أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قحط/ قصة














المزيد.....

قحط/ قصة


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 5581 - 2017 / 7 / 14 - 14:49
المحور: الادب والفن
    


تتسلى المرأة بمجلّة مصوّرة، يرنو إليها بين الحين والآخر، تلاحظ المرأة ذلك، تقلّب صفحات مجلتها كأنما هي لا تعبأ بنظراته، غير أنها تسمع كل كلمة تدور بينه وبين سائق السيارة.
منذ خمس سنوات لم يسافر خارج البلاد، ففي ذلك اليوم البعيد من أيام إحدى سنوات القحط أعادوه من المطار، لم يسأل عن السبب، غير أنهم طلبوا منه أن يراجعهم في الأمر، فأوضحوا له السبب، فلم يشأ أن يناقشهم فيه، واستعاض عن السفر إلى الخارج بالغوص في أعماق البلاد في تلك الأيام المقيتة من سنوات القحط: زار كل المدن وكل القرى، تعرّف على حياة الناس في الحقول والمراعي والمصانع والورش، رأى النساء وهن يحلبن ضروع الماعز الضامرة في الأمسيات الغامضة أمام بيوت القش والطين والتنك الصدىء، راقب أطفال الفلاحين الحفاة وهم يكبرون مع الجوع وغبار الطرقات التي تفوح منها روائح مياه عكرة، تدلقها من فوق السطوح أو من الشبابيك فتيات خجولات لهن خدود مثل تفاح فج، تزوج فتاة منهن بعد أن راقبها شهوراً وهي تطلّ على الطريق من خلف نافذة عتيقة، ثم لم تلبث أن ماتت بعد أن أعياها مرض غامض، فقرر بعد خمس سنوات من التطواف الداخلي، وتجرع المرارات والأحزان أن يغادر البلاد في رحلة طويلة إلى الخارج، لعله ينسى أحزانه التي أجّجتها في خاطره سنوات القحط القاسية الشرسة.
حين أنهى مواله الطويل، ران صمت على ركاب السيارة. السائق يجفف العرق عن جبينه، والسيارة تمعن في التوجه نحو نقطة الحدود، والسهول المترامية على جانبي الشارع تجثم في استكانة تحت لفح الشمس. أغلقت المرأة مجلتها، حركتها أمام وجهها عدة مرات، فلم تشعر إلا بتيار من الهواء الساخن، أرخت المجلة فوق ساقيها، ورنت بعيداً عبر السهول. مدّ يده نحو المرأة، استأذنها أن تعيره المجلة، ابتسمت وهي تقدمها له، ابتسم وثبّت عينيه في عينيها لحظات، تصفح المجلة على عجل وهو يفكر بكلمات مناسبة يبدأ بها الحديث معها.
فوجىء بالسائق يطلب من الركاب أن يهيئوا جوازات السفر، ارتبك، وتمنى في أعماقه أن تمرّ الرحلة على خير، تأمل خديها المتوردين، قال وهو يعيد المجلة إليها:
- بعد نقطة الحدود، سيكون لدينا وقت للحديث.
رمقته بنظرة خاطفة وقالت بلهجة توحي بالحياد:
- هل أنت متأكد من ذلك؟
أدرك من سؤالها أنها وعت كل كلمة قالها للسائق أثناء الرحلة، تأملها في مودة ثم هبط إلى مكاتب الحدود، أما هي فقد أخذ السائق جواز سفرها وطلب منها البقاء في السيارة توفيراً عليها واحتراماً لها.
حدّقت في أصناف الخلق من حولها، فلم تطق البقاء في السيارة وسط ضجيج الشاحنات وزعيق السائقين ونداءات الباعة، غادرت السيارة وتمشّت في الظل، والعرق الكثيف يبقع تحت إبطيها، قالت لنفسها: لو أنني أخرت سفري إلى المساء لتجنبت كل هذا الحر، ثم تذكرت الرجل الذي لم يسافر منذ خمس سنوات، فاستشعرت شيئاً من الراحة الخفية وهي تستعيد نظراته المليئة بالتوقعات.
عادت إلى السيارة حينما رأت السائق يعود ومن خلفه بقية الركاب ما عدا ذلك الرجل، همّت أن تسأل السائق عنه، غير أنها لم تشأ أن تبدي تسرعاً ملحوظاَ، أدار السائق محرك السيارة، فهمت المرأة كل شيء، انطلقت السيارة مسرعة، تلفتت المرأة إلى الخلف، رأته يغادر نقطة الحدود عائداً إلى الداخل، لفّها أسى غامر، ظلّ السائق صامتاً طوال الطريق. نزّ عرق لزج بلل صدر المرأة وفخذيها، ثم فكرت في اكتئاب:
ليتني لم أٍسافر هذا اليوم على الإطلاق.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطٌّ شريد/ قصة
- ضياء شاحب/ قصة
- لا مكان للقطة/ قصة
- مارتا التي تشبه العصفورة/ قصة
- خوف متبادل/ قصة
- في الغابة ومعنا الطفل/ قصة
- عادات أسرية/ قصة
- رحيل متكرر/ قصة
- امرأة من بلادي/ قصة
- تحت الشمس/ قصة
- قلب الأم/ قصة قصيرة جدًّا
- استقبال/ قصة قصيرة جدًّا
- كنبة قديمة/ قصة قصيرة جدًّا
- سوق اللحامين/ قصة قصيرة جدًّا
- فراق/ قصة قصيرة جدًّا
- عناق/ قصة قصيرة جدا
- حلم/ قصة قصيرة جدًّا
- سائل فاتر/ قصة قصيرة جدًّا
- اشتباه/ قصة قصيرة جدًّا
- هي المدينة/ قصة قصيرة جدًّا


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قحط/ قصة