|
ذكريات كربلائية
كفاح حسن
الحوار المتمدن-العدد: 5581 - 2017 / 7 / 15 - 23:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ينحدر الشهيد عبد علي الهر من عائلة كربلائية عريقة عرفت بحبها للأدب و الثقافة و مساهماتها في الحركة الوطنية. و الشهيد عبد علي انخرط في ستينيات القرن الماضي في صفوف اليسار متقلبا ما بين اليسار الشيوعي و اليسار القوماني.. حيث بدأ القوميين في وقتها باستعارة شعارات الشيوعيين و إعادة صياغتها بطابع قومي..فبعد مجزرة شباط ٦٣ و فشل الوحدة المصرية السورية، تعرض الفكر القومي التقليدي إلى محنة شديدة. أدت بالقوميين الى الاقتراب من الشعارات و الفكر اليساري و الذي كان يحتكره في وقتها الحزب الشيوعي. و كربلاء في الستينيات شاهدت و عاصرت من خلال عوائلها المعروفة و ادبائها و مثقفيها.. انتعاش كلا الحركة اليسارية و الحركة القومية.. و شاهدت لحظات الخصام و التقارب ما بين هاتين الحركتين.. و من أبناء المدينة من كان حائرا ما بين هاتين الحركتين.. و منهم شهيدنا عبد علي الهر. و كان للبعثيين نشاط و تواجد كبير في المدينة خلال حكم العارفين ( سلام و رحمان ). و هذا ليس بغريب. فأول خلية لحزب البعث في العراق، تأسست في كربلاء بمبادرة من ابن المدينة العائد من الدراسة الجامعية في بيروت.. سعدون لولاح.. و الذي كان زميل دراسة و جيران مع علم من أعلام الشيوعيين في كربلاء ( عبد الرزاق الصافي) . و انتمى لهذه الخلية بعض من أبناء العائلات الوجيهة في المدينة. حيث كان لهم دافعان .. الاول هو إثبات عروبة كربلاء و الثاني مواجهة تصاعد المد اليساري في المدينة و الذي استقطب عدد متزايد من أبناء العوائل المعروفة في المدينة.. و الجدير بالذكر أن معظم أعضاء هذه الخلية المؤسسة فقدوا حياتهم و املاكهم كضحية من ضحايا الحكم البعثي الدموي. و ما ان عاد البعثيين للسلطة في صيف ١٩٦٨ حتى سارع العديد من مؤيدي التيار القومي اليساري إلى الالتحاق بالبعث بالقوة أو المروة.. حيث انتشرت في المدينة تسمية بعثي يساري و بعثي يميني.. و قامت السلطة البعثية بملاحقة البعثيين من التيار الآخر و كذلك القوميين..و إجبارهم على دخول جناح الحزب الحاكم .. و اتذكر ان أحدهم من بيت ال ثابت اعتقلوه و دفنوه قرب بحيرة الرزازة و تركوا فقط رأسه خارج التراب. و لم يخرجوه من حفرته الا بعد ان تنازل لهم و نفذ طلباتهم.. أتذكره جيدا بعد خروجه من الاعتقال كيف كانت الدموع تنهمر من عينيه و هو جالس بجانب والدي و هو يتذكر التعذيب.. و يقول ان الذي حطم معنوياته هو وجود ابن عمه و رفيق صباه ضمن زبانية التعذيب.. و لم يتحمل المرحوم ذلك. و ترك كربلاء و مات وحيدا في الغربة. و كذلك تعرض الشيوعيين في كربلاء لاشرس حملة قمع ضدهم . كتب عنها بتفصيل الفقيد حكمت الفرحان أحد قادة منظمة الحزب في كربلاء. في وقتها احتاجت السلطة الحاكمة إلى تواجد و دور بين المعممين في المدينة .. لمواجهة المدارس الدينية في المدينة و التي امتازت بجديتها و تناولها لأمور جريئة و عدائها للبعث. و هنا لبى الشهيد الهر ندائها و ترك البدلة المدنية و لبس الجبة و العمامة. تاركا حياة اللهو و مجالسها. فما كان من صديقه و شاعر كربلاء الساخر هادي الشربتي الا و يكتب قصيدة في هجاء الشيخ الجديد عبد علي الهر.. قصيدة هجائية في حق نديمه يقول مطلعها.. برز هر المطابخ لابس عمامة ترك درب الفساد و اشهر اسلامه ان الشهيد عبد علي الهر هو ابن المدينة .. ابن واحدة من عوائلها العريقة.. كما أنه تربى على الأفكار الوطنية اليسارية..فلم تنسيه العمامة و الجبة ذلك.. و لم يرتضخ للقتلة البعثيين .. و انا اتذكر مجلسه في متجر المرحوم والدي و هو يتحدث بحرية و حسرة في نقد البعث و حكمهم.. و يتصف الشهيد بروح النكتة و السخرية.. ففي أحد المرات ذكر معلقا في مجلس بين اصدقائه.. - لو ادري هيج العمامة تجيب فلوس .. للبستها من زمان. و شرح ذلك بروحه المرحة. انه يجمع فلوس من الفلاحين الزائرين لضريحي الحسين و العباس في اسبوع ما يعادل راتبه الشهري كمعلم. لم يرتضي الشهيد عبد علي الهر الخنوع للطغمة الحاكمة.. و اتخذ موقفه إلى جانب أبناء المدينة و مثقفيها.. و هو يتذكر ماضيه الناصع و سمعة عائلته.. و استشهد ببطولة و شجاعة في مواجهة البعث و طغمته البوليسية. لقد كنت انتظر من شاعرنا و صديقه هادي الشربتي كتابة قصيدة في نعيه مثلما كتب قصيدة في هجائه. المجد لك يا ابن كربلاء الشهيد عبد علي الهر.
#كفاح_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الاستفتاء في الاقليم
-
الارهاب يوجه ضربته الغادرة إلى ستوكهولم
-
للخيانة طعم مر
-
مام صالح..نموذج للنقاوة و الوفاء
-
احمد الهاشمي..و ذكريات الزمن الغابر..
-
حاجي جمال..نموذج نادر للإنسان الطيب
-
في ذكرى وضاح
-
ما بعد تحرير الموصل
-
في ذكرى بطلة كربلاء
-
المعركة المصيرية في الحانة الشامية
-
لماذا أحرقت الكرادة
-
من ذاكرة الأيام .. حاجي بختيار
-
وجوه لاتنسى
-
ليلة ليست كبقية الليالي..
-
اعتداء مرفوض على شروق العبايجي
-
شكر..و توضيح
-
تأريخ نضالي حافل..لابد له أن يستمر
-
الشهيد شالاو..ذكريات برائحة الدم و الأرض
-
و الله عيب!
-
كفكفي دموعك يا تكريت
المزيد.....
-
-لن تفلتوا منا أنتم ميتون-.. عائلة تتعرض لهجوم -مرعب- من قبل
...
-
هذه الجزيرة البكر تسمح بدخول 400 سائح فقط في الزيارة الواحدة
...
-
اقتلعته الرياح من مكانه.. سيدة تتفاجأ بقذف عاصفة عاتية لسقف
...
-
تحديات تطبيع العلاقات المحتمل بين تركيا وسوريا.. محللان يعلق
...
-
رئيس الأركان الروسي يتفقد مقر قيادة إحدى مجموعات القوات في م
...
-
روسيا.. تعدد الأقطاب أساس أمن العالم
-
أنا ميشرفنيش إني أقدمك-.. بلوغر مصرية تهين طالبة في حفل تخرج
...
-
-نسخة طبق الأصل عن ترامب-.. من هو دي فانس الذي اختاره المرشح
...
-
مقتل 57 أفغانيا وإصابة المئات جلّهم من الفيضانات والأمطار ال
...
-
الحكومة المصرية تنفي شائعة أثارت جدلا كبيرا بالبلاد
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|