أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد دكروب - فرج الله الحلو إنسانية القيادة وبساطة الفكر العميق















المزيد.....

فرج الله الحلو إنسانية القيادة وبساطة الفكر العميق


محمد دكروب

الحوار المتمدن-العدد: 6146 - 2019 / 2 / 15 - 22:40
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


لقطات لجوانب من صورته.. فرج الله الحلو إنسانية القيادة وبساطة الفكر العميق

في هذه المقالة، أحاول أن أستعيد لقطات لجوانب من صورة فرج الله الحلو، ظلت راسخة في الذاكرة وفي القلب، طوال أكثر من خمسين عاماً، وستبقى حتى آخر العمر.



أستعيد لمحات من هذه الصورة الإنسانية، ليتأمل فيها، بالأخص، الجيل الجديد من الشيوعيين والتقدميين، يقبسون منها وقوداً تظل الروح الكفاحية في جوع أبدي إليها. أما بالنسبة إلى ذلك الجيل القديم الذي عرف زمان فرج الله الحلو، أو عرفه شخصياً، فلعل في هذه الاستعادة ما يعيد إلى ذاكرته ذلك الوقود الثوري والإنساني، الذي يظل المناضل بحاجة إلى التزود به، أو حتى التذكير به، بين حين وحين.



فالقدوة المضيئة تظل أبداً مضيئة، وتظل قادرة على إضاءة الذاكرة والوجدان مهما اشتدت الاهتزازات! وبالأخصّ زمان اشتداد الاهتزازات.



أعود إلى مطلع خمسينيات القرن الماضي:



كان الحزب الشيوعي يصدر مجلة ثقافية أسبوعية هي (الثقافة الوطنية) ـ (تحولت إلى شهرية فيما بعد) ـ وقد كلفني الحزب أن أعمل فيها، وأتولى تحريرها، بوصفي (الموظف) الوحيد في المجلة! وكنا نلتقي أسبوعياً، للتداول في موادها، إما في بيت حسين مروة أو في بيت كاتب ماركسي آخر اختار أن يكتب مقالات ممتازة في الفكر السياسي وينشرها في المجلة بتوقيع (ابن خلدون). وكان هذان البيتان في (محلة حمد) في أول حرش بيروت.



وغالباً ما كان هذا اللقاء يضم: نقولا شاوي، وفرج الله الحلو، وحسين مروة، وابن خلدون ومحمد دكروب، ذلك الشاب الجديد جداً في (الكارَيْن) (كار) الصحافة و(كار العمل الحزبي)! فلم أكن منتمياً، بعد، إلى الحزب! ورغم هذا سلّموني مهمات التحرير والمتابعات العملية كلها لإصدار المجلة!



وكانت لقاءاتنا تمتد إلى منتصف الليل، وصادف أن بيتي والبيت الذي يأوي فرج الله الحلو في منطقة واحدة هي منطقة (البسطة الفوقا)، فنعود إليهما سيراً على الأقدام: من منطقة حمد إلى أول حرش بيروت، إلى كلية (المقاصد) فإلى تقاطع (البربير) وامتداداً طويلاً إلى (البسطة الفوقا).



ولعلي أقول: إن هذه (المشاوير) الليلية مع القائد فرج الله الحلو الذي صار الصديق العذب والأب والأخ والمعلم، أعطتني من المعرفة بالناس والثقافة والحياة، وتلاوين الماركسية أيضاً، أكثر وأوسع بما لا يقاس مما اكتسبته من الاجتماعات الدورية التي كنا نناقش فيها شؤون الثقافة والسياسة وأساليب العمل مع أهل الثقافة والأدب.



هدوء الحديث، الود الذي لا يخفي نفسه ولا يتمظهر أيضاً بالكلمات المباشرة، ثم الأفكار الواضحة التي تصل إلى حدود البساطة الناصعة، فتتكشَّف لك لاحقاً عن عمق بعيد الغور واكتناز معارف لا تشوبها أبداً أية نزعة استعراضية، ولهجة التساؤل والسؤال، التي تتجلّى عفوية هادئة في حديث فرج الله، تجعلك تتلقى الأفكار كما لو أنها في حال ولادتها، فهي غير جاهزة ولا هي مطلقة، ولا هي قاطعة، بل هي في حال تكوُّن، لهذا فهي تدفعك وئيداً، وبالتأكيد، إلى التفكير.



هكذا كان فرج الله يشرك الناس، على مختلف مستوياتهم، بما عنده من قضايا وهموم وآمال، يفكر عميقاً بالقضايا، ويصل إلى رأي، فلا يفرضه عليك، بل يسألك رأيك فيه، يسألك أن تشاركه في الوصول إلى رأي، وأن تشاركه في التدبير.



إنه الصديق دائماً، أما (القائد) فكان يكمن دائماً أيضاً في العمق من هذه الصداقة، هناك في عمقه الإنساني كان مركز أركان قيادته.



وكنا في الطريق إلى شارع رأس النبع نمرُّ على دكان فوال، نأكل الفول الطيب، وصار صاحب الدكان صديقاً لنا. (وحتى يومنا هذا، عندما أكون في تلك المحلة، وأشتهي الفول، أذهب إلى هذا الفوال الصديق نفسه). وغالباً ما كان الفوال يجلس معنا، (كيف الحال، والأحوال، والمحلة، والناس، والمشكلات).



ونخرج، فإذا عند فرج الله بعض الاستنتاجات من الحديث وكلام الناس البسطاء ـ كان يقول لي ـ أصدق وأعمق من كل التقارير إنه مشحون بالتجربة، هو خبرة التجربة الشعبية نفسها.



وحتى ذلك الحين 1952 لم أكن بعد في الحزب، لم أكن أعرف بوضوح: هل أنا في الحزب أم لا؟ كنت أقوم بكل ما هو عملي مهني، وبعض ما هو ثقافي، في إصدار (الثقافة الوطنية)، ومع هذا كان وضعي الحزبي غائماً أمام نفسي. كان الدخول إلى الحزب، حسب الأنظمة والكتب، يقتضي الانتماء إلى إحدى خلايا الحزب. ولم أكن في واحدة من هذه الخلايا، فأنا إذن لست في الحزب.



وفي العديد من هذه (المشاوير) الليلية، بعد كل اجتماع للتحرير، كنت أنقُّ، وأنق على أذن فرج الله الحلو: متى أدخل الحزب؟ فيلوي الحديث، بلطف وحنان، إلى مدارات أخرى، وبعد كثرة الإلحاح والنق، صار يقول لي: طوِّل بالك! ثم قال ذات ليلة، كأنما ضاق بالإلحاح: ألا نجتمع أسبوعياً تقريباً؟ قلت بلى، قال: ألست موافقاً على خط الحزب وتعمل أيضاً، بوساطة المجلة، على إيصاله إلى الناس؟ قلت بلى! قال: والمجلة التي سلمناك إياها، أليست للحزب؟ قلت بلى. قال: وهل شعرت يوماً أننا نخفي عنك شيئاً أو نتحفظ بالحديث أمامك؟ قلت: لا. فقال بحسم: إذن، فأنت في الحزب من زمان، يا رفيق!



ولم أقتنع. كنت أريد أن أدخل هذا العالم المبهج المجهول: الخلية الحزبية.



فعدت ألحُّ، فقال: (يا رفيقي. أنتم المثقفون، أحلامكم وردية، والأحلام الوردية تتكسر بسرعة. عندنا، في الخلايا، لا تسير الأمور كما تسير الساعة السويسرية. وأخشى عليك أن تنصدم، وأن يخيب أملك). قلت: (يا رفيق وهل تعتبرني من حزب المثقفين؟ منذ أسابيع فقط كنت أجيراً في محل لبيع الورق، وقبلها كنت بائع خبز وترمس وياسمين، ثم صرت أجير فوال، وسمكرياً وعامل بناء، فلماذا تحشرني في (حزب المثقفين يا رفيق؟)).



ضحك من كل قلبه. وكان رائق الوجه والفكر والمزاج. غمرني بحب أحسست عاطفته تنساب إلى كتفي من أصابع يده.



وأدار الحديث إلى مدارات أخرى.



بعد أيام، دخلت ذلك العالم الغامض، الخلية الحزبية!



لم أفاجأ، ولم أنصدم. فالأمور لم تكن تجري مثل الساعة السويسرية. ولكنها تجري. وصرت أعرف مشكلات الناس والرفاق أكثر. ولم يخب أملي. لا في ذلك الزمن، ولا في الفترات الأصعب. (ولكنني اكتفيت ـ من زمان طويل بأن تكون خليتي هي: أسرة تحرير صحف الحزب التي عملت فيها، ولم أندم كثيراً!).



وصرت أروي لفرج الله الحلو عندما نلتقي، طرائف أهل الخلية، وعجائب الأفكار، وبضمنها اقتراحاتي الرومنتيكية الحماسية، فيضحك مشرع القلب بلا حدود.



في تلك (المشاوير)، وفي اجتماعات تحرير المجلة، وفي مختلف اللقاءات اللاحقة، لم أشعر لحظة أن فرج الله الحلو، شأن بعض الآخرين، يفتش في حديثي عن (الأخطاء)، بل كان يهتم بالوقائع، ويناقش ببساطة الصديق المحب، ويعطي التوجيه، ويرسم الخط الصحيح كما لو كان جزءاً من نفسك.



أكثر من هذا، كان يهتم بتلك القضايا الخاصة، الشخصية (التي ندعوها صغيرة) لكل الذين عملوا معه، ويساعد في حلها أو في التخفيف من وطأتها، رغم كل اهتمامه بالقضايا العامة للشعب والوطن والإنسانية.



كان دقيقاً، ورهيفاً، في تعامله مع الناس.



وهذا شأنه أيضاً مع الفكر والكتابة.



فإذا أتيح لك يوماً أن ترى أصول مقالة كتبها فرج الله الحلو، فستلاحظ أنه يكتب في النصف الثاني للورقة، ويترك مساحة النصف الأول بيضاء. ثم تجد في هذه المساحة البيضاء، العديد من الإضافات، والتدقيقات، فهو حريص على تلاوين الأفكار، بحيث تظل الفكرة نفسها حرة داخل حقلها وفي علاقاتها مع غيرها. فلا تتحول الأفكار إلى رصف من حجارة الداما الهندسية المصقولة، ولا تنزلق به الكتابة إلى الأحكام القاطعة، المقفلة، الخانقة، تاركاً للفكر، بهذا، أن يتنفس.



مَثَلٌ صغير، عثرت عليه منذ فترة.



فقد جاء في أحد التقارير الحزبية الخصوصية، هذه الجملة: (وقد سار حزبنا الشيوعي على هذه التعاليم اللينينية... إلخ).



ويبدو أن مخطوطة التقرير عرضت على فرج الله لإبداء الملاحظات. فأضاف بخطه عدداً من ملاحظاته. ومن جمله ما أضاف كلمتين اثنتين على تلك الجملة صارت على الشكل الدقيق التالي: (وقد توخّى حزبنا الشيوعي السير على هذه التعاليم اللينينية).



وبهذا يفسح فرج الله المجال للممارسة أن تصير صحيحة في مسارها المتنامي، وللفكر أن يسعى وأن يتنفس.



ولا يتنفس الفكر، بل لا يتكوّن ويتنامى، إلا في حقل الاستزادة من الثقافة والمعرفة، وكذلك الحزب نفسه.



فالثقافة ـ كما يراها فرج الله الحلو ـ واجب حزبي من الدرجة الأولى.



وهي، كذلك، من أكبر الواجبات الوطنية على القادة الشيوعيين، نحو أنفسهم ونحو المنظمات التي يتولون أمرها.



إن كلمات فرج الله الحلو عن دور الثقافة في تكوين الحزب، وفي تكوين الشيوعيين، وفي تطوير النظرية الماركسية نفسها، لها رنين مميز هذه الأيام، إنها راهنة، نابضة، مكتوبة لنا الآن، نحن الشيوعيين اللبنانيين، والشيوعيين العرب إجمالاً، إنها تضع الإصبع على الجرح، وكذلك تضعه فوق النبض الحي.



وينبغي أن يدرك جميع رفاقنا ـ يقول فرج الله الحلو ـ أن الثقافة في الحزب ليست عملاً طارئاً، ولا هي من الحملات السياسية التي يقوم بها الحزب في مرحلة معينة من حياته ونضاله. بل هي عمل مستمر دائم منظم طويل الأمد.



وليس في الحزب عضو واحد في غنى عنها. وتتطلب الثقافة في الحزب ولا سيما من القادة والمسؤولين، جهداً شخصياً وصبراً وطول أناة وجلداً لا حد له.



ويقول فرج الله الحلو، بحرقة نحتاج إليها نحن اليوم بالتحديد: ولكننا نلاحظ، مع الأسف، في صفوف حزبنا رفاقاً، وبعض الأحيان قادة، لم يدركوا بعد حق الإدراك ضرورة الاهتمام بالثقافة ولم يعطوها القسط الذي تستحقه من وقتهم ونشاطهم، حتى إن الكثيرين منهم لم يكلّفوا أنفسهم مطالعة الكتب والمطبوعات التي تصدرها لجنتنا المركزية.



ولكن قد يفهم بعض الشيوعيين، الذين يميلون إلى حصر الكلام في إطاره (الرسمي المدرسي) الضيق، أن الثقافة التي يدعوهم فرج الله الحلو إلى الأخذ بها والتعب المستمر في سبيل تملّكها المستمر هي بإيجاز، فقط، الثقافة الماركسية، التي تشكل نظريتهم العلمية.



فرج الله الحلو لا يقف عند هذه الحدود.



الماركسية ليست هي المعرفة، بل هي الدليل إلى المعرفة، معرفة أحوال الناس، والعلاقات الاجتماعية، وحركة التصور التاريخي للمجتمع والطبيعة، ومعرفة مختلف أسسها من الداخل ومن الخارج على السواء.



فليس يكفي الشيوعيين ـ يقول فرج الله الحلو ـ أن يعرفوا نظريتهم العلمية وأن يرفعوا مستواهم السياسي، بل ليس يستطيع الشيوعيون أن يفهموا ويهضموا نظريتهم العلمية إذا لم يكن لهم معارف عامة وثقافة عامة. ولا يستطيع الشيوعيون أن يرفعوا مستواهم النظري والسياسي، إذا لم يدرسوا أحوال وطنهم وتاريخ شعبهم.



ويوجه فرج الله لجميع الشيوعيين، إذا أرادوا وضع سياسة صحيحة لحزبنا ـ هذا النداء الحار:



ـ يجب أن نعرف بلادنا، أن ندرسها بكل بقعة من بقاعها، بجميع ميزاتها وخاصياتها.



ـ يجب أن ندرس تاريخنا في ضوء نظريتنا العلمية.



ـ يجب أن نفهم، في ضوء نظريتنا العلمية، تاريخنا العربي وثقافتنا العربية، وحركة النضال التحرري لشعبنا خلال التاريخ)



(لقد صاغ فرج الله الحلو مفهومه هذا للثقافة في التقرير التنظيمي المقدّم إلى المؤتمر الأول للحزب، الذي انعقد في بيروت بين 31 كانون الأول 1943 و1و2 كانون الثاني 1944).



أعود إلى البداية.



في مشاويرنا الليلية تلك، بين محلة حمد، وشارع رأس النبع مروراً بمنطقة البربير، عندما كنتُ ألحُّ، بعصبية، على ضرورة الدخول في العالم الغامض للخلية الحزبية، كان فرج الله الحلو يلح ـ بلطف، بدون إلحاح ـ على شيء آخر. كان يغريني بالقراءة وبالقراءة وبالقراءة. لم يقل لي يوماً، اقرأ، بلهجة الآمر أو الناصح الموجِّه. بل كان يحدثني عن بعض قراءاته: بعض قراءات الآخرين. القراءات التي كونت شخصيته الثقافية، وألقت فيه بذور التمرد. حدثني عن جبران كثيراً. عن روايته. (خليل الكافر) خصوصاً، وكيف أسهمت كتابات جبران في تفتح وعيه التمردي، والثوري بالتالي. حدثني بشغف عن عمر فاخوري، وكان يأنس إلى أبي العلاء، ويمجد المتنبي، ويقيِّم الدور الشجاع للرواد الأوائل الذين بشروا بالفكر الاشتراكي والنزعة المادية (شبلي الشميّل خصوصاً، ونقولا حداد). ولم يكن يضع ذلك (الفلتر) الضيق الذي يفصل فكرههم عن فكرنا. الجوهري عنده لم يكن الاختلاف بل التواصل والاختلاف معاً. كان يرى فيهم الحلقة الضرورية والمجيدة، التي مهدت للماركسية عندنا، ولانتشار الاشتراكية العلمية.



ولم يفصل قط بين الثقافة كثقافة، وبين دورها التنويري والنضالي معاً.



وكنت أقرأ كل ما أعثر عليه من الكتب التي يذكرها أمامي.



كنت نهماً للقراءة فصرت أكثر نهماً.



الآن، وأنا أدرس فكر هؤلاء الرواد أنفسهم، أشعر بأنني أفهم فرج الله الحلو أكثر. أشعر بأنني أقوم بهذا العمل بوحي وبدفع منه، وكأنني أسمع تحريضه لي الآن.



وما كان يقوله لي كان قد كتبه أيضاً ذات يوم من عام 1946.



الشعراء اللبنانيون، والأدباء والفنانون المعبّرون عن النفس اللبنانية والخلق اللبناني، بمختلف أشكال التعبير، من جبران إلى الريحاني إلى عمر فاخوري، كلهم امتاز أدبهم وشعرهم وفنهم، بثورة على الطغيان والعبودية، وبحب عميق للحرية نحس به في كل كلمة جرت بها أقلامهم.







هذا التاريخ النضالي لشعبنا ولحزبنا ولثقافتنا الديمقراطية هذه، كان بالتأكيد في أعماق فرج الله الحلو عندما ذهب إلى الاستشهاد. كان يعرف أن الموت ينتظره حيث ذهب. إن لم يكن في ذلك اليوم بالذات، ففي الأيام التي تليه.



ولكنه ذهب، كما هو، بسيطاً، متألقاً، شفافاً، عميق الغور.



أذكره، ولا أنسى ذلك اليوم، آخر يوم رأيت فيه فرج الله الحلو. كان يوماً من عام 1959، وكنا في دار المعجم في بناية قرب سينما (الغومون بالاس)، وكان فرج الله بيننا. عاد حديثاً من دمشق. يخوض النضال السري ويدير العمل السري. أحسست يومئذ أنه يتألق ببريق مدهش، كأنه معدن الذهب، وقد صهرته النار حديثاً. اللطيف القديم لا يزال هو نفسه، ولكنه اغتنى بمزيج من الحسم والإصرار. وكان متدفق الفكر، متوهجاً. وفرحت لأنه عاد لأننا كنا فعلاً بحاجة إلى وجوده في بيروت. على جبهة الفكر وجبهة النضال معاً.



ولكن، كان عليه أن يذهب، الأسباب كلها تدعوه لأن يذهب. فذهب.



ذهب، كعادته، بعفوية وبساطة وصفاء فكر، إلى الموت.



هناك كان الخائن ينتظره. خائن بين صفوفنا نحن، كشف سر مكانه. قبضوا عليه، عذبوه. فظل كما هو، عذبوه، فظل حيث هو، فقتلوه.



في أول لقاء لي به كان يلبس بدلة بيضاء.



الآن:



لابسُ الأبيضِ تفجّرَ منه الدم.



تضرّجَ الأبيضُ بالأحمر.



سرى الأحمر في البياض كله.



تحوّل الأحمر إلى راية شاسعة.



الراية تدل على الجريمة.



الراية تشير إلى المستقبل.



#محمد_دكروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لـويــس عـوض تـقـدمـياً مـســـتـقـبـلـياً
- ماذا كان سيقول لنا الآن؟


المزيد.....




- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد دكروب - فرج الله الحلو إنسانية القيادة وبساطة الفكر العميق