أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - فاطمة بوزيان - المكان من افتراضات الابداع الورقي الى افتراضات الابداع الرقمي















المزيد.....

المكان من افتراضات الابداع الورقي الى افتراضات الابداع الرقمي


فاطمة بوزيان

الحوار المتمدن-العدد: 1451 - 2006 / 2 / 4 - 10:19
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


من الاسئلة التي تثيرها الرقمية والابداع الرقمي هو المكان وماهيته ،هل يمكن أن نتحدث عن وجود المكان في العالم الرقمي ؟أم أن الرقمية تدشن لعهد اللا مكان أو تآكل المكان على حد تعبير مايك كرانغ في كتابه الجغرافيا الثقافية، وهل سيستتبع ذلك الحديث عن اللا مكان في الابداع الرقمي؟
من أهم الاجناس الابداعية التي يكتتسي فيها المكان أهمية خاصة نجد جنس الرواية، وقد حظيت دراسة المكان في المتن الروائي بدراسات خاصة انصبت حول مقارنة المكان بين الرواية التقليدية والرواية الجديدة ،ويستعمل دعبد الملك مرتاض في كتابه" في نظرية الرواية "تعبير الحيز على اعتبار انه الانسب لترجمةالمقابل الاجنبي spas، Espase رغم أن المصطلح الشائع في النقد العربي المعاصر هو المكان ، ومن الأمور التي اثارها عبد المالك مرتاض هو ان المكان ليس الجغرافيا، ولو أراد أن يكونها، انه مظهر من مظاهر الجغرافيا، لكنه اكبر من الجغرافيا مساحة ،وأشسع بعدا ،فهو امتداد ،وهو غوص في البحار، وهو انطلاق نحو المجهول، وهو عوالم لاحدود لها، بينما الجغرافيا بحكم طبيعتها المتمخضة لوصف المكان الموجود ، لا المكان المفقود، ولا المكان المنشود والذي يحلم الانسان برؤيته خارج اطارالارض ،لاتستطيع استكشافه ولا الوصول اليه.
من هذا التميز بين المكان الأدبي والمكان الجغرافي، نستطيع القول إن المكان في الرواية التقليدية كان افتراضا واقعيا، حيث كان كتاب الرواية في القرن التاسع عشر يقدمون بين يدي القارىء المعلومات المفيدة أو المهمة حول المكان المركزي الذي سيضطرب فيه فعل الرواية أو حدثها ،وكلما تنقلت الشخصية الى مكان ثانوي ،قدمت معلومات جديدة عن ذلك المكان الجديد، ويمكن التمثيل لذلك بكتابات بلزاك ، وقد قيل إن بلزاك كان يزور بعض الشوارع ،أو يجمع معلومات كثيرة عن مكان واحد قبل أن يكتب، وهذا التعامل مع المكان نجده أيضا لدى نجيب محفوظ في أعمال كثيرة مثل زقاق المدق وخان الخليلي، ورغم هذا التصوير الواقعي الذي يجعل المتلقي يشك في انه حيز حقيقي لأحداث الرواية، فهو لايعدو أن يكون افتراضا، مهما تشابهت التفاصيل او تطابقت ،والدليل على افتراضيته هوأن المكان في الرواية يظل كما هو، ،ثابتا الى الابد ،في حين ما يمكن اعتباره صنوا له في الواقع يتغير بل ويفنى، فالشوارع التي في روايات بلزاك ونجيب محقوظ غيرموجودة اليوم بذلك الشكل الموصوف بها في تلك الروايات ،ولعل هذا ماجعل الروايات الحديثة لاتكلف نفسها عناء الايهام بواقعية المكان من خلال افتراض أماكن وتعويمها في الأسطورة ،والأفتراض وادعاء ما لايجوز لها عقلا من الصفات، و هذا ما جعل البعض يتحدث عن اللا مكان في الراوية الحديثة، وقد استعمل بعض الكتاب أمثال جوليا كريستفيا رؤية الحيز vision de l’ espace بحيث يتحول المكان الى رؤية فنية ونظرة فلسفية مجردة، ويرد عبد المالك ان ذلك يعتبرا مكانا ولايجب ان يطلق عليه لاحيز أولا فضاء ،حتى وان كانت مساحة غير معينة وخرافية مثل جبل قاف لدى رجال التصوف وأماكن ألف ليلة وليلة العجائيية.
ان اهم مايخلص اليه عبد المالك مرتاض، هو ان السرد من دون حيز لايمكن ان يكون ولو اراد،انما الحيز في الرواية التقليديةيشابه أصناءه من الاحياز المعمارية والجغرافية، اذ الكاتب كان يجاهد نفسه كي يجعل افتراضه الفني يطابق الافتراض الواقعي الجغرافي ،في حين ان الروائيين الجدد اغتدوا يزعجون الحيز لأنهم يفترضونه من البداية، فان شاؤوا ان يكون ضخما ضخموه ،وان شاؤوا ان يكون ممتدا مددوه، ان الحيز الادبي عالم دون حدود ،وبحر دون ساحل ، وليل دون صباح ..انه امتداد مستمر مفتوح على جميع الإتجهات وفي كل الافاق.

بالنسبة للرقمية بصفة عامة ،يرى البعض انها تمثل نهاية الجغرافيا ،وان انهيار المسافة جعل المكان غير ذا موضوع، وهكذا يقول الروائي محمد سناجلة لقد أوجدت ثورة المعلومات التي كان بل جيتس رائدها زمناً جديداً ومختلفاً وموازياً للزمن المعلوم ،وتم إعطاء هذا الزمن اسم الزمن السوبراني. وفي هذا الزمن تلتغي المسافة، فإذا كانت السرعة تساوي حاصل قسمة المسافة على الزمن كما في قانون نيوتن الثاني، فقد أصبحت السرعة عند رموز هذه الثورة تساوي الزمن فقط، حيث إنّ المسافة أصبحت نهاية تقترب من الصفر ، فإذا ما التغت المسافة فإن هذا يعني بدوره إلغاء الجغرافيا. لقد ألغت الثورة المعلوماتية الجغرافيا = المكان = المسافة. هذا واحد.
أما الثاني فإنّ إلغاء الجغرافيا يعني بالضرورة انتفاء الواقع، لأن الواقع أحداث تحدث ضمن الجغرافيا، وحيث إنّ لا جغرافيا فلا واقع.
أمّا الثالث فإنّ الزمن الآخر يعني بالضرورة وجود واقع آخر ذي أحداث تحدث في جغرافيا أخرى، ولقد أعطت الثّورة هذا الواقع الآخر اسم الواقع الافتراضي Virtual reality ، وفي هذا الواقع هناك أحداث تحدث وجغرافيا وزمان، لكن هل هذا سيعيدنا إلى الخيال الذي تحدث عنه آينشتاين؟؟ الإجابة نعم ولا.
فما يحدث هو خيال بالتأكيد، ولكنه خيال واقعي، مادي ملموس ومحسوس – خيال معرفي- فأنا حين أجلس ست أو سبع ساعات متصفحاً شبكة الإنترنت مثلاً، فإنني أعيش في عالم آخر وواقع آخر، متخيل من جهة، ولكنه حقيقي ومحسوس من جهةٍ أخرى. و لأنّ الخيال الذي تحدث عنه آينشتاين هو خيال لا محدود يسبق المعرفة، بينما الخيال الذي أوجدته الثورة الرقمية هو خيال معرفي لا محدود وواقعي تماماً. لأول مرة في التاريخ البشري تسبق المعرفة الخيال .
فإذا كانت السرعة تساوي حاصل قسمة المسافة المقطوعة على الزمن حسب قوانين نيوتن، فإنّ هذا يعني أنّ الزمن نفسه ثابت، وأنّ المتغير هو المسافة وبما أنّ العصر الرقمي قد ألغى المسافة= المكان= الجغرافيا فهذا يعني أنّ السرعة في النهاية ستساوي الزمن، وبما أنّ الرّواية أحداث تحدث في زمان ضمن مكان،فهذا يعني أنّ الرّواية تساوي السرعة. ورياضياً: إذا كانت الرواية تساوي حاصل قسمة الزمان على المكان:
أي أن الرواية (ر)= الزمان/المكان= ز/ك
وحيث إنّ الزمن الافتراضي( ز ) ثابت يساوي واحد وما تبقى ظلاله، أي أنّ ز = 1
وبما أنّ المكان الافتراضي ك هو نهاية تقترب من الصفر. المكان( ك) حيث ك: نها --- 0
(المالانهاية) فإن الرواية ك = ز/ك=1/0
وهذا بالضبط ما تسعـى رواية الواقعية الرقمية للوصول إليه .. إلى المستحيل اللا متناهي … إلى التوحد بالخيال المعرفي المطلق.
ورواية الواقعية الرقمية هي الرّواية القادمة، ولن تتوقف الرّواية عندها، لكن ما سيميز هذه الرّواية عن غيرها هو قدرتها الدائمة على اتخاذ أشكال مختلفة باستخدام الصيغ المختلفة للتقنيات الرقمية التي هي في تطور مستمر(1)
وفي قراءته لرواية رجاء عبد الله الصانع "بنات الرياض" يقول د أسد محمد المحور الأساسي في الرواية هو اللامكان (شاشة الكمبيوتر) التي كانت البطل في النص، وتم إلغاء المكان المألوف في النص الروائي لصالح المكان الافتراضي الذي بدأ يتسلل إلى حياة الناس وبشكل لافت، وأصبح جزءاً من حياتهم، متجاوزاً تلك الأمكنة بكل أنماطها القديمة (المصنع، الحقل، البحر، المدرسة، الجامعة..) لصالح أماكن مختصرة أو تتراوح مع شاشة الكمبيوتر التي بدأت تحرك عوالم في غاية الخطورة خاصة لدى الجيل الجديد الذي بدأ يتقدم وتتهدم أمامه أسوار المكان والزمان دون أن يخطط لذلك،
بينما يرى مايك كرانغ في كتابه الجغرافيا الثقافية أن التأويل الاكثر دقة هو أن الفضاء يبرز فعلا في الشبكة الرقمية بطرق حاسمة اولا عندما نفكر في الشبكة نفسها يلجأ التعقيب الى المقولات الفضائية والصور البلاغية اذن هناك روايات عن الحدود الالكترونية وعالم الشبكات المعلوماتية وهكذا ذواليك، وما يصفه المعلقون والمستعملون ليس فضاءا تقليديا ذا ابعاد ثلاثة ،وانما هو شكل جديد من الفضاء نحتاج الى تطوير خرائط جديدة له،ثانيا فالتفاعلات الممكنة مع عوالم العمل والموطن هي جغرافية بشكل عميق، ثالثا ان التشظي الفضائي في الحياة الحقيقية يحدث جماعة افتراضية ،وهذا تأويل لما قد يصطلح عليه مدينة الشبكات المعلوماتية،و يمكن اعتباره فضاء التدفقات وهو مقابل الاماكن ،لانها تحدث وسائط وعلاقات تحتوي جغرافيتها المميزة على معان ضمنية، رابعا فالتحكم من طرف الدولة في التدفقات خاصة في قضايا الاباحية أو السياسية يدل ان التدفقات الرقمية توجد بشكل ما في أماكن(2).
اذا عدنا الى رواية" شات" للروائي محمد سناجلة الموصوفة بالرواية الواقعية الرقمية ،وهي منشورة على الشبكة في شكل ملفات رقمية مترابطة نجد السارد يقول في استهلال الملف الاول الموسوم بالعدم الرملي " ..في هذا المكان المنسي ..في هذا اللا مكان ..وسط صحراء ورمال وجبال جرداء وبحر ميت، هذا اللا مكان الذي لايمكن أن نسميه مكانا ..في هذا اللا مكان عشت كل الامكنة " فماهي تمظهرات المكان وافتراضاته في الرواية تفسها؟
يتخذ المكان في رواية "شات" افتراضات جغرافية من خلال : الصحراء حيث يعمل السارد، أو المدينة الصغيرة حيث يلج الى مقهى الانترنيت، أوالبيت، أوغرفة النوم ،أومكان العمل، كما يتخذ افتراضات رقمية من خلال ياهوماسنجر ثم من خلال شات مكتوب دوت كوم، وغرفةالدردشة التي انشأها السارد/ غرفة مملكة العشاق وطن الحب والحرية، ويحضر المكان ايضا كمعطى جمالي يطابق الاافتراض الجغرافي المفترض من خلال صور تتخلل الملفات : صورة صحراء تفتتح الرواية ،صورة منازل صغيرة، صورة بحر، صورة سماء.. ويلاحظ ان الروائي يستعمل أسماء رقمية لعوالم افتراضية موجودة فعلا على الشبكة: ياهو ماسنجر ومكتوب دوت كوم ،وهذا يشبه ما كان يقوم به الروائي الورقي التقليدي، فهل يحاول الايهام بواقعية /واقعيةالرقمية كما كان الروائي التقليدي يحاول الايهام بواقعية المكان من خلال ذكر اسماء اماكن موجودة على الجغرافيا ؟ وهل سيتجه الروائي الرقمي القادم الى اسطرة وتوتير المكان الرقمي تجاه افتراضات رقمية لاواقعية كما فعل الروائي الورقي الحديث؟
ان المكان في الرواية يمكنه ان يتخذ عدة افتراضات ،ولكنه بنية اساسية من بنيات الرواية ،و هو في الاساس افتراض فني ،وهو بمعنى الحيز اللا محدود والمنشود والمفقود الذي اشار اليه عبد المالك مرتاض ينسحب على الحيز في الرواية الرقمية كما في الرواية الورقية ، ان ما نتوهمه مكانا جغرافيا في اي عمل سردي ليس سوى افتراضات فنية ،ومانتوهمه محض افتراض رقمي هو في العمق تجل لمكان مضمر.
(1) نظرية رواية الواقعية الرقمية، محمد سناجلة
(2) الجغرافيا الثقافية، مايك كرانغ، ترجمة سعيد منتاق



#فاطمة_بوزيان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بريد الكتروني
- réseauالصعود الى
- rabatليالي االأنس في
- التنوع الثقافي وخطرالاستنساخ
- لماذا نفشل في علاقات الحب؟


المزيد.....




- بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
- بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
- -وسط حصار خانق-.. مدير مستشفى -كمال عدوان- يطلق نداء استغاثة ...
- رسائل روسية.. أوروبا في مرمى صاروخ - أوريشنيك-
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 80 صاورخا على المناطق الشم ...
- مروحية تنقذ رجلا عالقا على حافة جرف في سان فرانسيسكو
- أردوغان: أزمة أوكرانيا كشفت أهمية الطاقة
- تظاهرة مليونية بصنعاء دعما لغزة ولبنان
- -بينها اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية -..-حزب ال ...
- بريطانيا.. تحذير من دخول مواجهة مع روسيا


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - فاطمة بوزيان - المكان من افتراضات الابداع الورقي الى افتراضات الابداع الرقمي