|
كيف تناول الشاعر خليل فرح ظاهرة الاستعمار؟
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 5553 - 2017 / 6 / 16 - 14:59
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
كيف تناول الشاعر خليل فرح ظاهرة الاستعمار؟ بقلم: تاج السر عثمان كان للشاعرخليل فرح ” 1894- 1932” نظرة عميقة للاستعمار باعتباره سبب الشقاء والتخلف للسودانيين ، وهذه النظرة نلمحهافي قصيدة “ صائد الانام ” وهى قصيدة نظمها بمناسبة زيارة “ أمير بريطاني” للسودان جاء فيها : ياصائد الانام سافر ياامير وانزل اراضينا جوب ساحاته واستعرض ميادينا ما تهمك مدارسنا ونوادينا اهلك اهملوا تأسيسه عامدينا ساد الجهل وسادت عوادينا وعم الفقر مداينا وبوادينا ما اتسولنا أو مدت ايادينا غير الخالق المن فيضه يدينا ياصائد الانام المولى عاطينا طبيعه غنيه في بواطينا ما اخصب جزائرنا وشواطينا وخيرات الجزيرة الدافقه طينا ويختتم الشاعر بقوله : بس الشفته من احوالنا بيألم احكى عنه لاهلك وعد سالم والخليل هنا يعبر عن مفهوم عميق للاستعمار كظاهرة اقتصادية اجتماعية ، باعتباره سبب الجهل والتخلف رغم ادعائه بأنه جاء لنشر التعليم والمدنية ، ويتضح ذلك من اهماله للتعليم والشح في بناء المدارس والاندية التى ترمز للوعى والتقدم الاجتماعي والثقافي ، ورغم خيرات البلاد وخصوبة أرض الجزيرة ، الا أن عائدها يذهب لجيوب المستعمرين بينما السودانيون يعانون من الفقر في المدن والبوادى ، والخليل هنا كان عميقا عندما يلاحظ الفقر في القطاع الحديث ( المدن) ، وفى القطاع التقليدي ( البوادى) ، ويشير الى عزة السودانيين الذين يرفضون التسول رغم الفقر الذي عمّ في فترة سيادة الاستعمار الذي اهتم بالمحصول النقدي ( القطن) واهمل زراعة قوت الناس مثل: الذرة والدخن والخضروات .. الخ، أى أن الاستعمار لم يكن يهمه غذاء السودانيين ورفاهيتهم بقدر ما كان يهمه انتاج المحصول النقدي( القطن) اللازم لمصانعه في لانكشير. اعتقد أن الخليل هنا عبر بالحدس والفطرة تعبيرا عميقا عن فهم ظاهرة الاستعمار والأسباب الأساسية للتخلف التى نشأت من استنزاف خيرات البلاد، وتصدير الفائض الاقتصاي للخارج وابقاء السودانيين في حالة من الجهل والفقر. بعد استقرار دولة الحكم الثنائي شرعت في ارساء البنيات الاساسية للدولة السودانية الحديثة ، فقامت السكك الحديدية والنقل النهرى وتم انشاء ميناء بورتسودان ، وتم ارساء التعليم الحديث وقامت كلية غردون وتم بناء المستشفيات الحديثة وقامت مصلحة البوستة والتلغراف وقام مشروع الجزيرة وخزان سنار ، ونشأت دور الطباعة والنشر والصحافة .. الخ. وشهدت الفترة(1900 – 1919 م) تخرج متعلمين في كلية غردون ، كما شهدت تطورات عالمية وداخلية كان لها الاثر في تطور وظهور شكل جديد للوطنية السودانية بعد هزيمة دولة المهدية واتباعها وهزيمة الانتفاضات القبلية والدينية التى استمرت حتى 1916م. حيث تم القضاء على تمرد السلطان على دينار في دارفور. وشهدت تلك الفترة الحرب العالمية الاولى وما تمخض عنها من تطورات في الحركة الوطنية لشعوب المستعمرات.والاتجاه العام للمطالبه بحق تقرير المصير ، كما شهدت نشوء ومولد الصحافة السودانية التى بدأت اجنبية الملكية سودانية القراء ، حتى قامت أول جريدة ( الحضارة) سودانية في الملكية والقراء(محجوب محمد صالح، الصحافة السودانية في نصف قرن). كما اشترك الجنود السودانيون في الحرب العالمية الاولى وعادوا للبلاد بوعى جديد ، كما شهدت تلك الفترة نهوض الحركة الوطنية المصرية التى توجت بثورة 1919 م والتى كانت تطالب بسيادة واستقلال مصر ، كما شهدت شعوب المستعمرات الاخرى في الشرق ثورات مثل ثورة الهند ، كما قامت الثورة الروسية عام 1917م. ولم يكن السودانيون ولاسيما المتعلمين منهم بمعزل عن تلك الاحداث والتطورات فتم انشاء نادى الخريجين ، وقامت جمعية الاتحاد السوداني وجمعية اللواء الأبيض فيما بعد والتى كانت تطالب بوحدة وادى النيل تحت التاج المصرى وجمعية اللواء الابيض من اوائل التنظيمات التى قامت على اسس سياسية حديثة في السودان وشكلت تطورا ارقى في ميدان التنظيم في السودان. كان خليل فرح عضوا في جمعية الاتحاد السوداني التى تكونت عام 1921 م في منزل محى الدين جمال ابوسيف ومن اعضائها المؤسسين توفيق احمد البكرى وبشير عبد الرحمن وكلهم كانوا من طلاب كليةغردون ، وكان هدف هذه الجمعية وحدة وادى النيل ثم صار من اعضائها : مدثر البوشي ، الامين على مدنى ، عبيد حاج الامين ، بابكر القبانى ، توفيق صالح جبريل وغيرهم. ومارست الجمعية آساليب العمل السري ، وكانت اجتماعاتها تتم سرا ، وتوزع المنشورات التى توضح اهداف وافكار الجمعية ، وعندما قامت جمعية اللواء الابيض انضم اليها خليل فرح وكان الخليل يعبر في قصائده واشعاره عن اهداف وشعارات وحدة وادى النيل التى قامت ثورة 1924 م على أساسها ونلمس ذلك على سبيل المثال في قصيدة ( الشرف الباذخ) والتى يقول فيها: نحن ونحن الشرف الباذخ دابى الكر شباب النيل قو قوم كفاك يانائم شوف شوف حداك يالايم مجدك ولىّ وشرفك ضلّ وامتى تزيد زيادة النيل الى أن يقول: ده ودعمى وده ضريب دمى وانت شنك طفيلي دخيل يانزلانا ارمقوا الذمه كيف ينطاق هوان الامه شالو حقوقنا وزردوا حلوقنا ديل دائرين دمانا تسيل من تبينا قمنا ربينا ما تفاسلنا لو في قليل ما فيش تانى مصرى سودانى نحن الكل ولاد النيل واضح من القصيدة انها تعبر عن جماعة ( نحن) أى جماعة وحدة وادى النيل ، ويرد فيها ذكر (النيل ) اكثر من مرة ويختتم بقوله ( مافيش تانى مصرى سوداني نحن الكل (ولاد النيل)، ويرد فيها تعابير مصرية مثل( امتى تزيد زيادة النيل )، كما يشير الخليل الى الكبت الذي يعانى منه الشعب السودانى في ظل الاستعمار الانجليزى عندما يقول: يانزلانا امرقوا الذمه كيف ينطاق هوان الامه شالو حقوقنا وزردوا حلوقنا ديل دائرين دماءنا تسيل ويقول للمصرى والانجليزى: ده ود عمى وده ضريب دمى وانت شنك طفيلى دخيل . اى أن القصيدة تعبر تعبيرا كاملا عن اهداف اللواء الابيض ( وحدة وادى النيل). بعد هزيمة ثورة 1924 م وخروج القوات المصرية من السودان وانفراد الانجليز بالحكم ، نظم الخليل قصيدة( ماك غلطان) في عام 1925 والتى تحولت الى نشيد وطني ذاع شأنه وكان يغنيه كثير من المطربين ، يقول فيها: ماك غلطان ده هوى الاوطان نوح ياحمام الى أن يقول فيها: اطرى فلان وليالى عنان وين ياسلام كنا حنان والحله جنان نوح ياحمام اليوم آن للمحنه آوان ضل المرام ما فى اخوان وحياتنا هوان نوح ياحمام لاشك أن التزام خليل السياسي سبب له المتاعب في الخدمة المدنية ، حيث كان هدفا لحزم الادارة ، وعلى حد تعبير على المك ( ربما كان ذلك عقابا على شعره واشاراته للادارة البريطانية بالتلميح والتصريح) (علي المك ديوان الخليل). فقد بلغ مجموع الايام التى خصمت رواتبها من خليل فرح عشرون يوما في مدة خدمته من أخريات عام 1913 م الى عام 1929م. احب الخليل مصر والذى كان يرى فيها مثلا اعلى في الثقافة والعلم ، كما ادرك قوة الصلة بين الشعبين المصرى والسوداني ، وما انضمام خليل لجمعية اللواء الأبيض والتى كان من اهدافها ( وحدة وادى النيل) الا دليل على ذلك ، فقد ذكر مصر كثيرا في اشعاره كقوله ( نحن الكل اولاد النيل)، ( نحن كنانة اسماعيل). وعليه شد الرحال الى مصر في آخر عام 1928م ، واستطاع أن يكسر ويتخطى القيود التى كان يضعها الانجليز في سفر المثقفين والمتعلمين السودانيين الى مصر طلبا للمزيد من العلم والمعرفه. وفي الفترة الى قضاها الخليل في مصر استطاع أن يطور قدراته الغنائية والموسيقية ويتزود بالعلم في هذا الجانب ، ودرس علوم الموسيقي ، واستطاع الخليل عن طريق المعارف العلمية الاولية في هذا الجانب أن يطور ويسهم في ارساء قواعد الأغنية السودانية على أسس جديدة راقية ومتطورة . كان صراع الخليل مزدوجا : الصراع ضد الاستعمار والتخلف والفقر والصراع ضد المرض ، داء السل العضال الذى كان يعانى منه ، فازدادت معاناته ومتاعبه وعلى حد قول المتنبي ( ومن ذا يحمد الداء العضالا). وفي قصائده اشارات كثيرة لذلك المرض ، وكان يربط علته بعلة الوطن كله ، ومن الامثله على ذلك قصيدة ( من يداويك) والتى جاء فيها: من يداويك والحياة كما شاءوا وما شئت كلها الآم مالنا نسكب الدموع على القرطاس ياقوم ولعلى أقوام وكذلك نلاحظ ذلك في قصيدة ( الاتومبيل والاسد) والتى جاء فيها: يابناءا على المجد قد قام واعتمد رفع الله امة رفعت مجدها السند كم طبيب على عبادة الفجر ما رقد يتلقاك باسما جس نبضا أو انتقد تلك ستون ليلة هى كالسجن أو اشد صدمة ليتها صدمة الاتومبيل أو الاسد علتى وهى علتى قصة الناس في البلد
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفهوم التنمية في وثيقة -حول البرنامج-
-
وظائف الكهنة في مملكة نبتة
-
تجربة السلم التعليمي بعد إنقلاب 25 مايو 1969م
-
مصادر وعي الطبقة العاملة السودانية
-
الرأسمالية وتهجير الشعوب
-
جذور التطور غير المتوازن في جبال النوبا
-
الأوضاع الثقافية والفكرية في المهدية
-
اليقظة ضد إعادة إنتاج الاسلام السياسي
-
موقف الحزب الشيوعي من أحداث الجزيرة أبا
-
معاوية محمد نور (1909- 1941) : من كتاباته الفلسفية
-
الذكري 134 لرحيل كارل ماركس
-
المرأة في حضارة النوبة في السودان الوسيط
-
إسهام الطبقة العاملة السودانية في ثورة 1924م
-
الماركسية والمدارس النسوية
-
ما هو منهج ماركس في بناء نظريته عن المجتمع؟
-
الذكري 32 لاستشهاد الاستاذ محمود محمد طه
-
الذكري ال 61 لاستقلال السودان
-
أزمة النظام تتفاقم.. المزيد من التعبئة والتنظيم والوحدة
-
العصيان المدني سلاح مجرب لإسقاط النظم الديكتاتورية
-
الذكري الخامسة لرحيل المناضل التجاني الطيب
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|