|
إعادة صياغة مفهوم الأمن القومي
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5564 - 2017 / 6 / 27 - 09:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إعادة صياغة مفهوم الأمن القومي
من القضايا الحساسة التي تتعامل بها وتخشاها نظم الحكم في المجتمعات الإسلامية مسألة الأمن القومي وحدود ما يعرف بالدفاع عن السيادة والأستقلال، فهذه النظم تبني نظريتها الأمنية والدفاعية على مرتكزين أساسيين هما، فكرة أن السلاح والقوة العسكرية هي الضمان الوحيد لبناء منظومة الأمن القومي والدفاع عن الدول والمجتمعات، مما جعلها تسخر الموارد البشرية والمالية والأقتصادية لبناء قوة عسكرية متضخمة، لا تراع فيها الحاجة الفعلية ولا تراع فيها القدرة على الأستخدام الأمثل مما سبب في هدر طاقات المجتمع في أوهام الخوف من الأخر، وعدم البحث عن وسائل دفاعية فاعلة بديلة تؤمن الحاجة وتستغل الموارد في إحداث تبدلات بنيوية داخل المجتمع، فالمجتمعات الإسلامية عموما هي الأكبر إستيرادا وأستهلاكا في سوق السلاح العالمي ومستلزمات الدفاع، وهي الأكثر تعرضا للأنتهاك والتدخل دون أن تستعمل هذه القدرات في عملية الدفاع. الفكرة الثانية والتي أجهضت كل المحاولات الحقيقية في البناء والتنمية من خلال أستخدام الموارد وتوجيهها للأنفاق العسكري والدفاعي والأمني، أن هذه النظم والأستراتيجيات تبنى منطقها أن السلطة ورموزها هم المعني بالدفاع والأمن، أي شخصنة القضية وتحويل مفهوم الأمن القومي إلى مفهوم أمن السلطة وحمايتها من التغيير والتبدل، لذا نجد أن السياسات الدفاعية والأمنية تبنى على أهمية حفظ النظام السياسي للسلطة وليس حماية الوجود الأجتماعي ككل، وأوكلت مهم قيادة وإدارة هذا الملف لأركانها دون أن تمنح الخبراء والمختصين دور في القيادة أو رسم الأستراتيجيات. الحقيقية التي لا يختلف عليها إثنان أن عسكرة المجتمعات الإسلامية والعربية وزرع أفكار الخوف من الأخر هي في الواقع، زرع لمبدأ سيادة السلطة وقوتها في وجه المجتمع والدفاع عنها، وإلا ما تفسير بقاء الديكتاتوريات الحاكمة طوال هذه المدة بحماية أمنية وعسكرية فاعلة وغياب الديمقراطية التي نتحدث عنها كثيرا ولا نراه في الواقع إلا أوهام وخيالات فكرية نتناولها في الصحف والأحاديث السياسية فقط. إن النظام الأمني والدفاعي تطور وتحول من مفهوم المواجهة العسكرية وأستخدام القوة إلى أفاق أوسع ومتعددة الأساليب والبرامج، دون أن تفقد المجتمعات العالمية قدرتها للدفاع عن نفسها في مواجهة الأخطار والتهديدات الأمنية، فالدفاع والأمن الحقيقي يبدأ من الطفل ومرورا بالأسرة وصولا إلى عالمي الأقتصاد والسياسة الذكية التي تدير مصالح الشعب دون أن تنظر إلى تقديم أمن السلطة والنظام الحاكم من خلال البندقية، الأمن الأجتماعي اليوم هو الركيزة الأساسية في بناء منظومة أمن قومي حقيقي، وهذا يتطلب مناهج ومقاربات وأفكار صعبة تحول الرصيد العسكري إلى رصيد أمني غير محسوس في ظل عالم لم تعد فيه القدرات والقوة العسكرية عصية على الأختراق والضرب بأيادي ناعمة. أصعب ما في القرار الذي يجب أن يكون حاضرا على طاولة التنفيذ، هو تغيير العقيدة العسكرية والدفاعية والأمنية، من نمطها الكلاسيكي التقليدي، إلى نمط ما يعرف بالدفاع المستكين، وهو دفاع الخنادق المؤمنة والمحروسة جيدا، هذه النظرية التي تتبناها بشكل رئيسي دول البلطيق وشمال أوربا تعتمد على بنية تحتية أساسها أن الأمن الخارجي يبدأ من الداخل، من خفض التوترات الأجتماعية إلى أدنى درجة ممكنة، والنقطة الثانية أنها تعتتمد التقنيات الأكثر قدرة على التحسس من الخطر وبناء منظومة الرد السريع اللا مركزي في التنفيذ، خاصة وأن تحسين العلاقات السياسية مع دول الأقليم وخفض التوترات الناتجة عن الأختلافات الفكرية والعقيدية هي أساس تجنب المجتمع أسباب التنازع والتضاد. لاى بد للمجتمعات الإسلامية التي تسلك طريق النهوض أن تتصالح أجتماعيا في الداخل، وبناء أسس الدفاع الذاتي من خلال شبكة مصالح بينية داخل منظومتها المجتمعية، بحيث يكون من الصعب على أي فرد التفريط بهذا الأمن المجتمعي لشعوره الذاتي أن ذلك يعني فقدانه لأسس الحياة الكريمة التي يعيشها، غالبية المجتمعات الإسلامية تعيش صراعات داخلية أولا بين السلطة ومفهوما التحكمي الذي يستبعد الإنسان (الفرد الأجتماعي) في صناعة القرار والمشاركة فيه كون المنظومة الحاكمة مؤسسة على سلطة القوة أو ديكتاتورية القوة، أو على سلطة الأيديلوجيا والدين. إذن المطلوب فك الشراكة التأريخية بين فكرة السلطة وبين فكرة الإدارة لمصلحة الأخيرة من خلال مفهوم الدولة المدنية، حيث يكون التحول إلى ديكتاتورية القانون الأجتماعي العادل، وبناء ديمقراطية فاعلة تجعل من المواطن قائد ومنفذ لمنهج الإدارة التي ينتخبها على أساس تداول متعدد التطبيقات، من إدارة الأسرة إلى إدارة المجتمع، بذلك يمكننا إعادة بناء إنسان قوي يعكس قوته ووعيه السياسي والفكري ليكون جزء أساسي من المنظومة الدفاعية والأمنية التي تحمي المجتمع من موقعه (الخندق) الذي يجسد لع معنى المواطنة الكاملة التي لا تقهرها سلطة أو حكومة أو تتحرش فيها الأفكار المتحركة نحو أهداف خارج المصلحة الوطنية والأجتماعية.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التنمية الأقتصادية ودور المال وراس المال في بناء القاعدة الم
...
-
المال ورأس المال في الفكر الديني
-
الخيارات الصعبة في قرارات التغيير
-
العولمة ما لها وما عليها
-
أحلام تمتنع عن الطيران
-
العدم والوجود وما قبل وبعد الموجود ح2
-
العدم والوجود وما قبل وبعد الموجود ح1
-
رواية أفتراضية من عالم ممكن الحدوث
-
العودة إلى دراسة ظاهرة الألحاد وقضية تحرير العقل
-
حين يكون الفقد فوزا ونحن الخاسرون
-
ظاهرة الإلحاد ومشكلة تحرير العقل
-
دروس في تدبر القرآن الكريم لا تأويلا ولا تفسيرا 6
-
خطاب إلى دجلة .... الخير
-
دروس في تدبر القرآن الكريم لا تأويلا ولا تفسيرا 5
-
نشيد الوجود وأغنية الطريق
-
دروس في تدبير القرآن لا تأويلا ولا تفسيرا 4
-
أستئذان بالرحيل إلى منفى العمر
-
العلاقات البديلة.
-
دروس في تدبير القرآن لا تأويلا ولا تفسيرا 3
-
إلى فراس المعلا
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|