يوسف ابو الفوز
الحوار المتمدن-العدد: 1452 - 2006 / 2 / 5 - 10:08
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
مساء الاحد 29/1/2006 ، وسط ترقب وتوتر شديد من الناخبين ، تم اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الفنلندية لتسجل فوز رئيسة الجمهورية تاريا هالونين (61 سنة) ، مرشحة قوى اليسار ، بفترة رئاسية ثانية وذلك بتغلبها على منافسها ساولي نينستو (57 سنة ) مرشح قوى اليمين ، بحصولها على نسبة (51,8 %) ، بينما حصل منافسها على (48,2 % ) ، وسجل اقبال المصوتين نسبة( 77,2 % ) وهي نسبة اقل من الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت عام 2000 وفازت فيها السيدة هالونين لاول مرة ، حيث كانت النسبة (80,2 %) . والسيدة تاريا هالونين ، عضوة الحزب الديمقراطي الاجتماعي ، حاملة شهادة في القانون ، تولت العديد من المناصب الحزبية والنقابية ، قبل ان تتولى عدة حقائب وزارية منها وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية (1987 ـ 1990)، ثم الخارجية الفنلندية (1995 ـ 2000 ) ولتصل الى رئاسة الجمهورية ربيع عام 2000 كأول امراة في فنلندا تتولى هذا الموقع ، وبفوزها الحالي تكون رئيس الجمهورية الثاني عشرلفنلندا وكان سبقها الى الموقع عشرة رجال ، ولحظة فوزها وصفت المعركة الانتخابية الحالية بأنها كانت صعبة وشديدة ، وكانت في المرة الاولىاسهل بكثير كونها كانت اول امراة تنافس على رئاسة الجمهورية .
وباعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الفنلندية ، تكون فنلندا ، البلد الصغير( خمس ملايين نسمة) ، المرمي عند حافة القطب (مساحته 338 الف كم مربع ) ، قد اجتاز اسخن ايامه السياسية ، رغم موسم البرد والصقيع الذي اجتاز اجزاء من اوربا ، حيث بلغت درجات الحرارة في العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، في بعض الايام 23 درجة تحت الصفر. في الدورة الانتخابية الاولى للانتخابات الرئاسية الحالية دخل المعركة التنافسية تسعة مرشحين ، يمثلون اتجاهات سياسية مختلفة ، بينهم امراتين ، فالى جانب تاريا هالونين ، اششتركت في المعركة الانتخابية الرئاسية ، مرشحة عن حزب الخضر السيدة هيدي ناوتالا (50 سنة). كان المتابع والمواطن العادي يتوقع طبيعة النتائج الاولية للمرحلة الاولى ، فبعض المرشحين للرئاسة لم يشتركوا الا لدوافع دعائية لاحزابهم ونشاطها التالي مستفيدين من قوانين الحملة الانتخابية الرسمية ، التي تمنح حقوقا متساوية لكل المرشحين في التمتع بالامتيازات الدعائية الانتخابية ، وكان واضحا ان النسية العالية من الاصوات ستذهب الى مرشحين اساسين ، وهم هنا ، وحسب وصف المراقبين السياسين ، الثلاثة الكبار والمشكلين لاهم التيارات السياسية . في نتائج الدورة الانتخابية الاولى حصلت رئيسة الجمهورية تاريا هالونين ، مرشحة تحالف حزبها الديمقراطي الاجتماعي مع حزب اتحاد اليسار، على نسبة (46,3 % ) من الاصوات ، بينما حصل ساولي نينستو مرشح حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين محافظ) على نسبة (24,1%) ، بينما حصل رئيس الوزراء الفنلندي ماتي فانهانين (50 سنة ) من حزب الوسط نسبة (18,6%). اثر ذلك تحددت اسماء المشتركين في انتخابات الدور الثاني ، لتكون المعركة الحاسمة بين تاريا هالونين ، وساولي نينستو . ومثلما كان متوقعا تحول الصراع بين المرشحين الى صراع حام بين تيارين سياسين ، بين اليسار واليمين ، حيث اصطف حزب الوسط ، الذي يقود الحكومة الحالية ، بثقله السياسي مع العديد من الاحزاب اليمينية الصغيرة الى جانب حزب اليمين المحافظ ليخوضوا معركتهم الانتخابية ضد تاريا هالونين ، التي تحولت الى مرشحة لكل قوى اليسار الفنلندي . منذ بدء الحملة الانتخابية الحالية تركزت الخلافات بين برامج المرشحين حول نقطتين اساسيتين ، تحددت في الموقف من موضوع انضمام فنلندا الى حلف الناتو ، والحفاظ على قوانين الضمان الاجتماعي وتطوير تجربة دولة الرفاه. موضوع الانضمام الى حلف الناتو اعتبر النقطة السياسية الساخنة ، التي حضيت باهتمام الشارع الفنلندي ، باعتبارها قضية تؤثر وترسم تاريخ البلاد المستقبلي . مرشحة اليسار تاريا هالونين ، والتي يعتبرها المراقبين تتخذ مواقفا تعتبر على يسار حزبها ، واصلت بقوة مواقفها الداعية الى استمرار فنلندا باتباع سياسات مستقلة خارج المحاور في المحافل الدولية ، وفاءا لتاريخ فنلندا كدولة مستقلة داعية الى السلام ، وان موضوع الانضمام الى حلف الناتو لم يحن اوانه بعد وهو قضية يجب ان تحدد باستفتاء شعبي في حينه . مرشحي قوى اليمين ، وخصوصا ساولي نينستو ، الذي صار المنافس الاساس ، راح وبجراة شديدة يطرح موضوع ضرورة وجود ظهر قوي يحمي فنلندا في حال تعرضها الى اعتداء خارجي ، وهو اشارة مباشرة الى روسيا ، التي يعترف اغلب السياسين والمراقبين ، بوجود مصالح مشتركة عديدة بينها وبين فنلندا ، رغم كل الخلافات الاقتصادية والسياسية والتاريخ المعتم في الكثير من سنينه بين البلدين ، ولكن قوى اليسار لم تكن تؤمن بكون الخلافات مع روسيا يمكن ان تصل يوما الى درجة خطر التهديد العسكري من قبل الجار الاكبر. وبالارتباط مع خلافات روسيا مع جيرانها ، مثل خلافها مع اوكرانيا حول قضايا الطاقة ، والضغوطات الروسية التي تستخدم في هذا الجانب لتحقيق اهداف سياسية ، وبحكم كون فنلندا تشتري ثلثي حاجتها من الكهرباء وكل الغاز من روسيا ، فان قوى اليمين حاولت استثمار ذلك في دعايتها الانتخابية لغرض التلويح بالورقة الروسية لتكون حافزا لتحقيق انتصار انتخابي يضمن لها العمل لتحقيق انضمام فنلندا الى حلف الناتو في المستقبل . الحملة الانتخابية ابرزت قوى اليمين ، كقوة متماسكة ومنظمة وقادرة على المناورة والتنسيق ، وذات امكانيات دعائية للتأثير على الناخب ، من خلال الوعود بتوفير فرص عمل ومحاربة البطالة ، ومراجعة النظام الضريبي لصالح ذوي الدخل المحدود ، فبرز القلق بين صفوف اليسار من احتمالات فوز مرشح اليمين ، وصار الامر يتجاوز فوزا رئاسيا عند الكثير من القوى . الامر الذي دعى الحزب الشيوعي الفنلندي ، لان يترك جانبا خلافاته مع سياسة الحزب الديمقراطي الاجتماعي ، لتتصدر صحيفته الاسبوعية وبخط كبير دعوة للمواطن الفنلندي لاستخدام حقه في التصويت ، والتصويت ضد الناتو ، وهي دعوة للتصويت الى جانب تاريا هالونين دون ايراد اسمها ، واكد ذلك بتصريح لسكرتير الحزب حملته صحيفة الحزب . السيد اوريو هاكنين ، سكرتير الحزب الشيوعي الفنلندي ، في لقاء معه قال لنا:
ـ الامر عندنا يتعلق بانعكاسات الفوز على الانتخابات البرلمانية القريبة القادمة ، فلو فاز مرشح اليمين في الانتخابات الرئاسية ، سيكون عاملا مؤثرا وحافزا لفوز الوسط او اليمين وبالتالي مجئ حكومة يمنية محافظة ستكون رافعا مناسبا للانتكاس في التجربة السياسية الفنلندية والتهياة للدخول في عضوية حلف الناتو ، ولذا شددنا في حملتنا الدعائية على تشجيع المترددين للمشاركة في التصويت ولاستخدام حقهم في التصويت .
اليسار الفنلندي من خلال متابعتنا لنشاطاته وجد المعركة الانتخابية الرئاسية معركة مصيرية ، فأصطف بكل احزابه ومنظمات المجتمع المدني ، خلف المرشحة تاريا هالونين ، لقطع الطريق على برامج اليمين التي يرون فيها تهديد جاد لمستقبل فنلندا . حزب الخضر من جانبه ، وهو الذي حققت مرشحته الى الانتخابات الرئاسية في الدورة الاولى نتائج متواضعه جدا ( 3,5 %) ، انضم بحماس الى الجبهة الداعية لانتخاب تاريا هالونين . في دردشة مع السيدة انا بيرهنين ، من كوادر حزب الخضر ، ذكرت لنا بانها تجد المعركة الانتخابية ليس بين مرشح رجل ومرشح امراة كما تروج بعض دعايات احزاب اليمين ، ولكن بين برامج سياسية سترسم مستقبل البلاد . طالب الدكتوراه في علم الاجتماع في جامعة هلسنكي ، والعضو القيادي في منظمة السلام الفنلندية ، السيد هنري اونديرا ، قال لنا بأن اوساط الشباب ومنظماتهم بشكل عام تؤيد مرشحة اليسار لانها ذات مواقف حازمة من حلف الناتو والسياسة الخارجية الامريكية ، وهوبهذا يذكرنا بخطاب رئيسة الجمهورية تاريا هالونين في الاجتماع الاخير للجمعية العامة للامم المتحدة ، حيث ادانة الاحتلال الامريكي لعراق واعتبرته عملا مخالفا للشرعية الدولية مما اثار سخط صحافة الاحزاب اليمينية في فنلندا . في زيارة لمرشحة الرئاسة السيدة تاريا هالونين ، الى ضواحي العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، قبل يومين من اعلان نتائج الانتخابات ، كان لنا معها لقاءا سريعا دردشنا فيه حول حملتها الانتخابية وسألناها عن برنامجها في ما يخص العراق لو فازت في الانتخابات ، فقالت بانها ستواصل سياستها بدعم عملية السلام في العراق ومنطقة الشرق الاوسط ولن تتراجع عن مواقفها في ادانة الحرب والاحتلال والارهاب ، وتعمل من اجل استكمال السيادة للعراقيين على بلدهم ودعم العملية السياسية الجارية في العراق .
#يوسف_ابو_الفوز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟