|
الاقتصاد السياسي في زمن الربيع العربي في أعمال البروفسور عزيز بلال
أحمد زوبدي
الحوار المتمدن-العدد: 5570 - 2017 / 7 / 3 - 21:10
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
الاقتصاد السياسي في زمن الربيع العربي في أعمال البروفسور عزيز بلال
بقلم : د. أحمد زوبدي ، باحث في الاقتصاد السياسي من المغرب
لم يكن عزيز بلال خبيرا اقتصاديا وأكاديميا كما يدعي البعض بل كان مفكرا اجتماعيا أمميا ملتزما ومثقفا عضويا بمفهوم غرامشي. لقد ناضل عزيز بلال فكرا وممارسة على جميع الواجهات إلى أن سقط شهيدا في ساحة الشرف - على إثر حريق ملغوم بفندق هيلتون بعاصمة الإمبريالية، مدينة شيكاغو. وأغتنم هذه الفرصة بمناسبة حلول الذكرى ال 32 ( 23 ماي) لرحيله لأقول إن أفضل طريقة لتكريم الفقيد عزيز بلال هو أن نبقى أوفياء لأفكاره وللمشروع المجتمعي الذي كرس حياته له ومات من أجله. إن العُدة النظرية ومنظومة المفاهيم التي تعج بها أعمال عزيز بلال تسمح بالتعرف على واقع البلدان التي تطمح اليوم إلى التغيير .ذلك أن الجهد النظري الذي انكب هذا المثقف العضوي على بذله بحزم وتبصر وشجاعة، يُساعد على فهم الوضع الاجتماعي الحالي في بلدان الجنوب حيث ثارت الشعوب مطالبة بالكرامة والتوزيع العادل للثروة، أي بالديمقراطية في جميع تجلياتها. ولتحقيق ذلك، أسس عزيز بلال منظومة اقتصادية على نهج ماركس (إعادة الإنتاج الموسعة) وليس على نهج كينز كما تزعم بعض القراءات المشوهة، وذلك من خلال تحليل مفصل للاستثمار في المغرب. وعلى غرار منظري التخلف و الامبريالية، خاصة سمير أمين، اندري غوندر فرانك ، بول باران وبول سويزي ، رأى عزيز بلال أن الاقتصاد المغربي مرتبط بالاقتصاد الفرنسي عبر القناة النقدية (حيث العملة المهيمنة هي الفرنك الفرنسي آنذاك) وعبر الاستثمارات ذات الامتياز، حيث ظل المغرب دولة تابعة. لقد استمرت هذه التبعية بلا حدود إلى الآن على الرغم من الاستقلال السياسي وأدت به إلى التخلف . واليوم، قادت السياسات الليبرالية الجديدة التي يروج لها التيار المهيمن إلى المأزق : لقد أدى تفكيك الخدمات العمومية من طرف مجموعات دولية احتكارية القلة إلى تسليع رهيب للمجتمع (مجتمع السوق بتعبير بولاني). باختصار، فإن شعوب الجنوب تحكمها نخب أوليغارشية - كما يقول بلال - تحتكر كل الثروة الوطنية، وهذا يؤدي حتما إلى انتفاضات شعبية تطالب بتوزيع عادل للمنتوج الاجتماعي لأجل ضمان الكرامة الإنسانية. و قد شكلت الجماهير في فكر عزيز بلال الأداة الأولى لتحقيق هذه الأهداف . يؤكد الفقيد بلال على أن التوزيع العادل للثروة يستدعي زحزحة البنيات الاجتماعية لبلدان الجنوب وزحزحة الأنظمة القائمة التي تدعمها الإمبريالية الجماعية للتحالف الأطلسي. تغيير الوضع الراهن يستلزم تبني خيارات سياسية تؤسس للخيارات الاقتصادية. يعتقد البروفسور بلال بوجود تداخل بين العوامل الاقتصادية والعوامل غير الاقتصادية في عملية التراكم، وهذا التداخل الجدلي هو الذي يوجِّه الدينامية الاجتماعية من خلال نضال القوى والحركات الاجتماعية وليس الثورة الرقمية كما اقترحه البعض. وعلى هذا النحو يؤكد عزيز بلال على أن كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي تبرز هيمنة عوامل معينة على حساب العوامل الأخرى. صحيح أن الاقتصاد يظل العامل الحاسم (في نهاية المطاف) في النضال الاجتماعي نظرا لتضارب المصالح، لكن المراحل المتعاقبة للدينامية الاجتماعية تعكس هيمنة العامل السياسي أو العامل الاجتماعي أو حتى العامل الثقافي حسب الظروف . على سبيل المثال، عندما استخدم التونسيين كلمة "DEGAGE ! " أو "ارحل" فهم يعبرون عن المطالبة بالكرامة. لذلك فالعامل الاجتماعي هو المحرك في هذا الباب، ولكن يكمن وراءه العامل الحاسم الذي يعكس المصالح الاقتصادية (نهب ثروات البلاد من طرف عائلة بن علي ومجموعة المافيا المرتبطة بها). إن الانتفاضات الشعبية للربيع العربي، والتي تعبر عن تفاقم الأزمات المتعددة الأبعاد، تهدف إلى إضفاء الطابع المؤسساتي على العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة والمساواة في توزيع الثروة. يتمحور تصور الراحل عزيز بلال لمفهومي التنمية والتقدم الاجتماعي في صلب هذه الدينامية الاجتماعية. ولأجل القضاء على التخلف يرى هذا المفكر الكبير أن مجتمعات دول الجنوب تواجه أربعة أنواع من المشاكل التي لا يمكن اختزالها في التنمية : التحرر الوطني والثورة الاجتماعية والتنمية والحضارة. والخلاصة أن هذه العناصر تشكل قاعدة للمشروع المجتمعي الذي ظل الأستاذ عزيز بلال يناضل من أجله، وهي نفسها التي توجد في صلب أجندة ربيع الشعوب الطامح للتحرر من الثقافة الرأسمالية أي التحرر من تحكُّم منطق التسليع الذي يسيطر على كافة مجالات المجتمع.
من المؤسف في حالة حركة 20 فبراير أن بعض الأحزاب الظلامية والرجعية وبعض القوى السياسية التي تدّعي انتماءها لليسار، قامت بالركوب على مشروع هذه الحركة التاريخية - التي تحمل الكثير من الأمل - لكي تقوم بعد ذلك بعرقلة مسيرتها. وهكذا تجد هذه الحركة نفسها الآن في درجة الصفر من الاحتجاج على الاستبداد. ولذلك فهي مدعوة اليوم وأكثر من أي وقت مضى، للانطلاق مرة أخرى مثلما حدث في البلدان السباقة في الربيع العربي. والواقع أن نشطاء هذه الحركة مستعدون للنضال ضد النخب الحاكمة وضد الأحزاب التي أغرقت الحياة السياسية في الشعوذة وفي العبث، أي سياسة الفرجة كما يسميها مارسيل غوشيه. إن حركة 20 فبراير تحمل مشروعا سياسيا (على الأقل على المستوى الرمزي بمفهوم بورديو إذا لم يكن موجودا على المستوى التنظيمي والعملي) ومجتمعيا قادرا على إنهاك الكائنات السياسية المفلِسة التي تلوِّث الحقل السياسي المغربي، وبالتالي فإنها تشكِّل بديلا لتعبئة الشارع لأجل مكافحة الاستبداد الذي يهيمن على بلادنا . فانتفاضات الشعوب تترجم الضرورة التاريخية لبناء الدولة الوطنية الذي يقتضي بناء اقتصاد وطني ممركز على الذات. يتحدث هنا عزيز بلال عن التنمية الذاتية أو المستقلة، وهو ما يعني تعبئة العوامل الخارجية لخدمة التنمية الوطنية بدلاً من كون هذه العوامل تخدم مصالح الدول الغربية. إن التحكم في العوامل الخارجية يسمح لبلدان الجنوب فرض أجندتها في المفاوضات التي يهيمن عليها الثالوث بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو ما يمهد الطريق لبناء عالم متعدد الأطراف. من ناحية أخرى، تسمح هذه الشروط بإنشاء سوق داخلية تفي باحتياجات الاقتصاد الوطني لبلدان الجنوب ولا تكون في خدمة بلدان الشمال التي تسعى لفرض عولمة نيوليبرالية . في الختام، نقول إن الربيع العربي قد كشف القناع عن الصورة الحقيقية للرأسمالية القائمة بالفعل والتي أدت إلى عسكرة الاقتصاد وكشف أيضا عن استراتيجية التحالف الأطلسي الذي يعتمد على سياسة الكيل بمكيالين. إن الوظيفة التاريخية لهذه المنظومة قد انتهت، مما يستوجب تجاوزها كما يتضح من الأزمات المتلاحقة التي تعبر عن انهيارها وشيخوختها .لقد أعلنت الثورات الحالية من ناحية أخرى عن خريف الرأسمالية وانتصار أممية الشعوب، وبالتالي تجاوز المنظومة الحالية والتطلع إلى أخرى أكثر ديمقراطية وأكثر عدالة، وهو التوجه الاشتراكي الذي مافتئ عزيز بلال أن دافع عنه بشجاعة فكرية و سياسية قل نظيرها والذي ينطلق من بناء الدولة الوطنية الشعبية. سيتطلب هذا التوجه فترة انتقالية طويلة لأجل بناء نظام اجتماعي ما بعد رأسمالي والذي سيتشكل تدريجيا من رحم الرأسمالية المتهالكة كما يؤكد على ذلك البروفسور عزيز بلال.
#أحمد_زوبدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في شروط إعادة بناء اليسار.. ملاحظات أولية
-
- البريكسيت - .. هل هي الدرجة الصفرللإتحاد الأوروبي ؟
-
ثقافة الرأسمالية ومستقبل الاشتراكية .. عناصر أولية
-
- البريكسيت- .. هل هي الدرجة الصفر للاتحاد الأوروبي ؟
-
عزيز بلال .. مناضل في الحياة وشهيد في الموت
-
لغة الأرقام
-
هل بلور الربيع العربي شروط بناء الدولة الوطنية المستقلة بدول
...
-
عزيز بلال وبعض أنصار التغيير
-
أي انكماش اقتصادي يعرفه المغرب ؟
-
- السكتة القلبية - للاقتصاد المغربي في قاموس المركز المغربي
...
-
بؤس الاقتصاد المغربي وبؤس الاقتصاديين المغاربة
-
على هامش جائزة نوبل للاقتصاد 2014 : قوة الأسواق في ضبط الاقت
...
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|