أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - بيت بلا أسوار














المزيد.....

بيت بلا أسوار


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 5621 - 2017 / 8 / 26 - 16:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بيت بلا أسوار
هيأت لي نشأتي في حي (الخمسين حوش) من مدينة المعقل في البصرة أن أكون منذ أيامي الأولى عابرا للطائفية وتداعيات الإنحياز الديني أو القومي. صحيح أن الخمسين حوش كانت تحتوي كما يدل إسمها على خمسين دار, غير أننا, نحن الأطفال حينها, نجحنا أيما نجاح لتحويل الأسوار التي تحيط بكل بيت إلى أسوار إفتراضية فصار الحي وكأنه بيتا واحدا. ومثله كانت هناك عشرات الأحياء التي كانت تعيش ذاك الزمن العراقي الواعد رغم همومه وتصدعاته .
في منتصف الخمسينات من القرن الماضي أنشأ المرحوم الباشا سامي فتاح, مدير المواني العام والذي أصبح بعدها وزيرا للداخلية في العهد الملكي, ذلك الحي على أسس عصرية. الحي الذي ضم بيوتا صغيرة كان يعتبر نقلة حقيقية في حياة ساكنية الذين كان أغلبهم يعيش قبله في بيوت متواضعة. ثم أن تصميم الحي جاء بطريقة تكاملت فيه شوارعه وملحقاته وبيوته بشكل جعلته يبدو وكأنه يضم بيتا واحدا لا خمسين بيت, فلقد ضم الحي ساحة لكرة قدم قام أطفال الحي بتطويرها لكي تكون أيضا ساحة للرياضات الميدانية التي تتضمن الركض والقفز في المستطيل الرملي, وما شابه ذلك. وكانت الحدود الخلفية للحي هي نهر صغير يلتف بعد نهاية الحي في تلك الجهة لكي يحيطه من الجهة الأخرى جاعلا الحي يبدو وكأنه جزيرة سياحية يلتحق شارعها الوسطي بالشارع الذي يؤدي إلى أرصفة الميناء البحري, أما بوابة الحي الشمالية فكانت تحتوي على سينما صيفي ومسبح صيفي أيضا, وغير بعيد كان حي (الجاينة كامب) قد ضم دارأ للسينما الشتوية, أي المغلقة يقابله على الجانب الآخر ناديا عصريا رائعا هو نادي (البورت كلب .. اي نادي الميناء الخاص حينها بكبار الموظفين) وكانت هناك مقابل هذا النادي ساحة لكرة القدم تابعة لدائرة الموانئ العامة وكنا قد أدمنا حضور مبارياتها الدورية, وقد أنجب النادي نفسه لاعبين كبار مثل حمزة قاسم الذي لعب حارسا لمرمى المنتخب العراقي واللاعبين المخضرمين في المنتخب نفسه وهما علاء احمد وهادي أحمد, غيرهم من اللاعبين الكبار.
في ذلك الحي الذي كان عبارة عن بيت واحد بلا أسوار, والذي كان يضم عائلات مسلمة ومسيحية وصابئية, كردية وعربية وأرمنية وآثورية, والتي كانت شوارعه ومرافقه قد هيأت لكي تجعلنا, نحن الأطفال حينها, نعيش وكأننا عائلة واحدة, حتى كأنا حولنا بيوتنا إلى مكانات للنوم ليس إلا, نلجأ إليها حينما نتعب من اللعب والسباحة والمهرجانات الدورية, في ذلك الحي كان الوقت أسرع من أن يقف لكي يعلمنا الفرق بين المسيحي والمسلم, بين الأرمني والعربي والآثوري, ولذلك لم يكن صعبا أن يتزوج المسلم من مسيحية ويعيشان في نفس الحي أو بالقرب منه . ليس معنى ذلك أن العائلتين كانتا تتقبلان الأمر بشكل سهل, لكن علاقات الشارع كانت قد تغلبت على علاقات البيوت المغلقة .. لقد نجحنا نحن الأطفال, من مختلف الأديان والأجناس والإعراق, أن نخلق من خلال شارعنا المشترك لغة واحدة مشتركة هي اللغة العراقية الجامعة, التي إستطاعت أن تفرض ذاتها على لغات البيوت المختلفة. كان من حق إيشو توماس صديقي أن يدخل حديقة داري الصغيرة دون أن يضرب الجرس طلبا لإذن الدخول, ثم إذا به يشاركني أو أشاركه في بيته وجبة الأكل دون دعوة مسبقة.
لقد جعلتني البيئة التي نشأت فيها أقاوم كل أشكال العنصرية والتخلف الديني (لم أذكر الإنحيازات الطائفية إذ لم يكن لها أي ذكر في كراريس طفولتنا, ومن لم يكن يميز بين مسيحي ومسلم وبين آثوري وعربي, لم يكن على إستعداد للإستماع إلى اية لغة طائفية).
اليوم حينما أكتب عن قضية الإستفتاء الكوردي, وبالأمس حينما كتبت كثيرا عن الطائفية الشيعية أو السنية, أقول لمن يظن إنني اكتب بقلم عربي لا يا سيدي إنني أكتب بقلم خمسين حوشي. وأقول لمن يريدني ان أكتب بقلم شيعي لا يا سيدي أنا أكتب بقلم مَعْقلي (من مدينة المعقل).
كلا القلمين هما قلمان بصريان عراقيان يريان العالم, كل العالم, من خلال بيت في الخمسين حوش.
وهو بيت كان بلا أسوار.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإستفتاء وإعلان الدولة الكوردية المستقلة هل سيكونا كويت الب ...
- علي الأديب وفقه التبعية والعمالة
- الحرب العراقية الإيرانية .. من كان البادئ لها (2)
- الحرب العراقية الإيرانية .. من كان البادئ لها
- تجارة الدولة المدنية وسوق الأغلبيات السياسية في العراق
- أغلبية المالكي السياسية
- من يجرؤ على الكلام
- الإستفتاء الكردي .. العودة إلى ما قبل سايكس بيكو
- كيف ساهمت الأحزاب بتدمير الوعي السياسي العراقي قبل الإحتلال
- إشكالية الدين والدولة الوطنية .. (4)
- عيدية
- إشكالية الدين والدولة الوطنية .. في مصر أولا والعراق ثانيا ( ...
- وماذا بعد قيام الدولة الكردية المستقلة
- قطر ..حبة الرمل القاتلة
- في الموقف من المجابهة الخليجية القطرية .. الثابت المبدئي وال ...
- إسلامان سياسيان, واحد إيراني والثاني عراقي
- أرى جيوبا أينعت
- الخليفة أبو بكر البغدادي القرشي .. البعد الرمزي للتسمية
- العدو الآيديولوجي والصديق المخابراتي
- مثلث برمودا الإسلامي.. القومي في مجابهة الديني


المزيد.....




- رئيسة الاتحاد الأوروبي تحذر ترامب من فرض رسوم جمركية على أور ...
- وسط توترات سياسية... الدانمارك تشتري مئات الصواريخ الفرنسية ...
- لافروف: سلمنا واشنطن قائمة بخروق كييف
- الجيش الإسرائيلي يواصل انتهاك اتفاق الهدنة مع لبنان
- ترامب يبحث مع السيسي -الحلول الممكنة- في غزة ويشيد بـ-التقدم ...
- بعد قرارها بحق لوبان... القاضية الفرنسية تحت حراسة مشددة إثر ...
- زلزال ميانمار المدمر: تضاؤل الآمال في العثور على مزيد من الن ...
- ماذا وراء التهدئة الدبلوماسية بين باريس والجزائر؟
- -حماس- تدين مقتل أحد عناصر الشرطة في دير البلح وتشدد على أهم ...
- زيلينسكي يؤكد استلام أوكرانيا 6 أنظمة دفاع جوي من ليتوانيا


المزيد.....

- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - بيت بلا أسوار