|
انتصار حماس : بداية النهاية للخطاب القومي
إبراهيم إستنبولي
الحوار المتمدن-العدد: 1450 - 2006 / 2 / 3 - 10:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو الأمر منطقياً بالنسبة للكثيرين : نظراً لانتشار الفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية ، و لأن حماس منظمة جهادية قدمت تضحيات جسام في حربها مع العدو – فإن الناخب الفلسطيني قد اختار مرشحيها للبرلمان ! كل هذا صحيح . و لا يحتاج الأمر لجهد كبير أو لعقل ثاقب ليستنتج ذلك . و لكن السؤال هو : ما مدى الدعم ، الذي قدمه الغرب عموماً و إسرائيل بشكل خاص لكي يتحقق هذا الانتصار الساحق لحركة حماس ؟ هنا مربط الفرس . لم يعد خافياً على أحد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ مدريد و أوسلو ، و بعد اتفاق شرم الشيخ الأخيرة ، قد توصلت – و معها إسرائيل بالطبع - إلى نتيجة مؤداها أن السلطة الفلسطينية الحالية بقيادة فتح و رجالاتها فقدت الشرعية التاريخية " أو قد " استهلكت " ، و لم تعد قادرة على تأدية الدور المطلوب منها في عملية " السلام الفلسطيني – الإسرائيلي " ... ببساطة لأنها لم تعد تمسك بزمام الأمور في الشارع الفلسطيني ، و لم تتمكن من بسط سيطرتها و من منع نشاط المنظمات المسلحة و بالتالي من فرض الأمن وفق المنظور الإسرائيلي . فماذا يبقى للحكومة الإسرائيلية ( و من خلفها مراكز القرار في الولايات المتحدة الأمريكية ) أن تفعله سوى ... " استبدال " السلطة الفلسطينية العلمانية الحالية بسلطة " الحركات الجهادية الناهضة و التي اكتسبت شرعية ثورية من خلال العمليات الاستشهادية ضد العدو " ؟ وهكذا كان . و بذلك فإن إسرائيل تحقق عدة أهداف دفعة واحدة : أولاً ، تخلق وضعاً اجتماعياً جديداً قابلاً للانفجار بسبب رفض قادة و سياسيين في السلطة القائمة للتخلي عن مواقعها ( و معه التخلي عن النفوذ و المال و السطوة و ملايين الدولارات ) . ثانياً ، الدفع بحكومة حماس ( من خلال سياسة الجزرة و العصا ) إلى قمع كل من يعارض سياستها و ربما إلى ضرب الحركات الجهادية و النضالية الأخرى إذا هي لم تنضو تحت عباءتها ( حركة الجهاد الإسلامي ، المنظمات الأخرى .. ) و لا عجب إذا ما راحت حكومة حماس تتهم هذه المنظمات بالارتباط بالخارج أي أن حماس قد ترفع في وجهها شعار " فلسطين أولاً " – ( لاحظوا وجه الشبه مع لبنان الأكثرية الحالية ) ، كما إنها ستتهمها بشتى أنواع الفساد و هدر المال العام و بالتعامل مع دول " مارقة " – إيران و سوريا . لا يخدعكم وجود خالد مشعل في بيروت و دمشق . فالنظامان في كلا العاصمتين يرزحان تحت رقابة دولية صارمة . ثالثاً ، سيكتشف الشعب الفلسطيني و معه حماس طبعاً أن " الأحزمة الناسفة " وحدها لا تكفي لإدارة البلد .. مما سيضطرها للتعامل مع الحكومة الإسرائيلية و الغرب ... أي سوف تغرق حكومة حماس في أوحال السلطة من جهة ، و في دهاليز السياسة العالمية ذات الباع الطويل في تركيع الشعوب و الأنظمة . و سيكتشف الفلسطينيون و معهم العرب بعد عقود أن الحركات الجهادية فشلت في تحقيق التحرير و السلام ، كما هو حاصل الآن مع فتح و الحركات القومية الأخرى . و أن الحكومات القائمة على أساس ديني إنما تدمر طاقات و قطاعات كبيرة من الشعب سيجري تهميشها و تهجيرها و قهرها ... سواء بسبب الموقف من الفكر الديني أو على أساس ديني أو مذهبي . و ستنتشر تجربة حماس في فلسطين إلى جميع البلدان العربية ، و بالدرجة الأولى سوريا و الأردن و مصر و غيرها ... و ستنشأ صراعات على أساس مذهبي سيكون المعيار فيها الموقف من الحكومة الإسلامية في فلسطين : معها أو ضدها ، كما كان الموقف من حومة عرفات و حركات فلسطينية في السابق هو الأساس في فرز بلدان و حركات و شعوب عربية - ستدعمها السعودية و جمهورية مصر الإخوان المسلمين و الجمهورية السورية الإسلامية بزعامة صدر الدين البيانوني .. بينما ستقف على الضد منها كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية و حكومة حزب الله في لبنان و حكومة عبد العزيز الحكيم في جنوب العراق ... و هلم جرا . و ستحاول كل جهة تجنيد و تنظيم حركات موالية لها في فلسطين ... و من لا يصدق سأجيبه : ليتذكر الأربعينيات و الخمسينيات من القرن العشرين عندما فشلت الأنظمة الملكية في كل من مصر و سوريا و العراق ... في تحقيق التنمية و في منع قيام دولة إسرائيل .. بل ربما إن سياساتها قد ساعدت في تحقيق المساعي الصهيونية لإقامة دولة لليهود ... و بعد أن قامت دولة إسرائيل و أصبحت حقيقة واقعة ... و بعد أن أصبحت تلك الأنظمة الملكية عائقاً أمام مخططات السياسة الدولية في المنطقة ... و لم تعد قادرة على حماية مصالح الغرب و بعد أن اشتد عود التنظيمات و الحركات الداعية إلى التحرر الوطني و الاستقلال - فما كان من الدوائر الاستعمارية إلا أن مهدّت و دعمت و شجعت حلفاءها على الانخراط في ولادة عهود جديدة ... فقامت ثورات و انقلابات هنا و هناك ، و نشأت حكومات راحت تتبنى شعارات قومية متطرفة و تمارس سياسة ديكتاتورية تجاه شعوبها و يقودها عسكريون ( أولهم عبد الناصر و ليس آخرهم صدام حسين ... ) ثم تبين فيما بعد أن جلّهم لم تكن بعيداً عن الرعاية الإستخباراتية الغربية ، خصوصاً البريطانية ( في مصر و السودان و سوريا و العراق و ليبيا و غيرها ... ) . و هذا هو التاريخ يعيد نفسه ... و يركب الغرب موجة المد الإسلامي و يعمل من اجل استغلال النشاط " الثوري " الديني . ولنتذكر ما كان يردده ياسر عرفات كيف أن إسرائيل رعت و ساعدت في نشوء و اشتداد حماس . و هذه هي قسمة الضعيف ، الذي يمشي على هامش حركة التاريخ ، أن يكون أداة طيعة و مادة مناسبة يستخدمها القوي و الذكي ، صاحب الجبروت الاقتصادي و العلمي و التكنولوجي في إعادة صياغة التاريخ كما يشتهي و بما يتناسب مع مصالحه الاستراتيجية . و هذا حقه . ففي النهاية إنه قانون الاصطفاء الطبيعي ، الذي لا يرحم . و إن وصول القوى الدينين إلى الحكم يتناقض كلياً مع طبيعة التطور ، لأن الدولة الدينية هي تراجع و تقهقر للوراء بكل تأكيد .
#إبراهيم_إستنبولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العروبة في خدمة ... أعدائها
-
فولاند في شوارع موسكو - المعلّم و مارغريتا - في التلفزيون ال
...
-
قيثارة أرمينيا- Ovanes Shiraz أوفانيس شيراز -
-
سيرغي يسينين Sergey Esenin كمنجة روسيا الحزينة
-
من مواطن سوري إلى الأكثرية النيابية في لبنان
-
بؤس الإعلام الشمولي
-
الحوار المتمدن ما بين الواقع و الطموح
-
أفكار تستحق البوح
-
Osip Mandelshtam - قبر مجهول في معسكر اعتقال
-
من القصائد الأخيرة لرسول حمزاتوف( بمناسبة الذكرى الثانية لرح
...
-
ليرمنتوف : الشاعر – النبي
-
- ضريح لينين في موسكو : صنم من - لحم و دم
-
نشيد الخلود
-
سحر الشرق في الأدب الروسي - ايفان بونين في الأراضي المقدسة
-
من مظاهر ... العهرلمة - نعم العهرلمة و ليس العولمة
-
من هموم المعارضة السورية : مشاركة هادئة في موضوع ساخن
-
شجرة الماس العتيقة ! أو هل ينتصر الغباء ؟
-
تفجيرات لندن : حلقة في - حرب باردة جديدة - ؟
-
الرواية التاريخية و العولمة
-
فارس آخر يترجل : الشيوعي الشهيد جورج حاوي - وداعاً
المزيد.....
-
فيضانات غير مسبوقة تجتاح بريتاني الفرنسية والسلطات تدعو للحذ
...
-
رئيس أركان الجيش الجزائري يبحث مع وفد -الناتو- سبل تعزيز الح
...
-
روسيا تدين أعمال المتمردين في الكونغو الديمقراطية
-
رئيس وزراء سلوفاكيا يهدد زيلينسكي بمنع المساعدات المالية لأو
...
-
وفد حماس يبحث مع المخابرات المصرية تطورات ملف التهدئة بغزة
-
العقل المدبر وراء -ديب سيك-: من هو ليانج وينفينج؟
-
بانتظار قرارات القضاء.. البحرية الإيطالية تنقل إلى ألبانيا 4
...
-
احتجاجات حاشدة في دالاس ضد سياسات ترامب للهجرة وترحيل الأسر
...
-
العراق.. الأمين العام لمنظمة -بدر- يعلق على إقالة رئيس هيئة
...
-
رويترز: صور تظهر تشييد الصين منشأة كبيرة للأبحاث النووية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|