الأسعد بنرحومة
الحوار المتمدن-العدد: 5553 - 2017 / 6 / 16 - 09:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انّ فهم الأحداث الجارية في الشرق الأوسط وتفسيرها كثورات "الربيع العربي" دون إدراك خطط الدول الكبرى صاحبة النفوذ والمصالح في المنطقة لهو مستحيل . فعلاوة على تندر البعض بالتقسيم مجادلًا في المحسوس؛ هناك من يُقلل من أهمية "ساعة الصفر" التي انطلقت منها الثورات العربية، متجاهلًا ما يترتب على فهم الحدث من مواقف ومعالجات وتوجيهات قد تُجنب المسلمين كوارث ودماءً وضياعًا للثروات والتضحيات.
فالحرب على الإسلام والثورات المضادة والأزمة الخليجية بين قطر من جهة والسعودية والإمارات ومصر من جهة أخرى هي أثارٌ لانتقال الاستراتيجية الأميركية من مرحلة إلى أخرى في طريق تفكيك الشرق الأوسط وإعادة بنائه. فقد تفاقمت الخلافات القطرية السعودية بعد الموجة الأولى من "الربيع العربي" نتيجة لتبديل أميركا "خيولها" تبعاً لموقفها المتحرك إزاء الشرق الأوسط ومراحل صياغته. نقلت وكالة سبوتنك الروسية والغارديان البريطانية بتاريخ 20-4-2016 لقاء للشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق مع صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية جاء فيه: (أعلن رئيس وزراء قطر السابق “حمد بن جاسم آل ثاني”، أن الدوحة كانت المحرك الأساسي في الأزمة السورية منذ 2012 لتنقلب عليها السعودية لاحقًا، وتحاول الاستئثار بالملف وحدها, حيث أعطيت الموافقة بأن قطر هي التي ستقود؛ لأن السعودية لم ترد في ذلك الوقت أن تقود, لكن بعد ذلك حصل تغيير في السياسة، وانتهى الأمر بتنافس البلدين مع بعضهما, حيث أرادت قطر دورًا كبيرًا لـ”الإخوان المسلمين” بخلاف السعودية, ولم يقتصر ذلك في سوريا بل شمل ليبيا, حيث أوضح “حمد” أن قطر والإمارات دعمت فصيلين متناحرين في ليبيا، وبسبب تعدد التدخلات في ليبيا فسد ما كانت تخطط له قطر) . فقد كانت قطر _التي أخذت الموافقة على قيادة المرحلة بحسب حمد بن جاسم _ عبر قناة الجزيرة وعبر علاقتها بالقوى الإسلامية التقليدية والفصائل "الجهادية" وعبر مواقفها التي تبدو منحازة إلى الشعوب و"المقاومة" تمثل تهديدًا للأنظمة التي اتخذت أميركا قرارًا بوضع حد لها وإسقاطها ضمن مشروع تفكيك وإنتاج الشرق الأوسط الكبير. ولعل أول من نادى بهذا المشروع وبصيغة "تفكيك وتركيب الشرق الأوسط" هو محمود جبريل "عضو المجلس الوطني الليبي" عبر قناة الجزيرة سنة 2004 وهي السنة التي ظهر فيها مشروع أميركا للشرق الأوسط الكبير إلى العلن عبر قمة مجموعة الدول الصناعية الثماني، وهي نفس السنة التي انعقدت فيها قمة الدول العربية في تونس وطُلب منها أميركيا بشكل معلن أن تناقش الإملاءات الأميركية الواردة في مشروعها للشرق الأوسط الكبير، وهي نفس السنة أيضًا التي انعقد فيها مؤتمر في القدس وضم عددًا كبيرًا من المفكرين والسياسيين والأمنيين والعسكريين من دول العالم لمناقشة التصدي للإسلام. ثم رافق ذلك مجموعة من التقارير "أبرزها تقارير مؤسسة رند" التي تدعو إلى دعم التيارات الإسلامية المتوافقة مع العلمانية والديموقراطية، حيث أشرفت الخارجية الأميركية على إعداد جيل من الشباب وتدريبهم على التعبئة والتحرك عن طريق الإنترنت من أجل القيام بالثورات، وتم ذلك عبر مكاتب مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية في تونس وقطر وعبر مؤسسات المجتمع المدني والحركات الشبابية كحركة 6 إبريل المصرية التي انكشف ارتباطها بالمؤسسات الأميركية مثل بيت الحرية ومؤسسة الدفاع عن الديموقراطية. فبحسب وثيقة أميركية رسمية وتحْتَ عنوان “كيف تعمل مبادرة الشراكة الشرق أوسطية” تم تحديد الأهداف الرئيسية للمبادرة وهي "بناء شبكات من الإصلاحيين الذين يتبادلون معارفهم ويساعد بعضهم البعض من أجل تحفيز التغيير في المنطقة". ولذلك كانت قطر تمثل رأس حربة في المشروع الأميركي للشرق الأوسط من خلال التحريض على الثورات ودفع الجماهير على غير هدى وفق قاعدة أمنية سيكولوجية مدروسة بعناية تقضي بإثارة الجماهير وتسريع حركتهم في الاتجاه الذي يُغازل طموحهم من أجل الإخلال بتوازنهم تمامًا كالذي يركض بسرعة فيتدحرج على وجهه، وبهذه الطريقة الممهورة بالطائفية والمناطقية والصراع الدموي على السلطة بُعِثت الفوضى ووجدت أرضية التقسيم. أما الباعث على المشروع الأميركي للشرق الأوسط فتوضحه تقارير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية للسنوات السابقة للمشروع والتي تعلن بشكل واضح بأن المنطقة تقف عند مفترق طرق؛ حيث تُفيد تلك التقارير التي عرضتها الولايات المتحدة على مجموعة الدول الثماني سنة 2004 أن سكان الشرق الأوسط يعيشون حالة مأساوية وبخاصة في مجال الحريات والمشاركة السياسية؛ وأنها تُمثل "تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة, وللمصالح المشتركة لأعضاء مجموعة الثماني". ولذلك أوهموا الشعوب بأن الديموقراطية والدولة المدنية (العلمانية) هي بوابة العبور للمستقبل، وأن "المشاركة السياسية" والتوافق هو حجر الزاوية للبدء بمشروع الشرق الأوسط الجديد. ولما كان المشروع يهدف إلى إضعاف الأمة وإشغالها بنفسها وإجهاض تطلعها إلى التحرر والوحدة، ولما كانت "المشاركة السياسية" والتوافق ترياقًا مخدرًا للشعوب ومثبتًا للعلمانية ومُقوّضًا لمفهوم الحكم في الإسلام لزم التضحية ببعض الحكام العملاء لتشجيع الجماهير على مواصلة التحرك وإيهامهم بجدية التغيير وإمكانية النصر، مع أن الذي أسقط الأنظمة في تونس وليبيا ومصر واليمن هو القرار الأميركي وليس حركة الجماهير، وكان حلف الناتو وقادة الجيوش المرتبطين بأميركا والتنظيمات "الجهادية" المُموّلة والموجّهة والجماهير الغاضبة المضللة هي الأدوات. وما أن بدأ الشعب يحاول المشاركة الفعلية في الحكم عبر انتخابه لمن يُمثل الإسلام حسب ظنه بدأت مرحلة الانقلاب على خيارات الشعب بدعم الدولة العميقة عن طريق السعودية والإمارات، وبدأ معها مرحلة تفكيك الدول من خلال تصليب مواقف الأطراف بتوفير الدعم لهم عن طريق قطر والإمارات والسعودية وتركيا؛ بالإضافة إلى الدعم الدولي وإدارة الولايات المتحدة للصراع مباشرة وعبر الأمم المتحدة والمؤتمرات الدولية.
هذا هو الملاحظ فيما يجري على الأرض دون الحاجة إلى أدلة واعترافات وتسريبات لأن التعاطي مع القضايا السياسية يأتي بالتحليل السياسي وفق مجموعة من القواعد وليس كالقضايا الجنائية التي يُتوصل إلى فهمها بالأدلة الجرمية والجنائية. وبناءً على فهم الواقع يُتخذ الموقف بالتأييد والانخراط في المشروع أو الامتناع ومحاولة إعاقته وإفشاله. وإذا لم تتوفر القدرة الكافية على التأثير في الأحداث أو تغيير ما يجري على الأرض فأقل ما يتوجب على الناس هو فهم ما يجري على الأرض لاتقاء الأخطار وحتى لا يُدرج اسم المقاومين للوعي ضمن عداد القتلى في مشروع ليس مشروعهم وحرب ليست حربهم. وبرغم أن التحليل السياسي وحده يكفي للكشف عن حقيقة الواقع إلا أن كثيرًا من الوثائق المسرَّبة والتي تم الحصول عليها بقانون حق الوصول إلى المعلومات والنشر في الدول الغربية تؤكد مؤامرة "الربيع العربي". كالوثيقة المسربة التي لم ينفها السفير الإماراتي في واشنطن والتي تكشف محاولته التأثير على موقف الإدارة الأميركية من الربيع العربي، والوثيقة التي نشرتها "مجمعات الخبرة" الأميركية بتاريخ 22 تشرين أول/أكتوبر 2010 بعنوان "مبادرة الربيع العربي بالشرق الأوسط: نظرة عامة" والتي جاء فيها أن الولايات المتحدة: "وضعت في مخططاتها الداخلية العديد من الاستراتيجيات لقلب وزعزعة الأنظمة في البلدان المستهدفة بالاعتماد على "المجتمع المدني" بعدما مهدت لذلك الأرضية عبر عدة أعمال جوهرية مستندة بالخصوص على عمل المنظمات غير الحكومية"، واعتبرت "الربيع العربي": "حركة بعيدة كل البعد عن عفوية الشعوب العربية المتعطشة للتغيير السياسي ببلدانها، بل على العكس من ذلك هي خطة أميركية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مشروع مدروس بروية وتعمد من طرف الإدارة الأميركية والتي كان رائدها “روبرت فورد” رئيس الفريق المكلف بالمنطقة العربية في جهاز الاستخبارات الأميركية". لا شك أن المقاربات التي وضعتها أميركا قبل وأثناء "الربيع العربي" تهدف بلا غموض إلى تفكيك المنطقة على أسس طائفية وعرقية ودفع المسلمين إلى البحث عن الهوية في ظل حملة تزييف غير مسبوق لفكر الإسلام مما قد يُفضي إلى إيجاد هوية إسلامية بمعايير أميركية. وبرغم ذلك كله؛ فإن دفع المسلمين للبحث عن هويتهم الفكرية سيوصل المسلمين إلى الدين الحق ... وإن لنا في قصة فرعون لعبرة قال تعالى : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82))
#الأسعد_بنرحومة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟