراق ، ليلقيها على مسامع من شملهم الغياب لسنين طوال ، وربما سيذهب بها إلى بلد آخر تحس فيه أمريكا ، أن ثمن الابتسامة الواحدة عامان من الحبس الانفرادي ، لأنني رأيت أن الرجل باق إلى ولاية أخرى ، وبل الفعل بقي . ربما لأنها تريد أن تتمتع ولأول مرة في حياتها أن تسمع وتقرأ لوزير دفاع وشاعر . دونالد رامسفيلد شاعراً .. يبدو هذا العنوان غريب بعض الشيء ، ولكن في عالم يفكر الإنسان فيه أن يبني على سطح كوكب المريخ مشفى لمجانين الأرض ، فلا نسبية في التفكير بحصول شيء أو عدم حصوله ، فالقلب هو القلب ، عند الإمبراطور وعند الاسكافي ، وكما يقول لانفوتين ( مشاعل القلوب لها نار واحدة ) فحتماً أن النار التي في مشعل قلب الشاعر رونالد رامسفيلد هي ذات النار التي في قلب الشاعر الأمريكي الحالم أدغار ألن بو . ولكنها تختلف في طباع الضوء والدفء ، فهي عند ألن بو تتميز بأزلية الحزن والرومانس الغارق في شيء من عدمية الحياة والبؤس الذي ظل يلاحق ألن بو حتى في قبره ، فيما يكون الشعر عند رامسفيلد هواية تتحكم فيها لحظات القيلولة النادرة وسط حياة مليئة بمغامرات الحروب واجتياح البلدان بغمضة عين كما حدث في بنما وغراينيدا وأفغانستان وأخيراً وليس آخراً العراق . بيت الشعر الأول والحالم الأزلي بوقيعة الكون وبوابة الإنسان صوب السماء ويوم فكر بعقله :أن هذا الكون العجيب ، ثمة يد خفية تسيره ، وهي حتماً التي صنعته . الجنرال المدني رامسفيلد يحاول أن يصوغ شعره وفق مبتكرات من حسية مهنية والهام لايمت بصلة إلى الشعاع الأستخباري الذي يبرق من خلال نظارتين عميقة التقعر ، ويبدو شكله الجرماني أنه وريث ثقافة القفز على الأعراق وأن أمريكيته أكتسبت ثقافة وصارت الذات الأمريكية في كل أشتغالتها هي نمط الارتقاء والهيمنة ، ورغم تصوف الجملة الشعرية عند رامسفيلد إلا انه يحاول أن يظهر في مشاعره شيئاً من توهج الحديد والصواريخ العابرة للقارات ، فالمضامين الروحية للديوان حملت هماً تفكرياً بمجريات الحدث الكوني رغم أن الشاعر رامسفيلد أراد أن يظهر للقراء :أن ما يفعله ليس سوى هواية ، وأنه يحترم موهبته ويعطيها جزء من الاهتمام ، ربما لأنها تحسن السيرة الإنسانية لرجل يمسك البنتاغون بقبضة من حديد . ولم يهتز جفنه لمشاهد أذلال الجسد العراقي في قواويش أبي غريب. دونالد رامسفيلد شاعراً ، فرانكو لديه أيضاً دفتر خرائط ، والحجاج كان يقول : خطبة المنبر قصيدة تنحر الرقاب ، مصطفى طلاس يكتب الشعر تحت رمشي جورجينا رزق ، الملكة إليزابيث تحب أمام زائريها التعليق على سونيتات شكسبير ، بينوشيت ، رأوه يراجع كتاب وهو مذكرات نيرودا ، بولند أجاويد شاعر … ليبود سنغور واحدا من اشهر شعراء الفرانكوية كثيرون ..كثيرون أذن لا غرابة ..في أمر يتعلق بالشعر ، فهو مباح ، لأنه ليس سوى مشاعر يصنعها الضد الذي فينا سلباً وأيجاباً ، وهو مسموح للجميع ..لرامسفيلد وغير رامسفيلد .. لكن ، أن كنت أنت مثلاً ، لا تحب رامسفيلد ، وشعره عال الجودة والنقاوة والحسية ، كيف تتعامل معه ؟ أحدهم قال : سأتصوره عزرا باوند . ولا أدري أن كان صديقي صائباً في مقارنة رامسفيلد بباوند أم لا؟!
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كم أحب النخلة ..لأنها تشبه ابتسامة كاردينالاً مندائياً يحب ا
...
-
أزهار بودلير .. وهي تتنفس حياتنا بتأوه
-
أنا أحسد الذين يعيشون خارج أسطرة ما أنا فيه
-
الكنائس العراقية والجبنة الدنماركية ....
-
قلب العراق ...قلبنا جميعاً
-
وزارة الموارد المائية أنموذج للقادم العراقي من ارث الحكومة ا
...
-
قصة قصيرة ..جولة ليلية للليل
-
قصة قصيرة ....كلبة فوق سطح القمر ....
-
ِيوم في حياة وزير الموارد المائية العراقي
-
خواطر كونكريتية
-
قصائد معتقة كخبز وجدوه في كهف أثري
-
قصة قصيرة ..الحرب وذاكرة موزارت
-
قصة قصيرة...الخرافة ..هي أن لاتكون قبل أن تكون
-
قصة قصيرة ......لماذا يموت البلبل ؟...................
-
قصة قصيرة ...كلب القرية لا ينبح بل يغني .
-
من يضيف إلى عينيك الكحل غير أصابعي
-
قصة قصيرة....أبي في متحف اللوفر...
-
قصة قصيرة...شفتا صديقتي تكتب القبلات ببراعة
-
قصة قصيرة ...الشراكسة ومدحت باشا ومدينتي
-
قصة قصيرة.. شارب دالي ودولة مالي وردود أفعالي .
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|