أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - خمسون عاما على جرح النكسة















المزيد.....

خمسون عاما على جرح النكسة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5555 - 2017 / 6 / 18 - 23:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الذين لم يعيشوا لحظات نكسة 67، سيتصورون في يونيو 2017 ولهم الحق في ذلك أن النكسة حدث وقع في زمن بعيد، منذ خمسين عاما، أما الذين عاشوا تلك الأيام، ساعة بساعة، ولحظة بلحظة، فإن النكسة في قرارة نفوسهم تتحرك كأنها وقعت بالأمس، أو أنها تقع اليوم،أو توشك الآن على الوقوع، فهي حدث مستمر داخل النفس، ممزوج بالمرارة والتخبط الأليم وعدم القدرة أو الرغبة في التصديق. كان صلاح جاهين أبلغ الجميع تعبيرا عن استمرارية اللحظة في النفوس حين قال:" ضربة صابت.. وضربة خابت.. وضربة وقفت بالشريط في وضع ثابت". في داخل من عاشوا النكسة شريط يعرض بدون توقف الصور ذاتها خارج أي زمان وأي مكان، بالأبطال أنفسهم، وحتى بدرجة حرارة الجو في يونيو، وبظلال البشر المحترقة في الشوارع، وبالذهول المراق في الأعين حينما أدركنا أننا خسرنا كل شيء. ولم تكن الخسارة في عدد الدبابات التي دمرت أو الطائرات التي قصفت قبل أن تحلق، أو حتى عدد الشهداء، الخسارة كانت أفدح من حديد السلاح ودانات المدافع، كان ذلك خسران حلم كبير أبهج الروح لحظة وانطفأ. لقد عبرت لطيفة الزيات عن الشعور العام بمصر قبل النكسة بقولها:"كنا نثق حينذاك أن بوسعنا أن نغير العالم بأسره". بهذه الثقة في قدراتنا عشنا عشر سنوات تقريبا قبل النكسة، منذ اندحار العدوان الثلاثي في 1956، حتى 1967، هي بالضبط الفترة التي تربي فيها جيل نما من العاشرة إلي العشرين وهو يستمع إلي أغنيات نجاح سلام " اليوم اليوم يوم النصر.. عصرنا قلب الأعدا عصر.. شنوا علينا الحرب نشن.. عين بعين وسن بسن"، وأغنية محمد سلمان " لبيك إن عطش اللوا سكب الشباب له الدما"، وعبد الحليم " صحيت الشرق بحاله ، وديانه ويا جباله "، كان لدينا شعور أن مصر قد غرزت كرامتها في عين العالم، ننصت إلي عبد الناصر وهو يخاطب أمريكا علنا بصوته القوي: " اللي سلوكنا مش عاجبه يشرب من البحر"، وتعلمنا مجانا، وقرأنا الكتب حين كان الكتاب بقرشين، وكان تعداد الشعب نحو ثلاثين مليون وعندنا 15 مجلة ثقافية متخصصة، ومسارح، وأكاديمية فنون، وتصنيع حتى لو كان بسيطا، وتوزيع اراضي على الفلاحين حتى لو كان نسبيا، وبنينا السد العالي، ورحنا نناصر الثورات في الجزائر وفلسطين واليمن وحيثما استطعنا، وفي كل ذلك كنت تشعر أن مصر قوة، وأنها مصنع كرامة وعزيمة يغلي بالمقدرة على تذليل كل الصعاب. بالطبع كان للحكم طابعه غير الديمقراطي. لكن الديمقراطية بالنسبة للشعب لم تكن أبدا في عدد الصحف، أو جلسات البرلمان، أو حق التعبير لكاتب أو آخر، على أهمية كل ذلك، لكنها كانت دوما : حق السكن والعمل والعلاج والتعليم ومستوى المعيشة، لهذا كان عبد الناصر يقول إن الديمقراطية السياسية لا يمكن أن تنفصل عن الديمقراطية الاجتماعية وإن" حرية التصويت من دون لقمة العيش وضمانها تفقد كل قيمة لها"، ثم جاءت قرارت التأميم لصالح الشعب، بل وشاهدنا بأعيننا ذات يوم صواريخ القاهر والظافر تمر في الميادين ضمن استعراض عسكري! وكانت" قضية الديمقراطية" موضع خلاف حاد بين المثقفين وعبد الناصر، بل كادت أن تكون الوجه الرئيسي للخلاف. وإذا قرأت معظم روايات نجيب محفوظ بعد " الثلاثية " ستجدها سهاما حادة مصوبة إلي الطبيعة غير الديمقراطية للنظام. وبالرغم من كل ذلك فقد عشنا في ظل حلم النهضة والتصنيع واستقلال الارادة الوطنية والكبرياء القومية، وفجأة .. في لحظات معدودة تبخر كل شيء. أذكر أنني كنت في شرفة منزلنا في وسط البلد حين أعلن عبد الناصر عن النكسة وعن تنحيه. ولم تمر حتى دقيقة على إعلانه إلا ورأيت الشوارع في السيدة زينب مغمورة بالبشر يندفعون إلي ميدان التحرير ويهتفون من دون ترتيب أو تنظيم لا تتنحى. واندفعت أهبط إلي الشارع، ولم يكن أحد يصدق أننا هزمنا. أذكر أننا كنا نجوب الشوارع أنا ويحيي الطاهر عبد الله، وخليل كلفت، وأمل دنقل، ولا نقول شيئا، فقط نمشي صامتين إلي أن نتعب فنجلس عند ناصية شاي كانت في ميدان التحرير، ثم يقول أحدنا كأنه يحدث نفسه " معقول؟!". كان ثمت شعور بأن هناك خنجرا مسموما قد غرز في ظهورنا. لاشيء يقال. ولا شيء يفعل. ولا شيء بقادر على لحم الصدع الذي ظهر. فجأة اتضح لنا أن كل قصائد صلاح عبد الصبور المتشائمة الحزينة كانت تهجس بما سيقع، أحلام الفارس القديم وغيرها، كانت تستشرف النكسة. ومع ذلك الألم اندفعنا إلي معسكرات للتدرب على القتال حين قيل لنا إنهم سيعدون الشعب للقتال. تطوعنا ورحت مع صديق عزيز إلي مدرسة في السيدة زينب، دربونا على إطلاق الرصاص أسبوعا، وبعدها صرفونا. قلنا لهم : نريد أن نذهب إلي الجبهة، لكنهم كانوا يخشون الاعتماد على الناس في الحرب، لأن الناس ما إن يمسكوا بالسلاح حتى يحددوا مسار الكثير من المعارك، في الخارج، وفي الداخل أيضا. وكان الأشد إيلاما من الهزيمة أن تعرف أنك ممنوع من مواجهة الهزيمة ومن القتال ضدها. لم يستعن بنا أحد، ولم تنظم صفوف المتطوعين، واقتصرت التجربة على التدرب على إطلاق النار.
فيما بعد تم اعتقالي في مظاهرات الطلاب في فبراير 1968 التي قامت دعما لمطالب عمال حلوان بتشديد الأحكام على قادة الطيران المسئولين عن النكسة، وظللت بالمعتقل نحو ثلاث سنوات لمجرد المشاركة في مظاهرة. كانت النكسة حدا فاصلا بين عهدين، ودفعت الكثيرين إلي التشاؤم، وكتب أمل دنقل أنه " خلف كل قيصر يوجد قيصر جديد" وأنه ما من أمل، وتلاشت الصيحة والشعور بأن " بوسعنا أن نغير العالم بأسره"، وكان شعور يوسف إدريس بالتشاؤم أسبق حين كتب " الفرافير"(1964) و" المهزلة الأرضية " (1966) وغيرها من الأعمال التي أبرزت أنه فقد الثقة في كل حلم، وفي كل إمكانية في التغيير، واختفت الروح التي كتب بها " جمهورية فرحات" و" البطل". وظهرت كالفطر وغطت كل شيء قصص الضباب والحيرة والضياع والرغبة في تحطيم كل الأشكال الأدبية ليس بهدف خلق شكل جديد، لكن فقط لتدمير ما تبقى من الحلم بحيث لا يعود شيء يذكر المرء بما كان. وبوفاة عبد الناصر فتح وحش النكسة شدقيه وابتلع الخيط الواهي الأخير، ثم دشن توفيق الحكيم حملة تحطيم الماضي بحلوه ومرة حين كتب كتابه " عودة الوعي"، ومن بعده خرجت من تحت الأرض كل الأقلام التي دعت إلي التطبيع مع العدو الاسرائيلي، وإلي ذلك السلام الذي لن يعم سوى إسرائيل، وإلي ازاحة القضية الفلسطينية بعيدا عن اهتمام مصر، وإلي الانفتاح الاقتصادي، وهلم جرا. كلا . لم يمر على النكسة خمسون عاما ، ولا يوما ، ولا لحظة، لقد وقعت بالأمس، وهي تقع اليوم، أو توشك الآن على الوقوع، ومازال مرها يسري داخل النفس ممزوجا بذلك التخبط الأليم وعدم القدرة أو الرغبة في التصديق. وأشعر الآن وأنا أكتب هذه السطور بخنجر الهزيمة المغروز في ظهري، وبالطعنة التي لم يلتئم جرحها. العجيب أنني حين أتأمل حياتي الطويلة وما انطوت عليه من جراح شخصية ، وفراق الأحبة، وموت الأقرباء ، أجد أن كل تلك الجراح قد التأمت، ولم يبق سوى ندوبها، أما أيام النكسة فتظل نازفة في الروح. لابد إذن أنها أمر ضخم، أكبر من أن يزول بسهولة، ربما لأنها عجنتني والوطن في بقعة دم واحدة.
***
أحمد الخميسي. كاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطر صغيرة قد تشعل حربا كبيرة
- طلعت حرب .. نحن والماضي
- في المرأة يكتمل ظهور الحقيقة
- عبقرية عبد الوهاب وتهمة السطو الفني
- مازن معروف .. نكات للمسلحين
- أبناء الورق والانترنت
- تحرش - قصة قصيرة
- الصحافة .. بداية ولا نهاية
- بيسا - قصة قصيرة
- الغنيمة - قصة قصيرة
- عرفانا ومحبة في عيد المرأة
- طاهر البرنبالي .. انتصار المستحيل
- هل نطالب الأزهر بتكفير داعش؟
- على ربوة - قصة قصيرة
- أماني الخياط دعوة إلي إبادة الشعب !
- أبو المعاطي أبو النجا .. كل كلمات الوداع مرة
- أبو المعاطي أبو النجا .. سلامتك !
- محمود عبد العزيز .. ألفة النجوم
- وداعا دكتور محمد محروس
- في البحرين أزمة من الطبل والزمر !


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - خمسون عاما على جرح النكسة