|
حبل من وراء الحدود
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 5604 - 2017 / 8 / 8 - 14:57
المحور:
الادب والفن
التسلل الى الوطن (3) حَبَلْ من وراء الحدود تميم منصور مضى أسبوعاً على رجوع أبي سليم سالماً بعد عملية التسلل التي قام بها الى قريته ، وطنه ، لكن زوجته أم سليم بقيت في حالة خوف وقلق والنار تشب في قلبها وروحها المشتتة ، بذلت كل ما في وسعها لتقصي ومتابعة أخبار القرية ، لعل هناك إشارة أو كلمة تدل على وجود زوجها ، كانت تصغي لأحاديث الناس في القرية ، لعل خبر استشهاد زوجها ينتشر ، خاصة أن أجهزة الأمن الإسرائيلية كانت عندما تقتل المتسللين تُبلغ مختار القرية ويطلبون منه الدفن بسرعة وفي منتصف الليل . أصبحت غاية أم سليم التأكد من سلامة زوجها ، طلبت من أبنها سليم سماع أخبار المتسللين لعل أحدهم يحمل أخباراً ، ثم توجهت الى امام المسجد كي تستفسر منه عن هذا الأمر ، وعندما رآها قادمة عدّل من عمامته ووضع يده على طرف ذقنه الطويلة بشكل غريزي وأخذ يُسبح بمسبحته وقد ظن بأنها جاءت لطلب المساعدة المادية ، لأنه كان دائماً يستجير بالمصلين لتقديم المساعدة للمحتاجين ، سارع بالاعتراف أنه مقصر معها ومع أطفالها ، لكن أم سليم ردت عليه بخجل : - لا يا سيدي الشيخ والله مستورة معانا ، لكن جاي أسألك اذا سمعت عن مقتل متسللين في المنطقة . استغرب سؤالها وقال : - استغفر الله يا بنتي .. فال الله ولا فالك ، ليش هو أبو سليم كان متسلل عندكم ؟؟؟ . والله ما سمعت شي يا عمي !! لقد شعرت ام سليم بنوع من الاطمئنان وعادت الى بيتها ، وقد تسللت الى صدرها ريحاً دافئة أنعشت روحها وطردت حزنها . بعد مرور شهرين بدأت تظهر عليها علامات الحمل ، اعتبرت هذا الحمل لعنة وفضيحة أمام أهلها وجيرانها وسكان القرية ، ماذا ستقول لهم ؟ عتبت على أبي سليم الذي تركها في مهب رياح الفضيحة والعار ، وأخذت تتساءل هل سيتذكر زوجها ما قام به ؟ أم سينكر ويتهمها بالزنا ؟ . لقد وجدت نفسها بين نارين ، نار الفضيحة ، هل سيصدق والدها وأخوتها وسكان قريتها أنها حامل من زوجها ؟؟ ونار الخوف من الحاكم العسكري حيث نار السجن لأنها تسترت على متسلل ، ولأن حملها سيكون الشاهد عليها . كيف ستخرج من هذا المأزق ، أخذت تبحث عن خيار ثالث بعيداً عن السجن والفضيحة هو التخلص من الجنين بكل الطرق ، لكن أي محاولة اجهاض قد تودي بحياتها ، عندها سيصبح أطفالها الخمسة مشردين لن يقبلهم أحد حيث الفقر يعض بأنيابه جميع الناس . عاشت الليالي وهي تفكر ، وقد وصلت الى قرار أن السجن أفضل من الفضيحة وذل العار الذي سيلبس عائلتها ويكلل رأسها بأشواك القال والقيل . أبلغت والدها وأخوتها بالحقيقة ، قامت بتفريغ لياليها السوداء وحيرتها ودموعها في جعبة والدها الذي تفهم وضع أبنته ولم يقم بلومها مثلما لامها شقيقها الأصغر ، بل صرخ والده بوجهه محذراً من لوم اخته ، قام بمعانقتها وهدأ من روعها . كيف علم الحاكم العسكري بأمر الحمل ، بقدر ما كان التكتم على الموضوع الا أن بطنها بدأ يكبر ، وهي تعرف المثل الشعبي لا يمكن إخفاء ( الحب والحبل والركب على الجمل ) لذلك كان الاستدعاء الى مكتب الحاكم امراً متوقعاً . عندما طلب منها الحاكم العسكري توضيح أمر الحمل ترددت ، خافت من السجن ، عرف الحاكم ماذا يدور في نفسها ، قال لها أنت زانية ؟؟ أجابت أنا حبلت من زوجي ..! ضحك قال يعني كان متسلل ..!! لازم انت تنحبسي توخذي جزائك .. حتى يتعلموا المتسللين انو عيالهم رهائن عنا . تدخل المختار وبعض الوجهاء لدى الحاكم العسكري لمنع سجن أم سليم ، واعتبروا سجنها عاراً على المجتمع العربي ، وهي لم تذنب فقد تسلل زوجها دون علمها . أنجبت أم سليم طفلة وقد علم زوجها بولادة طفلته ، أرسل لها المال عبر أحد المتسللين ، وبعد سنتين حملت ام سليم مرة أخرى ، وقد قصت أم سليم قصتها التي أصبحت من نوادر القرية ، أنها هي تسللت وذهبت الى زوجها في بلدته وراء الحدود ، فقد كان التسلل هذه المرة عكسياً ، مكثت عنده خمسة أيام ورجعت ، حيث كان والدها وأخوتها يعرفون بذهابها ، لقد أصبح حملها عادياً ، لم يعد الحاكم العسكري يسألها ، وقصتها أصبحت نكتة في البلدة . بعد عدة سنوات توسط الوجهاء للم شمل الاسرة ، وفعلاً نجحوا بذلك ورجع أبا سليم الى قريته التي استقبلته استقبال الأبطال ، فهو لم يخرج من البلدة ، كان أولاده يولدون الواحد تلو الآخر . عندما التقيت به كان عجوزاً لكن يملك روح الدعابة ، وكانت أم سليم دائماً الى جانبه يجلسان أمام بيتهم ، حتى أصبحا معلماً من معالم التحدي للحكم العسكري والتصميم على أن لا شيء يوقف الحياة . وعندما سألته كم من الأولاد أنجبت من وراء الحدود أجاب أربعة .. !! أجاب بخفة دمه المعهودة ، لو بقيت هناك أكثر كان خلفت عشرة .. يعني بدو يمنعوا نسلي .. مستحيل !!!
#تميم_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايران كوبا الشرق الأوسط
-
غزة في انتظار حرب الكهرباء
-
عار الهزيمة لن يدوم
-
لا مصر بدون مواطنيها الاقباط ، ولا أقباط بدون مصر
-
من البيعة الصغرى الى البيعة الكبرى
-
قراءة في صفحة من صفحات الانقسام الفلسطيني الفلسطيني
-
طوابير العرب العائدة لبيت الطاعة الامريكي
-
أسرى الحرية بين النصر والشهادة
-
تهليل القرعة التي تتباهى بشعر اردوغان
-
وهل يضر النيل يوماً اذا بال التكفيريون فيه - أنه لا ينجس
-
مرة أخرى - أيمن عودة في الميزان
-
تبرئة مبارك المسمار الأخير في نعش الثورة المصرية
-
البادي أظلم
-
الخطوة الأولى في طريق العودة وحدة الصف
-
هنا دمشق من القاهرة
-
الوجه امريكا والعجيزة اسرائيل
-
ريفلين وقفزة القط الشرير
-
بلدية البيض في القدس
-
بالأمية والغيبيات تُحكم الشعوب والبلدان
-
وحدها الشعوب العربية قادرة على الزام امريكا بالتغيير
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|