نجوى التهامي
الحوار المتمدن-العدد: 5629 - 2017 / 9 / 3 - 19:07
المحور:
الادب والفن
انقضى العيد...
كان شاحباً كوشاح أرملة، رغم خضار هذه البلاد المترعة بمسارب المطر...
كان فارغا أجوفاً كبئر جافة معطلةٍ عن السقاية.
كراقصةٍ دون موسيقى، وكعرسٍ بلا موال ولا زغاريد.
هذا مامنحته الغربة لقلبي الذي تعلّق على الأثير -ينتظر صوتهم- كذاك القديد الذي كانت تنشره أمي، وأنا أبتسم برش الملح عليه.
فكم فزعتُ حينما صحوتُ من نومي يوم العيد، ولم أجد تكبيرات المآذن التي كانت تلدها الشمسُ على سطوح بيوتنا فتطير عليها مثل الحمائم.
بينما كانت أمي تراقب ميلاد الضوء، وتنفس الصباح لتجهز موكب الأضحية بما يليق بحفاوة العرس، وكانت يدُ أبي -رحمه الله- تسبقها لمكان خروفنا المجيد، تهز صوفه وتمتد لتبثّ الدعاء في المكان.....بينما كان صوته العالي: "هيا وين الكحل والبخور" يراقص ظلال شجرة الزيتون التي جهز فروعها لتعليق الأضاحي، فتبتسم المكحلة في يد أمي، حينما يسارع مرودها الانفكاك عنها مقبّلا عين الخروف اليمنى ، وكأن قطعة الجاوي كانت تسبق توقّد الجمر لتبث ضوع ريحها المكان.
ما الذي تمنحه الغربة لقلبي الآن غير أحلاما تتناثر شظايا كلما سعل الوطن المغدور بأولئك الكافرين بروحه.
ليتك أدركت يا أبي إنك حينما غادرتني، تلبّسني الفشل، فلم أستطع أن أفعل مثلما كنت تفعل في ذبيحتك، وأقطعُ أوصال الحنين التي تتبعني كجذور أشجار آسيوية عملاقة تشمّ رائحة المطر......
ليته كان سكيني قاطعاً لأذبح اشتياقي لك وحاجتي لحضنك.
لأقول لك مازال العيد يهلّ... والغربة تتجدد، والوطن يبكي روحه المذبوحة.....
وأنت يا أبي لم تعد تأتي بأي حال من الأحوال.
#نجوى_التهامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟