|
نَوَافِذ مَفْتُوحَة على مَصَارِيعِها
علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 5555 - 2017 / 6 / 18 - 02:51
المحور:
الادب والفن
ما حدث معه ذكَّرني فَوْراً بحكاية الموظف إيفان تشرفياكوف، في قصة -وفاة موظف- للكاتب أنطون تشيخوف، مات السيد نبهان، صديق الطفولة، قهراً، قبل أن يتجاوز الأربعين من عمره، تجاهل رؤوسائه المنشغلين بتجارتهم الجانبية لرسائله الإلكترونية الرَسميّة، التي بلغت حوالي ستين رسالة (إيميل)، يلفت نظرهم فيها إلى متاعبه في العمل وخوفه على المعمل وكأنَّه معمله، ويطالبهم في الوقت نفسه وبكامل الاحترام بموعدٍ للقاء كي يشرح لهم شخصياً ما الذي يدفعه لكتابة الرسائل لهم، ويرجوهم أيضاً بصرف مكافأة مالية رمزية، ليس طمعاً بالمال بل حباً باعترافهم العلني بخدماته، تجاهلهم لرسائله وكلماته وأنينه وآلامه الداخلية الذي دام أكثر من عامين متتاليين قَهَرَ قلبه وأماته صباح اليوم، عطلة نهاية الإسبوع، وهو جالس في بيته وحيداً، منذ أن تم تعيينه في المعمل، بلا زوجة أو صديقة، بلا عائلة، كات قد نذر نفسه للعمل، مات الفقير نبهان الذي هاجر إلى كاليفورنيا قبل حوالي ثلاثة وعشرين عاماً، مات وأضابير العمل بين يديه، بينما الشمس في الخارج تسطع مثل مُنَبِّه صباحيّ يَحُضّ الناس على الخروح لِلتَّنَزُّهِ والتَسَوُّق بدلاً من العمل مَجَّاناً، مات لخدمة أصحاب الكروش والقروش، الأرباب الذين يصطافون في منتزهاتهم ومنتجعاتهم، دون أن يعرفوا معنى العمل في حياتهم، دون أن يسمعوا باسم الموظف نبهان، دون أن يقرأوا كلمات إيميلاته التي صاغها ليلاً قبل أن يذهب في الأَصْباح الباكرة إلى العمل، كي لا يضيّع الوقت المُقدَّس للعمل في كتابة همومه التافهة. الرحمة لروحك يا نبهان! *****
سنكتب عن كل ما سبق كي نتوقف عن الحياة في عالم الظلمة والمجاري كجرذان سوداء، كي نفتح أفواهنا لنتنفس هواء نظيفاً، لم نعتد عليه بعد. سنكتب كي نتغلب على خوفنا من الغرفة 101؟ غرفة الفئران الجائعة في رواية 1984 للكاتب البريطانيّ جورج أورويل. سنكتب بكامل الصبر لأنّ تاريخ الشرق، الذي نرغب أن ننبش فيه ونرفع الغطاء عنه بهدوء، يشبه المِرْحاض المسدود، نقوم بتنظيفه مرات ومرات، وفي كل مرة يصعد البراز إلى السطح، كما علَّمنا الكاتب الألماني غونتر غراس في روايته مشية السرطان. سنكتب كي يتجنب الشرقي إضاعة عضوه الذكري في المرحاض بسبب عضة جرذ، كما حدث للشاب التايلندي عام 2016 وهو في حالة تغوط. سنكتب كي يتفادى الشرقي أن تصطبغ المياه بالدم الأحمر كما اصطبغت في فيلم موسى حين نَهَشَت التماسيح أجساد حراس فرعون. *****
كان يدخن بشراهة، يدخن إذا فرح، يدخن إذا حزن، يدخن إذا استيقظ، إذا نام، إذا حلم، إذا أفاق من النوم في منتصف الليل، إذا أحب، إذا بكى، إذا طبخ، إذا شرب، إذا أكل، إذا رأى منظراً خلاباً، إذا سمع أغنية تحاكيه، إذا لامست يداه غصن شجرة زيتون، إذا استنشق هواء عليلاً، إذا ناح، إذا غنى المواويل والعتابا، إذا مشى، إذا جلس في تاكسي، إذا ناقش في السياسة، إذا قرأ قصة، إذا كتب شيئاً، إذا حضَّر للامتحان، إذا أنهى الامتحان بنجاحٍ أو فشلٍ، إذا أمطرت، إذا فكر براتبه الشهري، إذا مات أحد معارفه، كان يدخن حتى إذا وقع في المرض. *****
يوجد حالياً في قطر على سبيل المثال حوالي مليون ونصف من العمال الذكور من مختلف البلدان الفقيرة، يعيشون في أماكن غير إنسانية ويعملون تحت ظروف قاسية للغاية، تتشابه ظروف عملهم مع ظروف الذين بنوا الإهرامات قبل مئات السنين، يشتغلون أكثر من عشر ساعات في اليوم الواحد تحت وهج الشمس، يكسبون في الشهر مبالغاً تافهة، يتراوح الراتب الشهري بين مئة ومائتين دولاراً أمريكياً، البعض منهم لا يحصل على رواتبه دائماً، جوازات سفرهم محجوزة عند أرباب العمل. منذ بدء التجهيزات العمرانية لبطولة كأس العالم القادمة في عام 2022 مات عشرات الأشخاص بفعل التعب والإرهاق. وإذ تراهم كيف ينامون ويأكلون ويتألمون، فإنّك لا تملك إلّا الصمت واحتقار حكومات الشرق والمشاهير الرياضيين من الشرق والغرب، احتقار القائمين على الرياضة وأولئك الأوْبَاشِ الذين وافقوا على إقامة الألعاب الرياضية في بلدانٍ لا تحترم الإنسان، واحتقار أرباب العمل وكل من يساهم في معاملة الإنسان بشكلٍ لا إنساني. ألا ينبغي على أحرار العالم التظاهر ضد عبودية واستغلال الإنسان وبشكلٍ خاص عمال البناء والمرافق الأساسية في إمارة قطر؟ إمارة التخلف والإرهاب! *****
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيام في مدينة لايبتزغ
-
هانسغروهي
-
حفلة مُنَوَّعَات
-
اِسْتِنْفار في مدينة حلب
-
الحَكِيّ بسركم يا جماعة
-
فاصولياء يابسة
-
حوار ودّي
-
مِنَ الرَّفْشِ إلى العَرْشِ
-
الهارب حسّان
-
اعتقال الفصول الأربعة
-
الرَّفْش ولا العَرْش
-
الشاورما تجعلك أجمل!
-
قَالُواْ حَرِّقُوه
-
بيض أومليت
-
جمعة الكهرباء
-
شخصيات يهودية مهمة -1-
-
تأثير الفراشة
-
حصة رسم وأشغال
-
برج بابل
-
الهارب المُضاعَف
المزيد.....
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|