|
من سيملأ فراغ انحسار الإسلاموية السياسية ؟
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5621 - 2017 / 8 / 26 - 19:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هزيمة الجموع المسلحة لتنظيم الدولة (داعش) في العراق وسوريا كمؤشر على انحسار موجة الإسلاموية السياسية المتطرفة التي بدأت نهاية السبعينيات من القرن الماضي لا يعني نهاية الظاهرة ،فهذه الأخيرة ليست تنظيمات مسلحة فقط بل حالة معقدة ومركبة :دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية ،كما يتداخل فيها صراع نخب محلية على السلطة مع صراع جيوسياسي على المنطقة بين دول طامعة في المنطقة العربية . لن نعود للكتابة عن الظاهرة من حيث نشأتها وأطرافها وتداعياتها ،حيث شغلت هذه الظاهرة الكُتاب والمثقفين وسيطرت على اهتمام وسائل الإعلام خلال العقد الأخير أكثر بكثير من أية قضية أخرى وخصوصا عندما تداخلت مع ما يسمى (الربيع العربي) وركبت موجته ،بل همشت هذه الظاهرة قضايا جوهرية كالقضية الفلسطينية وقضايا التنمية والديمقراطية الخ ،وكان يُراد لها أن تقوم بهذا الدور ، ولكن ما سنتطرق له هو الإجابة عن السؤال : مَن سيملأ الفراغ السياسي والأيديولوجي الناتج عن انحسار هذه الظاهرة ؟. الإسلاموية السياسية تتراجع تنظيميا وميدانيا ولكنها كايدولوجيا ما زالت معشعشة في عقول الشباب وفي الخطاب الديني ،الأمر الذي يتطلب ثورة فكرية ثقافية مفاهيمية حول مفهوم الدين ونطاق أو حدود اشتغاله وعلاقته بالدولة والديمقراطية ،وحول مفاهيم الدولة الوطنية والمواطنة ، وإذا كانت الإسلاموية السياسية تعتمد على أيديولوجيا تتجاوز المشروع الوطني والدولة الوطنية وأيديولوجيتها كما تتجاوز المشروع القومي العربي وأيديولوجيته ، بل لا تعترف بهما ، فإن التحدي الكبير اليوم ما بعد تراجع هذه الظاهرة أن يتم إعادة الاعتبار والحضور للمشروع القومي العربي وأيديولوجيته الطامحة لتوحيد الأمة العربية على أسس ديمقراطية وللدولة الوطنية وأيديولوجيتها المتصالحة مع الديمقراطية والمواطنة . كان من الأهداف الرئيسة وغير المُعلنة للإسلاموية السياسية ومن يقف وراءهم تدمير المشروع القومي العربي كايدولوجيا أو انتماء للأمة وتدمير الدول المؤهلة لتكون إقليم قاعدة لهذا المشروع ،وهذا ما جرى عندما تم محاصرة عراق صدام حسين ثم احتلاله ، وما يجري في ليبيا وسوريا ومصر يندرج ضمن هذا المخطط ، كما كان من أهداف هذه الجماعات ومن يمولهم إعاقة التحول الديمقراطي الذي فرض نفسه على الأنظمة منذ منتصف السبعينيات وحتى إن كان بطيئا إلا أنه كان واعدا من خلال الحركات الاحتجاجية السلمية وفاعلية المجتمع المدني ونشاط المنظمات الحقوقية ، أيضا كان هدف هذه الجماعات إعاقة النهضة التنموية للدولة الوطنية (القُطرية) ،هذا ناهيك عن حرف الأنظار عن الخطر الرئيس وهو إسرائيل ،وإطماع دول الجوار . بالرغم من أن تغييب الإيديولوجيات القومية والوطنية والتقدمية التحررية كان هدفا أساسيا للجماعات الإسلاموية ومن كان وراء تأسيسها وتمويلها وحتى لا نراهن على سراب يجب الاعتراف بأن القوى القومية والتقدمية واليسارية والقوى الوطنية تتحمل جزءا من المسؤولية عما يجري ،حيث استفادت.ايديولوجيا الإسلاموية السياسية من الفراغ الذي نتج عن الأزمة البنيوية والوظيفية للحركات القومية والتقدمية واليسارية وتشرذم وتعدد عناوينها وصراعاتها الداخلية ،كما استفادت أيضا من الفراغ الذي نتج عن تآكل الانتماء والهوية الوطنية عندما تم اختزال الوطنية بأحزاب سلطة غير ديمقراطية . ليس هذا فحسب ،بل تتحمل القوى القومية والتقدمية والوطنية المسؤولية عندما وقفوا متفرجين على بلاد العرب وهي تتحول لساحة حرب بين هذه الجماعات المتطرفة ومن يمولها خارجيا من جانب وعسكر الدولة أو عسكر الأقليات الطائفية والإثنية من جانب آخر ،وساحة صراع سياسي وأيديولوجي بين المشروع الإسلاموي المتطرف والمشروع الإيراني والمشروع التركي والمشروع الإسرائيلي والمشروع الأمريكي الغربي ، مع غياب فاضح لفكر أو عنوان للمشروع القومي العربي ،حتى جامعة الدول العربية تحولت لأداة بيد محور متحالف مع الإسلاموية السياسية ، ولم يكن حال المشروع الوطني داخل الدولة القُطرية بالأفضل حيث تم اختزاله بخطاب النظام السياسي وعسكره . إذن ومع انحسار الإسلاموية السياسية بعد أن أنجزت جزءا كبيرا من أهدافها المدمِرة ، وحتى لا تخرج الأمة العربية من سطوة الإسلاموية السياسية لتقع تحت سطوة أنظمة عسكرية طائفية أو تتحول بلادهم لكيانات طائفية ،وقبل أن يتم صناعة إسلاموية سياسية جديدة ...، على القوى القومية والديمقراطية والتقدمية التحررية أن تأخذ ناصية الأمر وتتحرك بسرعة وتلملم صفوفها لملء الفراغ الايديولوجي وإعادة إحياء الفكر الوطني الديمقراطي والفكر القومي العربي مع الاستفادة من أخطاء الماضي وتحديدا تجاهلها للديمقراطية و المواطنة التي تساوي بين جميع المواطنين دون انحياز طائفي أو إثني أو قبلي . على الوطنيين والقوميين والتقدميين أن ينفضوا الغبار عن أنفسهم ويخرجوا من حالة فقدان التوازن والإحباط ويتحرروا من عقدة النقص والتقصير التي طالت بعد انكشاف كل من حاول أن يملأ فراغ غيابهم ، كما على مراكز الأبحاث والدراسات ذات التوجهات القومية العربية أن تكثف من نشاطها ونخص بالذكر مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت وهو المركز الرائد الذي استمر صامدا وأمينا للفكر القومي العربي . وعلى المستوى الرسمي حان الوقت لاستنهاض جامعة الدول العربية ومؤسساتها مثل الدفاع العربي المشترك والسوق العربية المشتركة الخ ، والنظر في تعديل الميثاق . قد نبدو متفائلين فيما سلف من قول وخصوصا ونحن نشهد كم الرداءة في الحالة العربية الرسمية والشعبية وهي رداءة دفعت كثيرين لنعي العرب والعروبة ،ولكن التاريخ علمنا أن الأمم لا تموت ،قد تنهزم أو تتقهقر ولكنها تنهض مجددا ،ولنا في أمم الكرد والصرب والكروات الخ عبرة ،ولا نريد أن نتحدث عن دولة إسرائيل التي تأسست على اساطير تعود لثلاثة آلاف سنة . لا يعقل أن يكون لكل أمم المنطقة مشروعها القومي إلا الأمة العربية . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العودة لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد فشل كل البدائل
-
لماذا لم يتجهوا شمالا بدل الاتجاه جنوبا ؟
-
حتى لا ننسى : إسرائيل عدونا والاستقلال هدفنا
-
هل أصبح قطاع غزة عبئا على القضية الوطنية؟
-
مبادرات المصالحة الفلسطينية : ما عليها أكثر مما لها
-
القدس وغزة الاختبار الصعب أمام قيام الدولة الفلسطينية
-
يتغير الفلسطينيون اعتدالا ويتغير الإسرائيليون تطرفا
-
البعد الديني للقدس لا يُسقط الانتماء والمسؤولية الوطنية
-
ما يجري في القدس يكشف عورات الجميع
-
مساندة مصر في محاربة الإرهاب مسؤولية قومية
-
تفاهمات القاهرة والتلاعب بمصير وطن
-
تصورات مغلوطة حول العلمانية والدولة المدنية
-
لعنة السلطة
-
لعبة الأمم مرة أخرى
-
مبادرة الرئيس ،وتفاهمات حماس-دحلان-مصر
-
أية تسوية سياسية الآن ستكون أسوء من تسوية أوسلو
-
رد الاعتبار لفلسطين كقضية تحرر وطني
-
العرب يدينون أنفسهم ويبرئون واشنطن والغرب
-
(الربيع الخليجي) وانقلاب السحر على الساحر
-
حركة حماس أمام أختبار صعب
المزيد.....
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|