|
الله في فكرعمر الخيام: المقدمة
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 5564 - 2017 / 6 / 27 - 17:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفصل الاول: عمر الخيام- حياته وفلسفته
مقدمة:
ثمة اشكالية فكرية خاطئة – للأسف اذ لا يُذكر عمر الخيام إلا وتتبادر إلى ذهن القارئ صورة ذلك الفيلسوف الشاعر الماجن السِّكِّير الذي لا يُفارق الكأس كفَّه، ولا تفتر شفتاه عن التغني بالحبيبة التي لا تفارق خياله، وهي الخمرة. ونعتقد أن تلك الخمرة ما هي الا الذات الالهية، وهذا هو ديدن المتصوفة واهل المعرفة. ذكر بعض الباحثين إنَّ المتأمل في سيرة عمر الخيام يجده مدينًا بشهرته العالمية إلى رباعياته ذائعة الصيت، والتي تُرجمت إلى كثير مِن لغات العالم، وجعلته أشهر شعراء الفارسية قاطبة، حتى إنَّها تُرجمت إلى اللغة العربية وحدها أكثر مِن ثلاثين مرَّة. الامر الذي ادى الى بعضهم باتهامه بالمجون والزندقة والإلحاد والاستهتار بالأحكام الإسلامية، والقول بأنَّه جبري وباطني ولاأدري وتشاؤمي وتناسخي، وما هذا الا سوء فهم وضيق افق. إن أكثر ما اشتهر به الخيام هو (الرباعيات)، وأهم من قام بترجمتها من الفارسية إلى العربية الشاعر أحمد رامي. ويشار الى أن عام في (1941) قدمت هوليود فيلما روائيا طويلا بعنوان (عمر الخيام)، ولكن هذا الفيلم لم يستطع ان يرسم صورة حقيقية واضحة المعالم للخيام، إلا أنه استلهم المرحلة التاريخية التي عاشها، فقيل انه فيلم مزدحم بالمغامرات والسيوف والرمال وشيء من الحب، واعتمد السيناريو على مصادر تاريخية شرقية وغربية عن حياة الخيام واحداث المرحلة التي عاشها. وقد اخطأ بعضم وهو يصف هذه الرباعيات بقوله: تتراوح رباعياته بين الإيمان والإلحاد وبين الدعوة للمجون والدعوة للهو وبين طلب العفو من الله عزّ وجلّ وإعلان التوبة.
من هو الخيام؟:
هو غياث الدين أبو الفتوح عمر بن إبراهيم الخيام المعروف بـ عمر الخيام ولد في نيسابور عام1040وعلى الارجح أنه توفي عام 1131م. والخيّام هو لقب والده، حيث كان يعمل في صنع الخيام . وكان من أهم قادة الطائفة الاسماعيلية النزارية. أثناء صباه درس مع صديقين حميمين، وتعاهد ثلاثتهم على أن يساعد من يؤاتيه الحظ الآخرين، وهذا ما كان، وفق الروايات، فقد وصل إلى الوزارة نظام الملك (الطوسي) فخصّ عمر بن الخيَّام عندها بمائتين وألف مثقال يتقاضاها من بيت المال كل عام، وهكذا صار لعمر بن الخيام الوقت الكافي للتفكير بأمور وأسرار الحياة، بعد أن توفّرت له أسباب المعيشة، وكان شاعر حسن الصباح أحد قادة الطائفة الإسماعيلية النزارية. (راجع: كتاب قلعة الموت –عمر ابو النصر). وقيل: لأنّ عمر الخيام "كان يتمتع بمكانةٍ اجتماعية عالية في عصره، فقد كانت حياته مرفهة، لا يعلم معنى الفاقة، ولا يمكن له التعبير عن معاناة الفقراء في أشعاره، أو يلعن قدراً وضعه في مصف المحرومين في هذه الحياة، وهناك دليل ذكره "الخاقاني" حيث ذكر بأن الخيام كان يتقاضى مبلغاً قدره (10000) دينارٍ سنويا من الديوان العالي، ويعد مثل هذا المبلغ في زمنه ثروةً هائلة، لا يعرف بعدها عوزاً، لهذه الأسباب، فما ينسب للخيام من رباعيات تصف مقدار الألم والجوع والحرمان، قطعاً هي ليست له". وهذا الكلام يعتبر في غاية التشويه وطمس الحقائق.
الرباعـــيات
قال بعض الكتاب في تعريف الرباعيات: الرباعيات اسمٌ لقصيدة منسوبة إلى عمر الخيّام، وهو شاعر فارسي، وعالم في الفَلَك والرياضيات. ولعلها كُتِبَت في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي/ 865 هـ ويأتي العنوان من صيغة الجمع للكلمة العربية رباعية، والتي تشير إلى قالب من قوالب الشعر الفارسي. والرباعية مقطوعة شعرية من أربعة أبيات تدور حول موضوع معين، وتكوّن فكرة تامة. وفيها إما أن تتفق قافية البيتين الأول والثاني مع الرابع، أو تتفق جميع الأبيات الأربعة في القافية. وفي سنة 1930 اكتشف أول مخطوط مصور لرباعيات الخيام بخط أحد سكان مدينة مشهد سنة 911هـ وأول من تنبه إليه الأستاذ “نجيب أشرف”، فاشتراه وأهداه إلى مكتبة بتنا بالهند وأوراق هذه المخطوط خالية من ذكر طريقة انتقاله من فارس إلى الهند، وفيه ست ومائتا رباعية مكتوبة بخط جميل، وبه من الصور البديعة ما يجعله تحفة فارسية نادرة. (راجع مقدمة رامي ص 24). وتنازع النقاد والمؤرخون بشأن الرباعيات، فرأى بعضهم أنها لا تنادي إلى التمتع بالحياة والدعوة إلى الرضا أكثر من الدعوة إلى التهكم واليأس، في حين يختلف بعضهم الآخر في كون الرباعيات تخص عمر الخيام فعلاً، فهي تدعو بجملتها إلى اللهو واغتنام فرص الحياة الفانية، إلا أن المتتبع لحياة الخيام يرى أنه عالم جليل وذو أخلاق سامية، فهو متنزه عن السفائف والترهات. يتحدث الخيام في رباعياته عن الحقيقية، عن الإنسان والوجود والكينونة والقدر، والاختيار والنصيب، والزهد بنوعيه الحقيقي والمزيف، والحث على الأخلاق الكريمة: كالصدق والأمانة وخدمة البشر والعدل، والنبل، والنفس ومعرفة الله وطريق الوصول اليه، ودوما ما كان يدعو الى تحقيق العدالة الاجتماعية التي كانت على الدوام مفتقدة في كل العصور، اذا كانت رباعياته تتكلم في أسس الدين الأخلاقيّة، ودوماً ما كانت تأتي المواضيع على شكل تساؤلات، لتحريض التفكير وايجاد الإجابة لدى المتلقي، ليصل الى المعرفة، وهذا نوعٌ من التفكير الفلسفي العميق الذي يعتمد على الحركة في طرح التساؤل ولا يهدف من وراءه الإنكار. وفي مقدمة الطبعة الخامسة والعشرين من ترجمة أبيه لرباعيات الخيَّام: "ظلت رباعيات الخيَّام غائبة في بطون الكتب، ضائعة في حنايا المكتبات، حتى ترجمها إلى الإنجليزية الشاعر (فتزجرالد) عام 1859، ثم تتالت بعدها الترجمات إلى لغات أجنبية، وقد صدرت باللغة العربية، مترجمة عن الإنجليزية، وشَعَرَ أحمد رامي أن الترجمة من لغةٍ إلى لغة (يقصد الترجمة عن غير اللغة الأصلية) قد تؤدي إلى فقدان بعض من الإحساس والمعاني، ولهذا قرر أن يدرس الفارسية، ليحس بروح الخيَّام في رباعياته". وبعضهم من انصف الخيام بقوله: إن رباعيّات الخيام بنيت على مبادئ فلسفيّة بحتة، ولا شأن له بما نسب له من رباعيّاتٍ تتناول ما يخالف مبادئ الخيام وأخلاقه. وهو ما اثبتناه في هذا الكتاب. وجاء في جامعة التواريخ لرشيد الدين فضل الله المتوفى سنة 718 هـ، وذكر في كتاب “تاريخ كزبده” لحمد الله قزويني، وقد ألفه سنة 730 هـ، ووردت “تذكرة الشعراء” لدولت شاه بن علاء، وقد ألفه سنة 892 هـ ما يأتي: “أما الحكيم عمر الخيام فمن ينسابور، وكان رجلًا فاضلًا تضلع في علمي النجوم والحكمة، وقضى حياته في الاشتغال بهما، وكان عزيزًا إلى نفوس السلاطين مكرمًا لديهم، كان نظام الملك الطوس وعمر الخيام وحسن الصباح يحصلون العلم في نيسابور، وكانوا زملاء في الدراسة على الأمام الموافق، فتعاهدوا أن يرعى من يواتيه الخط مكانًا ساميًا أخويه الآخرين.
فلسفـــــته:
اهتم الخيام بالرياضيات حتى كان من ابرز علماء الرياضيات في عصره، واشتهر بالجبر واشتغل في تحديد التقويم السنوي للسلطان ملكشاه، والذي صار التقويم الفارسي المتبع إلى اليوم. وهو أوّل من اخترع طريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع الـمخروط، وهو أول من أستخدم الكلمة العربية "شي" التى رسمت في الكتب العلمية الإسبانية (Xay) وما لبثت أن استبدلت بالتدريج بالحرف الأول منها "x" الذي أصبح رمزاً عالمياً للعدد المجهول، وقد وضع الخيام تقويما سنوياً بالغ الدقة. وكان الخيَّام يعلِّمُ الحكمة للناس، حيث عُرف بسداد رأيه، وقوةِ حُجته، كما كان مِن العلماءِ الَّذين جمعهم الوزير نظام الملك، لتصحيح التقويم، فوضعوا التقويم الجلالي، أو الفارسي، الذي بدأ من يوم النيروز، السادس عشر من آذار/مارس عام 1097م. وجاء ذكر الخيَّام، في العديد من أمَّهات كتب التاريخ، من بينها كتاب (تاريخ الحكماء) للقفطي، حيث يذكر الخيَّام فيقول: "عمر الخيَّام؛ إمام خراسان، وعلَّامة الزمان، يعلِّم عِلم اليونان، ويحث على طلب الواحد الدَّيان، بتطهير الحركات البدنية، لتنزيه النفس الإنسانية، ويأمر بالتزام السياسة المدنية، حسب القواعد اليونانية". وكحال كل الكثير من الفلاسفة أو المشتغلين في الفكر التأملي، واجه الخيّام مصاعب عديدة، حينما فسّر بعضهم فلسفته وتصوّفه على أنه إلحاد وكفر وزندقة، فأحرقت كتبه، ولم يصلنا منها سوى النزر اليسير. وكونه قد اشتهر بالرياضيات، كذلك فأن له اهتمام بالفَلَك، وباللغة، وبالشعر، وبالفقه، وبالتاريخ. ولنبوغه في علم الفلك، اذ عيِّن مديراً لمرصد بغداد الفلكي.
اخلاقه وسمو نفسه: علاوة على ما ذكرنا من اوصاف للخيام فقد كان يمتاز بخلق رفيع المستوى، والشخصية المتزنة، والانسان السوي، الذي يحب الخير لجميع الناس ويحاول مساعدة من يحتاج المساعدة، وكان يحب العلم والعلماء، ويقدّر كل الجهود التي تُبذل في سبيل الارتقاء بالعلم والفلسفة، وكان يحث اصدقائه وطلابه على الاخذ من العلم بكل اشكاله والتزود من العلوم الانسانية والمعرفية والدينية والتربوية. حتى وصفوه بأنه كان متسامحاً يرى أن التسامح هو اللبنة الأولى في بناء الصداقة، والمجتمع الصالح، كما كان عاشقاً للجمال والحياة والحب، روحه معلقة بالمحبوب دائماً وهو العشق الالهي. وقال احمد رامي في مقدمة هذا الكتاب نرى العصر الذي عاش فيه عمر الخيام، قال النظام السمرقندي في كتابه “جهار مقاله” الذي كتبه حوالي سنة 550 هـ، وهو أقدم مصدر لتاريخ الخيام: هبط عمر الخيام سنة 506 هـ مدينة بلخ، ونزل في قصر الأمير أبي سعد، وكنت في خدمة الأمير فسمعت حجة الحق عمر يقول: “سيكون قبري في موضع تنتشر الازدهار عليه كل ربيع”، وظننته يقول مستحيلًا، ولكني كنت أعلم أنه لا يلقي القول جزافًا، ثم هبطت نيسابور سنة 530 هـ، فقيل لي: إن ذلك الرجل العظيم مات، فرأيت من واجبي أن أزور قبره، وهناك رأيت على يسار الزائر في سفح سور حديقة موضع دفنه، ورأيت أشجار الكمثرى والمشمش، وقد تدلت أغصانها من داخل الحديقة ونثرت على قبره النسور، فعدت بالذكرى إلى تلك القصة التي سمعتها منه في بلخ وغشيني الحزن، ولكني تأسيت وفهمت أن الله تعالى أسكنه فسيح جناته. (راجع ص 10).
وفاة الخيام: وتوفى الخيام حوالي 517 هجرية (1123.م) في عهد السلطان سنجر. (مقدمة رامي للرباعيات ص 9). وبذلك تنطوي صفحة مشرقة من حياة هذا الفيلسوف الرياضي الموحّد، لكن رباعياته وفلسفته ظلت خالدة الى يومنا هذا فهو خالدا بخلودها. ونحن بهذا الجهد المتواضع نتمنى قد رفعنا الاشكالية عنه، وعن الحيف الذي ناله، ونكون بذلك قد اعطيناه حقه، ورفعنا عنه مظلوميته، وفاء منا له، وللجهد التي بذلها للإنسانية وللعلم وللمعرفة. ولا نرجو بذلك غير احقاق الحق، ورضا القارئ بعد رضا الله.
داود سلمان الكعبي - بغداد 27/6/2017
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الله في فكر عمر الخيام21/ 25
-
-الجبن والخور- في مفهوم مسكويه الحكيم
-
محمد عبد الوهاب... واللاأدرية
-
اللاأدرية وايليا ابو ماضي وعبد الوهاب
-
ارسطو: الرق نظام طبيعي
-
سقراط يُقتل بفتوى التكفير
-
ابن تيمية شخصية نكوصية(5)
-
علم نفس الفتوى: ابن تيمية خريج سجون(4)
-
تعريف -علم نفس الفتوى-
-
علم نفس الفتوى: فتاوى ابن تيمية انموذجا (3)
-
علم نفس الفتوى: فتاوى ابن تيمية انموذجاً(2)
-
علم نفس الفتوى فتاوى ابن تيمية انموذجاً(1)
-
الله في فكر عمر الخيام20/ 25
-
ابو نواس متصوّفاً!
-
الله في فكر عمر الخيام 19/ 25
-
الله في فكر عمر الخيام 18/ 25
-
الله في فكر عمر الخيام 17/ 25
-
الله في فكر عمر الخيام16/ 25
-
متى سيُقتل سامي الذيب؟!
-
الله في فكر عمر الخيام 15/ 25
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|