|
القصيدة المتوحشة - الفصلان 11, 12 في رواية
ريتا عودة
الحوار المتمدن-العدد: 5576 - 2017 / 7 / 9 - 14:51
المحور:
الادب والفن
-11- هكذا فتحت لي الحياة ابوابها على مصراعيها. منذ لقائي الأخير بالغريب.. لم يظهر لي إلاَ مرّة واحدة في حُلم المنام. قالَ لي: " تعالوا إليّ أيّها المُتعبون والثقيلي الأحمال . أنا اريحكم." ثمّ, اختفى ولم يعُد ولم أعُد أبحث عنه هنا وهناك في عُمقِ الذاكرة. * رفضتُ العودة الى منزل أبي وأخي. لم يتمكنا من كسر قراري. انتهى زمنهم في حياتي. بدأ زمني أنا. بدأ زمن تحقيق الذات.
* عثرتُ على ذاتي في الجامعة حيث تألقت كوردة بين الأشواك في كورسات الأدب المُقارن. أجمعَ المحاضرون على كوني أمتلك موهبة أدبيّة عبقريّة. عشقتُ الجلوس في ركن يطلّ على البحر في مكتبة الجامعة. عشقتُ التهام الكتب. دأت اكتب وأكتب وأرسل كتاباتي للصحف. بدأ اسمي يصعد كالقطار الذاهب صعودا بين أشجار جبل شاهق. قررتُ الاّ أجرّ الماضي صخرة خلف ظهري وأنا اصعد جبل الحياة. سأعيشُ اللحظة. سأظلّ أتلهف لأحيا وأكتب القصيدة التي لم تأتِ بَعد. كنتُ ارى العُشّاق اثنين اثنين فوق سفح جبل الكرمل. كنتُ أتمنى أن أعثر على توأم روحي أنا لكنني أهرع لاخماد هذه الجمرة. لن اجعل الرَجُلَ بؤرة حياتي. لن أدورَ حول نار رَجُل. لن أحترق. سأظلّ أنا في بؤرة الأحداث. سأدورُ فط حولَ جمرات القصيدة. سأكون أنا النار. لن أكون ورقة عابرة. سأكونُ أنا الشّجرة.
* * * مرّ فصل الخريف.. ثمّ الشّتاء... وانا أذهب للجامعة ممتلئة فرحا وأعود لمنزلي ممتلئة فرحا. أتى الرّبيع. ذهبتُ للدكان في الحيّ القريب لأشتري باقة بنفسج فأنا أعشق الورد كما أعشق الطيور. مع أنني أشتري العصفور لأطلقه فورا في الفضاء الرحب. وأكره ان أرى الورد مهزوما داخل مزهرية. احبّذ أن أراه يتمايل مع النّسيم في البساتين. * * ذات عيد حُبّ.. اشتريتُ لنفسي قفصا فيه طائرا حُبّ. هكذا تعوّدت الا أنتظر الحنان من رجل. أنا ادلّلُ نفسي. أنا اشتري الهدايا لنفسي. أنا اعشقُني عشقا صادقا..نقيّا. بعد أيامٍ من مراقبة العصفوران..فتحتُ لهما بابَ القفص. لم يغادرا كما توّقعت. يقال أنّ العبيد إذا حررتهم يعودون لأسيادهم فقد اعتادوا على العبوديّة. مرّت السّاعات وانا أنتظر أن يغادرا. خيّبا ظنّي. قررتُ أن أمدّ لهما يد العَوْن. مددتُ يدي داخل القفص وقبضتث على الطائر. زقزق بألم. أطلقته حُرّا. رفرف مكانه . ثمَّ.. انطلق شرقا. مددتُ يدي داخل القفص ثانية وقبضتُ على العصفورة. أخذت تئنُ. اطلقتُ جناحيها. رفرفتْ مكانها قليلا ...ثمّ.. انطلقتْ غربا. أُجفِلتَ . كيف سيلتقيان وكلّ ذهبَ في اتجاه! ظلّت العصفورة حتّى أولى ساعات المساء تُغرّد بصوت حزين..عالي النغمة. رأيتها على شجرة السنديانة غرب منزلي. ورأيته على شجرة التّوت شرق بيتي. يبدو أنّ واحدهما قد عثر على الآخر تلكَ الليلة ولربما رحلا بعيدا عن منزلي فقد انقطع تغريدهما.
-12- مددّتُ يدي لأنتشلَ بعضَ زهراتِ بنفسجٍ من مائِها, فإذا بيدٍ صلبة تناوشني .. تناورُني .. وتسبقني إليها. وإذا بالجدران تصطبغُ باللونِ البنفسجيّ .. والفراشاتُ والغيوم.. وإذا بالكونِ يستحيلُ سيمفونية أسطوريّةٍ خالدة.. وإذا بي أدركُ مفهومَ كون المرأة حين تعشقُ يصيرُ لونُ دمِّها بنفسجيــّا.ً - أنتِ الوردة سيدتي. ما حاجتك للبنفسج! جاء صوته كالترتيلةِ ساعة الغسق.ابتسمتُ. -هي لكَ صَمَتُّ. امتحنتُ بريقَ عينيهِ. حضنَ زهرةِ البنفسج داخل كفـِّهِ. على مهلٍ ... راحتْ أنامله الرّشيقة تحوّطها بخيطٍ أبيض امتدَّ كحبلِ السُّرَة بينــــَ - - - نــَا. اكتسَى وجهُهُ بالدّهشة وهو يقدِّمُ لي باقة البنفسج الشهيَّة وفمهُ يقذفُ أولى حِمَمَ البُركان العاطفي الذي انتفضَ من ركودهِ: - بل هيَ لَكِ. صمتَ. امتحنَ بريقَ عينيَّ. بوقار,... ألقَى قنبلتَهُ العاطفيّة: - و(لــَنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ) نحنُ .... الذكرى. .. . وقعتْ جملته المقتضبة في بئر الهذيان. إتــّسَعَتِ دوائرُ التيهِ من حولي. ... .. . هكذا.. وبمنتهى البساطة صارَ( لنا ) ذاكرة ذات قاسمٌ مشتركٌ إلاّ وهو: البنفسج..! ... .. . تناولتُ الباقة من يدهِ وقبــْـلَ أن أفلحَ في إخماد جمرةِ العشق اقتحمَ صوتٌ أجشٌّ رحمَ المكان بكلمة واحدة تكررتْ برتابة ثمَّ شُحِنــَتْ ببعض العصبيّة: - خالد.. خاااااااااااااااااااااااااااالد.. خااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااالـــــــــد. بحلقتُ حولي. جحظتْ عينايَ. لمْ أعثر لهُ على أثر. تسمرتُ كالمسمار فوقَ أرض الحيرة. علقَ السؤالُ في حلقي كالصَّــبّار: تراهُ كانَ وهما من ابداعِ هذياني الخـَلاّقِ وأنا الأديبة الملسوعة بالنّار المقدّسة أم كانَ حقيقةً من إبداع القدَر..؟ تراه كما الغريب.. قفز من قمقم خيالي حين كنتُ بحاجة لجرعة مساندة عاطفيّة! حتّى الحوارات بيني وبين الغريب كانت من صنع خيالي. كنت أخترعها لأخفف عنّي عبء الأيام وتعب الحرمان من إنسان يفهم لغتي. ارتفع صوت الشاعر الأنيق هشام الجخ من مذياع سيارة عَبَرَت دكان الورد.
(الحُبّ حالة الحبَ جواكِ استحالة. الحبّ مش سحر وغواية. الحُبّ جواكِ استحالة)
وتداخل مع صوت المطرب المتفرّد مصطفى كامل:
(ساعات أفتكرك.. أبكي. واندم على العمر اللي ضاع )
... .. . كما النمل.. ظلَّ السؤالُ ذاتــُهُ يدُبُّ فوقَ بشرة الأيام القاحلة. راحَ يؤرقني. ومع كلّ إغـْمَاضَة جفن... راحَ حلمُ اللقاء يُورقُ في بادية الإنتظار.
#ريتا_عودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القصيدة المتوحشة - الفصل العاشر من رواية
-
القصيدة المتوحشة - الفصل التاسع في رواية
-
القصيدة المتوحشة - الفصل الثامن في رواية
-
القصيدة المتوحشة - الفصل السّابع في رواية
-
القصيدة المتوحشة - الفصل السادس في رواية
-
القصيدة المتوحشة - الفصل الخامس في رواية
-
القصيدة المتوحشة - الفصل الرابع في رواية
-
القصيدة المتوحشة - الفصل الثالث في رواية
-
القصيدة المتوحشة - الفصل الثاني من رواية
-
القصيدة المتوحشة-الفصل الأول من رواية
-
قصيدة الهايكو haiku
-
تبًّا لنا
-
وَمَضَاتٌ مُفَخَخَّة
-
خولة سالم وعنفوان الأنثى الثائرة على الجرح
-
أن أصيرٙ فٙرٙاشٙة
-
كم مرّةً أخبرتُكَ
-
قراءة انطباعيّة في رواية -زمن وضحة-
-
شرنقة ُ الحُبِّ ... ومضات
-
في انتظاره-قصة قصيرة
-
سيمفونية العودة- المشهد الأخير
المزيد.....
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
-
إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|