|
ثورة 14 تموز .. والمتحدة .. والمصير التاريخي
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5581 - 2017 / 7 / 15 - 15:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل نحو خمسين عاماً ، وقع في الشرق حدثان هامان ، في عام واحد . وهما لو سلكا المسار القومي الصحيح ، لغيرا المصير العربي . وكنا نحن العرب الآن ، على غير ما نحن علبه ، من فرقة ، وعداء ، وتخلف ، وحروب . الحدث الأول وقع في 22 شباط 1958 في مصر ، فقد أعلن ، بعد استفتاء شعبي في كل من مصر وسوريا في وقت واحد ، قيام الوحدة بين سوريا ومصر ، سميت " الجمهورية العربية المتحدة " برئاسة القائد العربي الكبير الراحل " جمال عبدالناصر " ، التي كسرت الحصار الاستعماري على سوريا ، وفتحت دروب إعادة دور العرب التاريخي ، وزعزعت السطوة الاستعمارية والصهيونية في الشرق، ووفرت المناخ السياسي المساعد ، للحدث الثاني العظيم ، وهو ثورة 14 تموز 1958 في العراق ، بقيادة الزعيم الشهيد الراحل عبد الكريم قاسم ، التي أسقطت المركز الأول ،لحلف بغداد الاستعماري ، المؤلف من " العراق ، وتركيا ، وإيران الشاه ، وباكستان ، وفرنسا ، وبريطانيا " ومشاركة أمريكية ، وإسرائيلية غير مباشرة " . . والمركز الهام للرجعية العربية في المشرق العربي ، ومركز السياسة العدوانية الاستعمارية ، ضد حركات التحرر والنهوض القومي العربي ، وبخاصة سوريا ومصر ، وضد بلدان المعسكر الاشتراكي المجاورة لأكثر من بلد في الحلف .
وقد جاء انتصار ثورة 14 تموز في العراق ، ، المتمثل بإسقاط النظام الملكي الرجعي العميل ، وإسقاط حلف بغداد الاستعماري ، انتصاراً للجمهورية العربية المتحدة الفتية ، التي كان من المعتمد عليها ، قيادة النهوض القومي العربي والشرق أوسطي . وقد حظيت الجمهورية العراقية الجديدة ، بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم ، بدعم أخوي حماسي لا نظير له من قبل المتحدة وحكومتها " كما حظيت بالتفاف شعبي واسع ، من الشعب العراق وقواه التقدمية والسارية ، وفي مقدمها " الحزب الشيوعي العراقي ، كما حظيت بتعاطف جماهيري في البلدان العربية ، التي رأت في ثورة 14 تموز ، ونهضة العراق انفتاح أفق تحرري نهضوي عربي راسخ جديد .
كما جاء انتصار ثورة 14 تموز في العراق ، انتصاراً للمبادئ والرؤى الوحدوية العربية التحررية ، التي دعمتها ، وبدأت بتجسيدها عملياً على الأرض الجمهورية العربية المتحدة . ما بدا وكأن ثورة 14 تموز العراقية ، هي إنجاز متكامل مع الجمهورية المتحدة . وبدا أنه يجب أن يجسد هذا التكامل الموضوعي ، ضمن إطار يجمع البلدين ، لمتابعة مسار تحرر الشعوب العربية ، من الاحتلالات الاستعمارية في شمال أفريقيا والمشرق العربية بما فيها فلسطين ، واستعادة وحدتها ونهوضها .
والتقى المسؤولون في القاهرة وبغداد ودمشق مرات عدة . أكدوا فيها على الأخوة العربية ، والتعاون ضد المؤامرات الاستعمارية . والعمل على التكامل على مختلف المستويات والمسائل التي تهم معيشة ومستقبل البلدين . وقد لعبت هذه اللقاءات دوراً تفاؤلياً ، بإمكانية السير إلى ما هو أبعد من التضامن والتكامل في البلدين القوميين الطموحين . وصار العراق والمتحدة معاً في الضمير الشعبي العربي ، والحلم العربي دولة واحدة ، تقاوم الاستعمار ، والتخلف ، والصهيونية ، دولة تبني وطناً عربياً تقدمياً مجيداً جديدا .. وصار هذا الحلم مطلباً شعبياً كاسحاً
بيدأن التباينات السياسية الجزئية ، والافتراق في مسألة الأيدلوجيا المتعلقة بأولوية التحرر الاجتماعي الطبقي ، أو تحرر الأمة القومي ، في لحظة احتدام الصراع الراهنة مع القوى الاستعمارية . وفي مسألة لمن الزعامة في تلك اللحظة في الكيان الموحد المأمول إن حدث ، بين التيارين الفاعلين في الشارع السياسي ، ولديحما مفاتيح اللقاء والتباعد . وهما .. التيار القومي بشقيه البعثي والناصري من جهة .. وبين التيار الشيوعي من جهة أخرى . ثم بين عبد الناصر والبعث ، ومن أسف أن هذه التباينات ، لم تنته على اتفاق دستوري ديمقراطي ، وإنما تصاعد ت على صراع عنيف دموي أفشل الحلم الشعبي بوحدة البلدين . وذهب العراق إلى العرقنة وآفاق الأقلوية المذهبية . وذبحت الجمهورية العربية المتحدة بسكاكين الرجعية الانفصالية .
إن عدم تلاقي عراق 14 تموز مع المتحدة ، في مسار تضامني وحودي يؤدي إلى اجتماعهما في دولة قومية ديمقراطية واحدة ، قد زعزع مقومات النهضة العربية التي كانت قد قاربت النضوج ، بل وأدى إلى تدمير ما بدأت به الوحدة السورية المصرية ، وإلى انتشار التشرذم والتمزق العربي بدل الوحدة . وتوسعت طروحات غير عقلانية ، وغير حضارية ، وهي المطالبة بحقوق الأقليات ببناء دويلاتها ، فيما القومية العربية الأكبر ، تحرم عليها السارات القومية الوحدوية .
إن ثورة 14 تموز المجيدة ، جاءت مع وجود المتحدة ، بفرصة تاريخية عظيمة ، لبناء دولة قومية عربية تحررية ديمقراطية -ن منفتحة على قوى التقدم العالمية . وتستطيع مقاومة القوى الاستعمارية ، واستعادة فلسطين ، وكل الأراضي العربية المحتلة ، مثل لواء اسكندرون وغيره . ومن أسف أن المسؤولين في العراق والمتحدة ، لم يسلكوا هذا المسار ، ما أدى ، منذ ذاك الزمن ، إلى الفوضى الهدامة في الأقطار العربية منفردة ومجتمعة ،بما فيها " جامعة الدول العربية " لصاحبتها بريطانيا العظمى وحلف الأطلسي .
لقد ولى زمن حدث 14 تموز ، ودخل ، مأساوياً ، ذاكرة التاريخ وذاكرة السياسيين المعمرين . وانفصمت المتحدة . وما تبقى منهما ، هو الدرس والعبرة ، من مأساة ما حصل من صراعات بينهما ، دفعنا وندفع نحن حتى الآن ثمنها ، كوارث ودماء ، ودمار ، ومذلات ، وحروب ، لا تحصى . وآخرها ، وهي الأكثر دماء ، ودماراً وأحقاداً ، هي حروب الإرهاب العربي الدولي ، وحروب وعداوات الأشقاء . التي قد نحتاج عقوداً طويلة وأجيالاً عدة ، لنستطيع إعادة بناء ما دمر ، واستبيح ، وما فقدناه ، من أرض ، وقيم مادية وروحية ، وبشر ، وكرامة .
ورغم المسار القومي المؤلم لثورة 14 تموز ، والمتحدة ، إلا أنه ينبغي يوجه الاحترام والتقدير ، لثوار وثورة 14 تموز ، ولصانعي دولة الجمهورية العربية المتحدة ، وإحياء ما هو أثير وإيجابي ، مبشر في مسارهما التاريخي ، وأن تعتبر انتصارات العراق وسوريا ضد الإرهاب العربي والدولي ، التي تتحقق الآن ، وستكلل من كل بد ، بالانتصارات الحاسمة في الظروف الراهنة ، أن تعتبر فرصة تاريخية جديدة ، لإعادة الاعتبار للمشروع القومي العربي التحرري الديمقراطي ، برؤى مبدئية علمية ، للعلاقة الجدلية الإنسانية التحررية ، بين التحرر الطبقي والتحرر القومي ، برؤية لا تسمح بتكرار عدم نجاح اللقاء والتوحيد القومي ، كما حدث بين العراق والمتحدة قبل خمسين عاماً .
إن الشعوب العربية ، وخاصة في سوريا والعراق ، تتطلع إلى علاقات تحالفية متميزة متصاعدة بين البلدين ، حمالة أبعاد تسرع بوحدة الجيشين .. والشعبين .. والقيادتين .. للحفاظ على البلدين من مخاطر ودمار الحرب القائمة .. والحروب القادمة . ولإحياء الحلم القومي العربي التحرري الديمقراطي من أجل تعزيز قوى الحاضر وبناء المستقبل .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة ووحدة اليسار مطلب وطني وطبقي
-
خيار المقاومة وحتمية الانتصار
-
عالم بلا قانون دولي
-
في مواجهة غزو التحالف الدولي الأمريكي
-
الرقة العظيمة .. صامدة .. تقاوم .. وستنتصر
-
50 عاماً على حرب حزيران ثانية
-
خمسون عاماً على حرب حزيران
-
الشعب لن ينتظر طويلا
-
الرأسمالية ستزول .. والاشتراكية عائدة
-
من أجلك تشرق الشس
-
أخي السوري اصنع نصرك
-
موت عابر خلف قضبان الجحيم
-
أول أيار عام سابع حرب
-
كلنا فلسطين .. كل فلسطين
-
مقدمات وتداعيات استفتاء أردوغان الانقلابي
-
عيد الجلاء .. عيد المقاومة والتحرير
-
عن غير يسار
-
سوريا قادرة على دحر الإرهاب الأميركي
-
الفرات حين يغضب إلى الرقة المحتلة
-
لمواجهة الاعتداءات الامبريالية الجديدة
المزيد.....
-
وسط اللا مكان.. كوخ عمره 200 عام يحصل على نجمة ميشلان بأيرلن
...
-
-نساء البحر- والشلال المقدس.. بين أسرار اليابان المذهلة!
-
دول عربية ترفض -تهجير- الفلسطينيين من أرضهم وتؤكد على ضرورة
...
-
ضم السعودية والإمارات.. اجتماع سداسي وزاري عربي في القاهرة ي
...
-
شاهد لحظة وصول فلسطينيين مفرج عنهم من سجون إسرائيل إلى غزة و
...
-
-ما الذي يمكن لإسرائيل وحماس تعلّمه من اتفاقيات وقف الحرب ال
...
-
عدد طلبات اللجوء يتراجع بنسبة 45% في فنلندا والسلطات توقف در
...
-
لبنان.. مقتل مونسنيور الأرمن أنانيا كوجانيان بظروف غامضة
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف في كورسك
-
فتح معبر رفح لأول مرة منذ مايو وعبور50 مريضا غالبيتهم أطفال
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|