محمد مسافير
الحوار المتمدن-العدد: 5561 - 2017 / 6 / 24 - 19:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أذكر بوضوح آخر مرة زرت فيها مسقط رأس أمي، في منطقة نائية ذات طبيعة جد قاسية، إلا أن سكانها جد طيبون، أو على الأقل، هم يرحبون كثيرا بالقادمين إليهم من المدينة، فترى الأطفال الصغار يتسابقون ليقبلوا يد الزائر كيفما كان، طمعا في حلوى المدينة.
جلسنا ذات فجر إلى مائدة الإفطار، كان الاستيقاظ إلزاما، ورغم ذلك، ما كنت لأستيقظ في ذاك الوقت الذي لم تأذن بعد فيه الظلمة بإشراق وضاح، لولا رائحة الحساء التي كانت تعطر الجو، لم أكن لأقاومها...
فطرنا بما تيسر، أرضعت خالتي ابنها حتى امتلأ، ثم أغلقت عليه في غرفة، بدأ الرضيع يصرخ ويصرخ بقوة ودون أن يبدي استسلام، استنكرت سلوكها، أخبرتني أن أبناءها السبعة كلهم تربوا بنفس الأسلوب، يبكون في الأول قليلا ثم يناموا، بعد أسابيع قليلة يتعودن على الأمر، فلا يعاودوا البكاء !
أكيد... لهذا الأسلوب آثار نفسية سلبية وعميقة في سلوك الطفل، إلا أنني وقتها، وما دمت واقعا في نشوة البداوة، وصفاء الأنفس وبدائية الأفكار، فإني أعلنت الإذعان للتقليد..
خالتي، امرأة أربعينية قوية البنية، بارزة القسمات، لسعات الشمس فرضت لونا خاصا على بشرتها، ومظاهر القسوة والأسى لا تحجبها العيون الذابلة، كانت تقوم بأعمال يعجز عنها الرجال، تحطب وتحمل تلالا على ظهرها، تجلب الماء على مسافات طويلة، ترعى الغنم، وتجلب آخر النهار الحشيش، تطبخ وتكنس ورضيعها على ظهرها...
تغيرت الأمور كثيرا في السنوات الأخيرة، فرغم عزلة البادية، إلا أن الحداثة فعلت فعلتها في الناس، فتجد مراهقيها يدسون بوجوههم في هواتفهم النقالة، ويتواصلون على الواتساب والفايسبوك، وبدأت تتلاشى حماسة الأحاديث الليلية، إلا أنها لا تزال تحتفظ بكينونتها.. كذلك بدأ البوطاكاز يحل محل الفرن الطيني، وابتليت النساء الأمازيغيات بالأفلام التركية والمصرية بعد أن حلت محل المكسيكية، حتى البنايات الطينية التي كانت تملأها السمرة، أخذ أصحابها في صباغاتها بعفوية بهلوانية غير منسجمة، أرادوا التشبث بقاطرة الحضارة، وكانوا في ذلك أشبه بتلك العروس البدوية التي تطلي نفسها بمساحيق التجميل العصرية بشكل مبالغ فيه حتى تغذوا أضحوكة في حقيقة الأمر، وفي نفس الوقت، مثار حسد الحائمين حولها.. تغير فيها كل شيء حتى ما عادت تستهويني كثيرا !
#محمد_مسافير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟