أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيرج حليمي - كيف كان اليمين الاميركي يستغل اعمال الشغب















المزيد.....

كيف كان اليمين الاميركي يستغل اعمال الشغب


سيرج حليمي

الحوار المتمدن-العدد: 1448 - 2006 / 2 / 1 - 09:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1962، أعلن ريتشارد نيكسون انسحابه من الحياة السياسية الاميركية. فبعد ان خسر بفارق حفنة من الاصوات في الانتخابات الرئاسية، ها هو يعاني الهزيمة امام الديموقراطي ادموند براون في السباق الى حاكمية ولاية كاليفورنيا. في العام 1964، مُنيَ جمهوريّ آخر، هو باري غولدواتر، بهزيمة نكراء على يد ليندون جونسون الذي فاز بـ 61 في المئة من اصوات الناخبين. وسيترك اثراً طيّباً في بلاده لجهة الحقوق المدنية و"مكافحة الفقر"، حيث استجاب لضغوط حركة الحقوق المدنية ولآلاف المناضلين اليساريين وهم في الغالب من الشباب البيض الذين التحقوا بأنصار مارتن لوثر كينغ في الجنوب. تمّ تفكيك التمييز المؤسّساتي واطلاق "الحرب على الفقر"، ممّا بدى أنه إرساء للسياسة التقدّمية، لجيل على الاقلّ.

لكن الوهم لن يدوم. مقابل ما كان يشهده المجتمع الاميركي من غليان في الستّينات (حركة السود، الحركة الطلابية، الحركة النسائية، حركة السلام، حركة المُثليّين)، فإنّ ردّة محافظة بدأت ترتسم بسرعة في مختلف هذه الميادين. فمنذ العام 1966، سحق رونالد ريغن ادموند براون في فوز مفاجئ بحاكمية ولاية كاليفورنيا، بفضل دعم الناخبين البيض من الفئات الشعبية التي كانت نجحت، عن طريق الاستفتاء، في إبطال تدابير مؤيّدة للاختلاط العرقي في مجال السكن. بعد عاميْن، هزم ريتشارد نيكسون الذي لم يتمكّن من التخلّي عن السياسة، نائب الرئيس جونسون، هيوبرت همفري، ليحتلّ مركز الرئاسة في البيت الابيض.

يمكن تفسير هذه النتائج الانتخابية بتحوّل قسم من القاعدة الديموقراطية (العمّال والموظفون والريفيون) الى اليمين، ففي كاليفورنيا نجح ريغن في ابعاد الناخبين البيض من الفئات الشعبية عن حزب الحاكم براون، عن طريق اتهامه لهذا الاخير بالتساهل مع اعمال الشغب العنصرية التي حدثت في واتس (لوس انجلس) في شهر آب/أغسطس 1965، وأيضاً لأنه تراجع أمام تمرّد "اقلّية مهووسة" من "البيتنيكز" المتحصّنين داخل جامعة بركلي. كان للاتجاه المحافظ، داخل البيروقراطية النقابية، وانفراط عقدها خلال المعارك ضدّ التمييز العنصري، اضافة الى النزعة القتالية (حرب فيتنام) والتمييز الجنسي، أن أفلتت القوى المحافظة التي، بانحدارها هذا، ستجعل مجمل الحركة العمالية تدفع الثمن الاقتصادي والاجتماعي غالياً بعد عقد من الزمن.

على المستوى الوطني، كان ريتشارد نيكسون يروّج بدوره لشعارات "القانون والنظام". وفي العام 1968، وبينما كان تمرّد شيكاغو وهارلم ما يزال حاضراً في الذاكرة، وكذلك سقوط 43 شخصاً غالبيتهم من السود على يد الشرطة او الحرس الوطني او الجيش، خلال اعمال شغب حصلت في مدينة ديترويت في تموز/يوليو 1967، دعا نيكسون مواطنيه الى "الاصغاء الى صوت آخر، صوت هادئ وسط الصراخ. صوت السواد الاعظم من الاميركيين، الاميركيون المنسيون الذين لا يصرخون ولا يتظاهرون. فهم ليسوا عنصريين ولا مرضى وليسوا مسؤولين عن الامراض التي تفتك ببلادنا" [1].

ليسوا عنصريّين؟ في العام 1963، كان 59 في المئة من البيض يعلنون تأييدهم لمنع الزّيجات بين الأعراق، و55 في المئة لا يريدون الإقامة في جوار السود، و90 في المئة يرفضون رؤية ابنتهم تخرج مع شاب اسود، وكانت غالبية البيض تعتقد أنّ السود يضحكون اكثر من اللزوم ولا يتمتّعون بالطموح الكافي وأنّ لهم رائحة خاصّة [2]... لكنهم لم يكونوا يضحكون عندما تلقي عليهم القبض قوات الامن البيضاء حصراً. في كلّ حال، إنّ أحد التوقيفات الفظّة والمعتادة هي التي أطلقت شرارة الانتفاضة في واتس، عام 1965، وقد دامت خمسة ايام وتورّط فيها ما يقارب الخمسين الف شخص (من بينهم 16 الفاً من الحرس الوطني) وأوقعت 34 قتيلاً وألف جريح.

منذ نهاية الخمسينات، كان مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف، بي، آي) والسلطات المحلّية في ولايات ألابامبا واركنساس او ميسيسيبي ينسبون اعمال "الفوضى" الى "محرّضين" قادمين من الخارج. فمن اجل التشهير بحركة السود، تُتّهم بأنها موجَّهة من قبل الشيوعيين، وقد رُفعت يافطات على طرق الجنوب تدّعي أنّ مارتن لوثر كينغ تلقّى تدريباً في احد المعسكرات الثورية وتشجيعاً من قبل فصيل شيوعي صيني أكثر منه روسيّ الولاء. أمّا التهمة الموجهة الى مالكولم أكس فكانت تأثّره بالاسلام العالمثالثي. ليندون جونسون نفسه سيبدأ بتحميل مسؤولية الشغب في المدن الى بعض "المحرّضين السود"، قبل أن يدرك الطابع العفوي والشعبي للانفجار. من جهته، استمرّ اليمين الاميركي في الربط العفوي بين التعبئة الاجتماعية و"التخريب" والعدوّ "الخارجي". قبل اسابيع، كانت محطة "فوكس نيوز" تتحدّث عن "تمرّد إسلامي في فرنسا" والذي ازداد عدائية بسبب رفض الحكومة "استدعاء الجيش".

اللجوء الى الجيش في الولايات المتحدة أكثر سهولة، لكن الإفراط في العنف الناتج عن هذا التدبير لا يساهم بالضرورة في تحسين درجة الوعي الجماعي للمشاكل. ففي نيسان/ابريل ـ أيار/مايو 1992، مثلاً، لم تؤثّر اعمال الشغب في لوس انجلس (أكثر من 50 قتيلاً و10 آلاف معتقل، إثر تبرئة احد رجال الشرطة الذي يظهر في شريط مصوّر وهو يضرب بوحشية سائقاً اسود يُدعى رودني كينغ)، سوى أيام معدودة على مسار الحملة الانتخابية، كون المرشّحين الرئيسيين الثلاثة (جورج بوش، بيل كلنتون وروس بيروت) مُنشغلين باستمالة الطبقات الوسطى اكثر من ايجاد العلاج لمشكلة الغيتوات المدينية.

وكما هي العادة، تعيد اعمال الشغب هذه إحياء الديماغوجية الامنية، لدى اليمين الاميركي الذي ينتهز الفرصة ليقف مدافعاً عن الفئات الشعبية من دون مقابل. ومنذ اربعين عاماً واليمين ينجح في هذا الباب الذي ألهم آلان فينكلكروت ـ الباحث الذي يطلّ برأسه من من وسائط اعلامية متعدّدة ـ عند اشتعال الضواحي الفرنسية، ليصوّر تذمّر "سائقي الاجرة الفقراء"، موجّهاً ضدّ الذين يشعرون "بالتعاطف مع المخرّبين" من "انصار البيئة الميسورين الذين يقومون في باريس بتمارين على ركوب الدراجات الهوائية" [3].

في بداية الستينات، كان الصحافي اليساري اندرو كوبكند، ومثله كثيرون، منهم مارتن لوثر كينغ، يأملون في قيام حركة مختلطة بين الأعراق تجمع الفقراء من المزارعين السود الصغار في الميسيسيبي الى المعوزين البيض في الابالاتشي. في العام 1968، انتصرت المعركة ضدّ القوانين العنصرية في الولايات المتحدة، لكن التضامن بين الأعراق ما يزال حلماً بعيد المنال. ذلك أنّ حلم العمال والموظفين البيض، في الترقّي الاجتماعي، يتبخّر في هذه الحال. ما أن يسأل كوبكند عاملاً أبيض من شيكاغو "مؤيّد مئة في المئة للشرطة"، حتى يلاحظ تقدّم الافكار الداعية الى فرض النظام بالقوة داخل "فئة رثّة من الموظفين الشباب فشلت في ارتقائها الى الطبقة الوسطى، تشعر بأنها سجينة وضعها العمّالي". في نظر هذه الفئة الرثة من الاجراء البيض، يعني الاندماج الاجتماعي أنّ السود سينتقلون للإقامة في أحيائهم.

تضيف اعمال التمرّد والشغب في المدن، الى هاجس الانحطاط الطبقي، الرغبة في عودة النظام. العامل نفسه من شيكاغو يقول لكوبكند: "لستُ ضدّ الملوّنين بل انا ضدّ الشغب". بعد عشرين عاماً، في 1998، لم يطرأ الكثير من التغيير على الخطاب. في تفسيرهما للتحوّل نحو اليمين، الذي يعبّر عنه أحد النجّارين البيض في شيكاغو، ينقل توماس وماري اسدل عنه قوله: "غالبية من يحتاجون للمساعدة هم من السود وغالبية من يساعدون هم من البيض. سئمنا من دفع تكاليف المساكن الشعبية في شيكاغو والإنفاق على النقل العام الذي لا نستخدمه" [4].

ما العمل ومنْ يدفع؟ لليمين الاميركي خطاب مجرّب: انه سؤال خاطئ، فكلّ مساعدة تضرّ من يتلقّونها [5]. في العام 1995، كان الباحث الجمهوري، مستشار الرئيس بوش في بداية ولايته، دايفيد فروم، يقول بالصوت العالي: "تعب الناس من هذا الانين الدائم حول الفقراء. المكلّفون من الطبقات الوسطى يعتبرون أنهم يدفعون المزيد للفقراء وأنّ تصرّف هؤلاء يزداد سوءاً". بالرغم من استخدامه تعابير مختلفة بعض الشيء، إلاّ أنّ السيد نيكولا ساركوزي سلّم بدوره، الى قانون السوق الخاص، الفئات الاكثر ضعفاً في المجتمع، عندما قال: "الحقيقة أنّ سياسة الضواحي المُعتمَدة خاطئة منذ اربعين عاماً. فبشكل من الاشكال، كلّما ازداد الانفاق تراجعت النتائج" [6].

تأتي الفكرة في الوقت المناسب. ففي فرنسا، كما في الولايات المتحدة، تُخصَّص هذه الاموال لاستخدامات أخرى، كتخفيض الضرائب المباشرة مثلاً. قلّة إدراك؟ كلاّ: يوحي التاريخ الحديث ازدهار التوجّه غير المتوازي الذي يعطي العلاقات الاجتماعية طابعاً فردياً او "عرقياً"، من اجل تسهيل عملية القمع لضحايا هذه السياسة عندما يتمرّدون.






--------------------------------------------------------------------------------

[1] في خطاب القاه امام مؤتمر الحزب الجمهوري في ميامي، 8 آب/اغسطس 1968. ورد في Le Grand bond en arrière : Comment l’ordre libéral s’est imposé au monde, Fayard, 2004, p. 131.

[2] Thomas Byrne Edsall et Mary Edsall, Chain Reaction : The Impact of Race, Rights and Taxes on American Politics, Norton, New York, 1991.

[3] Le Figaro, 15 novembre 2005

[4] Thomas et Mary Edsall, op. cit. “ L’université de Chicago, un petit coin de paradis au cœur du ghetto ”, Le Monde diplomatique, avril 1994

[5] John Galbraith, “ L’art d’ignorer les pauvres ”, Le Monde diplomatique, octobre 2005

[6] في مقابلة مع مجلة "الاكسبرس"، 17/11/2005.



#سيرج_حليمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتخابات الرئاسية الأميركية - جورج بوش وشعبه الطيب


المزيد.....




- لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق ...
- بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
- هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات- ...
- نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين ...
- أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا ...
- الفصل الخامس والسبعون - أمين
- السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال ...
- رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
- مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيرج حليمي - كيف كان اليمين الاميركي يستغل اعمال الشغب