داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 5564 - 2017 / 6 / 27 - 08:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تنفرد دول مجلس تعاون الخليج العربي بتركيبة سكانية خاصة , يتفوق عدد الأجانب في الكثير منها على عدد سكانها, ولا يقل عدد الأجانب في أي منها عن ثلث سكانها في أحسن الأحوال, وهو أمر يحمل في طياته مخاطر جمة على حاضر ومستقبل هذه البلدان , ما لم يتم التصدي الحازم لهذه الحالة عبر سياسات رشيدة تحفظ لها هويتها الوطنية وأرثها الثقافي والحضاري , وتماسك نسيجها الإجتماعي. أكدت دراسة لصندوق النقد الدولي أن دول مجلس التعاون الخليجي سجلت أسرع معدلات النمو السكاني في العالم خلال العقد الماضي ومنتصف هذا العقد. وأظهرت أن معدل تزايد سكان دول الخليج، جاء أعلى بنحو( 4 ) مرات من نظيره في الولايات المتحدة، وأعلى ( 7) مرات من الصين، ونحو( 10 ) مرات من دول الاتحاد الأوروبي. وأرجعت الدراسة أن سبب ذلك النمو هو تدفق القوى العاملة الأجنبية التي تشكل الآن نسبة كبيرة من سكان دول مجلس التعاون الخليجي.
لقد أدت الوفرة المالية المتأتية من الموارد النفطية الهائلة في دول مجلس التعاون إلى نهضة عمرانية واسعة, وإقامة مشاريع صناعية كبيرة , الأمر الذي تطلب إستقدام قوى عاملة من بلدان عديدة , أغلبها من دول شبه القارة الهندية وبعض دول جنوبي شرقي آسيا,ذلك أن دول مجلس التعاون تفتقر إلى القوى الوطنية القادرة على تنفيذ هذه المشاريع. وبمرور السنيين وتراكم المال الخليجي وإستمرار المشاريع , وعزوف المواطنين عن العمل المهني ونزوعهم نحو الأعمال المكتبية الحكومية , أدت جميعها إلى إستقدام المزيد من القوى العاملة الأجنبية إلى الحد الذي بات فيه السكان في الكثير من هذه الدول يمثلون أقلية في بلدانهم . وتتفاقم الأمور أكثر إذا علمنا أن القوى العاملة الأجنبية تتقاضى أجور متدنية نسبيا وترضى العمل في ظروف صعبة وقاسية أحيانا مقارنة بالقوى العاملة الوطنية, مما يؤدي بالنتيجة تفضيل أصحاب المشاريع تشغيلهم لاسيما أنهم يمتلكون قدرات ومهارات لا تمتلكها القوى العاملة الوطنية.
تشير بيانات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي الى أن عدد سكان المجلس عام 2000 كان نحو( 30 ) مليون نسمة, بينما تشير التقديرات إلى أنه وصل ( 50 ) مليون نسمة عام 2015، أي أنه زاد ( 20) مليون نسمة خلال 15 عاما, وبنسبة مركبة اجمالية قدرها( 67% ), وبمعدل نمو متوسط سنوي قدره( 4.5%) ، وهي نسبة عالية جدا. كما أن ( 60% ) من هذه الزيادة ناجمة عن تدفق الأيدي العاملة الأجنبية، بينما ( 40% ) هي زيادة طبيعية، حيث إن غالبية الأيدي العاملة في دول المجلس لا تزال من الأيدي العاملة الأجنبية، وبخاصة من الدول الآسيوية. بلغ اجمالي الأجانب من مجموع السكان في دولتي الإمارات العربية المتحدة وقطر نحو( 88% ), تليهما الكويت بنسبة ( 67.95%), والبحرين بنسبة( 56%) ,والسعودية وسلطنة عمان بنسبة متقاربة بحدود ( 30%). تضخمت الأيدي العاملة الأجنبية كعدد وكنسبة من مجموع الأيدي العاملة في القطاع الخاص في كافة دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة 2003 - 2015. تتصدر قطر دول المجلس بنسبة 93% ) ,تليها الكويت والإمارات( 88% ) ,والسعودية بنسبة ( 80%) والبحرين بنسبة ( 77%), وسلطنة عمان بنسبة( 75%). وغالبا ما تكون هذه العمالة غير ماهرة وموجهة لقطاعات الإنشاءات والبناء والخدمات العامة.
يعتبر معدل النمو السكاني في دولة قطرالأعلى في العالم و يتجاوز بعدة اضعاف المعدلات العالمية المعروفة ,حيث يبلغ هذا المعدل ( 0,5% ) في الدول المتقدمة و(3,2% ) في الدول النامية.ومن غير المتوقع ان يشهد هذا المعدل انخفاضا ملحوظا خلال السنوات القليلة المقبلة نظرا لان كثيرا من المشاريع التنموية الضخمة مازالت في بدايتها, كما ان النمو السكاني للمواطنين القطريين يشهد تراجع بطيء ,فضلا عن ان مثل هذا التراجع غير مرغوب اصلا في دولة يصبح مواطنوها اقلية بين مجموع السكان. كما كشفت إحصاءات رسمية أن عدد الرجال في قطر يساوي أربعة أضعاف عدد النساء. مما يعني وجود خلل غير طبيعي في التركيبة السكانية.وقد ارجع الخبراء هذا الخلل الكبير لظروف النهضة العمرانية والاقتصادية التي تعيشها قطر حاليا وحاجة البلاد إلى استقدام آلاف العمال سنويا للعمل في مشروعات التنمية. تشير بعض الإحصاءات إلى أن أكثر من ربع القوى العاملة الوافدة إلى قطر قوى عاملة «أمية» لا تجيد القراءة أو الكتابة و(75% ) منها يحملون الشهادة الثانوية وما دونها. و تشير الأرقام الصادرة عن جهاز الإحصاء إلى أن نسبة الذكور من هذه القوى العاملة بلغت نحو (90% ) وهو الأمر الذي يهدد بمشكلات اجتماعية وأمنية كثيرة. تشير بعض الدراسات إلى أن الخلل في التركيبة السكانية في قطر لا يتوقف عند زيادة أعداد الرجال مقارنة بأعداد النساء ولكنه ينسحب أيضا على أن التركيبة السكانية نفسها غير متجانسة.حيث توجد عشرات الجنسيات التي تتحدث بلغات مختلفة وتحمل الكثير من الثقافات المتباينة والسلوكيات التي لا تتفق مع ثقافة وهوية المجتمع القطري.
وحسب الارقام التي نشرت في البحرين مؤخرا فان عدد سكان البحرين تضاعف خمس مرات خلال الخمسين عاما الماضية. واذا ما استمرت وتيرة اعداد الوافدين الى البحرين في النمو كما هي عليه الآن فانه بحلول العام 2020 ستطغى اعداد السكان الوافدين على اعداد البحرينيين، حيث ان معدل النمو في اعداد البحرينيين حاليا يبلغ (2,9% )فيما يبلغ نمو غير البحرينيين( 4,8 %). وتعزى المعدلات العالية في النمو السكاني في البحرين الى ارتفاع معدلات الهجرة الوافدة وانخفاض معدلات الوفاة، حيث ان المجتمع البحريني يعتبر مجتمعا فتيا ترتفع فيه نسبة صغار السن.
وسلطنة عمان شأنها شأن دول مجلس التعاون تستعين بأعداد كبيرة من القوى العاملة الأجنبية لاسيما في القطاع الخاص. تشير إحصاءات وزارة القوى العاملة العمانية إلى أن (87 % ) من القوى العاملة الوافدة بالسلطنة لا تمتلك مؤهلات علمية ,وأن تعليمها لا يتجاوز الشهادة الثانوية، تسعى الحكومة إلى رفع نسبة التعمين في القطاع الخاص مركزة على القطاعات التي تتركز فيها القوى العاملة الأجنبية، حيث أظهرت الإحصاءات أن قطاع الإنشاءات يستحوذ على حوالي( 43 % ) من إجمالي عدد القوى العاملة الأجنبية .ويرى اقتصاديون أنه من الصعب زيادة نسبة التعمين فيه نظرا لطبيعته ومستويات الرواتب التي يقدمها والتي لا تعتبر محفزة للعمانيين.
ولا يختلف الحال كثيرا في المملكة العريبة السعودية كبرى دول مجلس التعاون عن بقية دول مجلس التعاون برغم بعض محاولتها الحد من تدفق القوى العاملة الأجنبية , وسعيها لإحلال قوى عاملة سعودية بدلا عنها , ولكن دون جدوى لضعف قدرات القوى العاملة السعودية من جهة , وعزوف الكثير منها عن ممارسة المهن التقنية , وميلها نحو الأعمال المكتبية الرتيبة في المؤسسات الحكومية.
يصف الباحث الياباني كوجي هورينوكي الذي أنجز أطروحة دكتوراه بجامعة كيوتو اليابانية بعنوان : "التحولات السياسية والإجتماعية في الإمارات" أن كلاً من الإمارات والكويت والبحرين وقطر، التي تعاني من الخلل السكاني “بدول الأقلية المواطنة”، التي هي على نقيض الدولة الحديثة التي تتشكل من الأغلبية المواطنة. ويعتقد هذا الباحث ان “دولة الأقلية المواطنة” ظاهرة تاريخية وسياسية فريدة من ناحية، وغير طبيعية من ناحية ثانية، ولا يمكنها أن تستمر طويلاً من ناحية ثالثة، وستضطر عاجلاً أم آجلاً، أن تستوعب الأكثرية الوافدة في نسيجها الاجتماعي، وتتحول إلى مجتمعات تضم مزيجاً غير مستقر من مواطني الأمس، ومواطني اليوم، ومواطني الغد. المعضلة التي تواجه “دولة الأقلية المواطنة” أن عليها أن تستوعب أعداداً كبيرة من الوافدين الذين هم في الطريق أن يصبحوا مواطنين.
وفي الوقت الذي يؤكد كوجي هورينوكي أن هدف تنويع الاقتصاد هدف وطني نبيل ومشروع وضروري ولا بد من السير فيه، إلا أنه يحذر من النمو الاقتصادي السريع والتحول إلى مركز تجاري ومالي وسياحي عالمي. هذا النمط من النمو لا يمكن تلبيةاحتياجاته محلياً، ويحتاج دائماً إلى تدفق أعداد متزايدة من القوى العاملة الماهرة والمتخصصة وأعداد أخرى من القوى العاملة غير الماهرة والرخيصة من الخارج. فالمواطن في الإمارات مهما بلغ تعليمه وتدريبه وتراكمت خبراته وتطورت مهاراته لن يتمكن من الانضمام إلى قطاع القوى العاملة غير الماهرة والرخيصة، كما أنه لا يستطيع الانضمام إلى قطاع الوظائف التي تتطلب خبرات علمية وعالمية متخصصة . اقتصاد الإمارات ضخم، وهو الأسرع نمواً في المنطقة وقادر على خلق نحو (600) ألف وظيفة سنوياً في القطاع الخاص وحده، لكن على الرغم من ضخامته ونموه السريع غير قادر على إيجاد وظائف مناسبة لنحو (25-30 )ألف مواطن يرغبون في العمل ولا يجدون عملاً في القطاع الخاص.
وبعيداً عن مدى دقة البيانات وصحة الخلاصات، فإن هذه الأطروحة تتوقف بشكل خاص عند قضية التوطين في الإمارات. يقول كوجي هورينوكي إن التوطين كان دائماً من بين أهم أولويات الحكومة الاتحادية منذ ولادتها الأولى، إلا أن شعار التوطين ظل مجرد شعار من دون أن يتحقق على أرض الواقع خلال ثلاثين السنة الماضية. لقد تشكلت مؤسسات وتكونت لجان، ووضعت الخطط والبرامج والسياسات وعلى كافة المستويات من أجل تحقيق التوطين، لكن ظل هذا الهدف الوطني عصياً ومراوغاً ويبدو أنه سيظل كذلك على الرغم من النيات الطيبة. فكيف يمكن توطين( 4 ) ملايين وظيفة في القطاع الخاص؟
يعزي كوجي هورينوكي فشل التوطين في الإمارات إلى مجموعة من الأسباب البنيوية
أهمها :
1.اختلال سوق العمل واختلال التركيبة السكانية وغياب تجربة ناجحة واحدة في مجال التوطين في الامارات.
2.استمرار التركيز على النمو أولاً والتوطين ثانياً. هذا التركيز على النمو الاقتصادي يخلق وظائف للوافدين وليس للمواطنين. لذلك إما أن تكون الأولوية للتوطين أو للنمو لكن لا يمكن أن تكون لهذين الهدفين المتناقضين معا . ً
3.خروج القطاع الخاص في الإمارات عن نطاق السيطرة الرسمية. للقطاع الخاص في الإمارات منطقه الخاص ومصلحته الخاصة التي لا تتطابق مع المصلحة الوطنية والمجتمعية.
4.الوجود الكثيف والتحكم الضخم للجاليات الأجنبية بالقطاع الخاص. لقد استحوذت هذه الجاليات على امتيازات تفوق كثيراً امتيازات الأقلية المواطنة. ومن غير المنطقي توقع أن هذه الجاليات ستتخلى عن امتيازاتها ومصالحها ومواقعها واستثماراتها طوعاً. بل من المنطقي توقع أن هذه الجاليات ستعمل كل ما في وسعها من أجل تأجيل وتعطيل شعار التوطين في مؤسسات القطاع الخاص.
ويخلص الباحث إلى أنه لا يوجد ما يؤكد نجاح سياسة التوطين حيث يلاحظ تراجع الحكومة في أول مواجهة أمام القطاع الخاص الذي يستخدم سلاحاً قوياً هو سلاح الاقتصاد الحر الذي يحد من التدخل الحكومي في نشاطاته وقطاعاته, وتغليب مصلحة السوق على مصلحة الوطن، وتغليب الاعتبارات الآنية على الاعتبارات الوطنية البعيدة المدى. في الصراع من أجل التوطين في الإمارات انتصر مبدأ الاقتصاد الحر، ومنطق القطاع الخاص الذي لن يصلح حاله طوعاً، ولا توجد قوة قادرة على جعله مرحبا بالتوطين وجاذباً للمواطنين. لقد أغلق هذا القطاع أبوابه أمام المواطنين وسيزداد حكراً على الوافدين، في حين سيبقى القطاع الحكومي الذي يعاني أصلاً من التضخم الوظيفي والترهل الإداري هو الملجأ الوحيد للتوطين.
لذا يتطلب وضع سياسات واستراتيجيات عامة للعمل باتجاه تحقيق نوع من التوازن بين النمو السكاني والتنمية الاقتصادية اذا ارادت دول الخليج مواجهة التحديات المستقبلية والتوسع في الانشطة الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل وتوفير المزيد من فرص العمل لمواطنيها وتطوير التعليم والتدريب. وربما يكون مفيدا لو أن دول الخليج قد إستعانت بأعداد أكبر من القوى العاملة العربية الماهرة الأكثر إنسجاما مع نسيجها الإجتماعي.
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟