|
مَغربُنا وإن جَار علينا ‼
ادريس الواغيش
الحوار المتمدن-العدد: 5541 - 2017 / 6 / 4 - 20:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع الأحداث الأخيرة التي تواترت بشكل سريع وغير مـُتوقع، وأيضا غيرُ مرغوب فيه بمدينة الحُسيمة “جوهرة المتوسط“ فيما أصبح يُعرف إعلاميا ومجازًا بـ“ حِـراك الرّيف“، علما بأن كلمة “الرّيف“ هي امتداد جغرافي وبشري أكبر من رقعة جغرافية صغيرة تخص مدينة أو إقليما أو جهة، أصبح معها الجميع بين عشية وضحاها مُحللا سياسيا ومُنظرا استراتيجيا يستبق الأحداث قبل وقوعها، لذلك ارتأيت أن أنأى بنفسي عن الخوض في شؤون السياسة، استمرارا لموقف كنت قد اتخذته منذ زمن ليس بالقصير، لأن السياسة وفق منظورنا المتخلف في هذا الزمن الأعوَر، أصبحت تتطلب منا “نحن المَغاربة“-على غير العادة- الكثير من الغش والتحايل والخداع والمكر، والتـّمَسْكن حتى التمكـُّن مع شيء من فـَن المُمكن والمُستحيل وإنكار الجميل، والوفاء للعشيرة والقبيلة وعقلية المِـزاج، وأنا لا مزاج لي كما تعرفون هذه الأيام ولا عشيرة لي أو قبيلة في السياسة، وما على بالكم وليس على بالكم من تعار يف جديدة أو قديمة في قاموس السياسة، وهي صفات لا تتوفر في شخصي المتواضع، وبالتالي اقتنعت بأنني لن أصلح لأن أكون سياسيا، فنأيت بنفسي عن السياسة احتراما لشخصي و لمُواطـَنـَتي. أقر هنا أيضا وأنا في كامل وعيي، أنني لست مُحللا سياسيا بارعا(بْحَال هَادوك اللي كـَيْبانُو ليكـُم على شاشات التلفزات) ولا مُنظرا اجتماعيا، ثم إن خبرتي محدودة في السوسيولوجيا والأنتروبولوجيا والأركيولوجيا، لكنني حفظت عن ظهر قلب خريطة وطني من الصحراء في الجنوب إلى الماء في الشمال، وأعرف طبيعة أبناء وطني جيدا في “الرِّيف“ بحكم أنني جزء منهم، فقد سبحت مُبكرا في مياه نهر“ورغة“ القادم إلينا من أعالي جباله، وعملت مُدرسًا في قُراه لمدة ثلاث سنوات(بين الحسيمة والناظور)، عاشرت خلالها الناس مُواطنا وعلـَّمت الأطفال مُدرسا وناقشت المثقفين والسياسيين و“القاعديين“ والناس العاديين سياسيًا. عرفتهم فيها مُحبّين لمَغربهم ولوطنهم ولانتمائهم، صحيح أنهم يشتكون من تهميش الدولة لهم منذ الاستقلال وإلى الآن، ويحلمون بالهجرة إلى شمال أوروبا كأبناء قراهم، ويفتخرون بأمجاد أبائهم وأجدادهم وانتصارات أميرهم وهذا من حقهم، كنت أسمع أو أشمُّ بين الفينة والأخرى، حين يحتدُّ النقاش في بعض الجلسات، حِسًّا انفصاليا من “ بَعضهم“ وهي حالات استثنائية جدا، و“الاستثناء لا يقاس عليه“، وهو أمر طبيعي في منطقة لها خصوصيتها الجغرافية والتاريخية، لكن كانوا يحبوننا ويكرموننا وتوطدت لنا صداقات مع مختلف الشرائح الاجتماعية عكس ما يروِّج له البعض، لأنهم في الأخير إخوان لنا في الدين والتاريخ والجغرافية والمصير والهوية والانتماء. كما عملت خلال هذه الفترة أيضا إمامًا احتياطيًا في أحد المسجد برضا الناس وعن طيب خاطرهم، كلما اضطر إمام المسجد إلى التغيب لظروف صحية أو اجتماعية، ومُعلمًا في مدارسه المُعلقة في قمم الجبال، فدرَّست الأطفال في مدارس قـُرى “صُوف“ و“عـَلوان“ ومركز“ إجـْرماوْس“ الذي لا يبعد إلا ببضع كيلمترات عن مركز “بودينار“ وسوق“ تمسَمان“ ومركزها، نسبة إلى قبيلة تمسمان إحدى أكبر القبائل الرِّيفية الكبيرة المترامية الأطراف، التي تتموقع جغرافيا في الريف الشمال- الشرقي للمغرب بين مدينتي الحسيمة والناظور، وتتبع حاليا لإقليم الدريوش إداريا بعد التقسيم الجديد، بعد أن كانت تابعة للناظور إلى حدود سنة 2009، ولا يفصل “تمسَمان“ عن الحسيمة إلا شكل جغرافي أقل ارتفاعا من الجبل وأكبر علوًّا من الهضبة في حدود ثلاثين كيلومتر عن شاطىء “كيمادو“ أجمل شواطئ المدينة وأشهرها. ولمن لا يعرف المنطقة ويسمع فقط بمعركة “أنوال“، فإن التسمية تعود إلى قرية معروفة بوفرة مياهها وخصوبة أراضيها، حتى أن البعض قديما كان يلقبها بـ“شام الريف“، وهي لا تبعد عن مركز تمسمان إلا ببضع كيلمترات، كما أن باديتها تعتبر من أغنى البوادي المغربية قاطبة، لمستوى عيشها ورفاهية منازلها، نظرا لتواجد جالية كبيرة في أوروبا الشمالية تحديدا. عشت هناك ثلاث سنوات فقط، لكنها كانت كافية لأن ألتقي فيها بشيوخ مقاومين شاركوا في “معركة أنوال“ بقيادة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، واستطاعوا أن يهزموا الجيش الإسباني بقيادة الجنرال سلفستري، ووصفوا لي بدقة متناهية أطوار المعركة بعظمة لسانهم من بدايتها إلى نهايتها، وكيف خطط المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي أو(سيدي موحند) كما يسمونه هناك لهذه الحرب مع الأهالي ليلا، وكيف طبقوا تعليماته حرفيا، فاستطاعوا الانتصار على الجيش الإسباني بعزيمة وإرادة قل نظيرهما. كما تعرفت في هذه الفترة على جل مدن المنطقة وحواضرها: الحسيمة- إيمزورن- بني بوعياش- قاسيطة- ميضار- تافرسيت- الدريوش- ابن الطيب- بودينار- إيفرني- إجرماوس- تفرسيت- تمسمان- العروي- بني انصار- فرخانة- قرية أركمان- الناظور- راس الما- سلوان- تاويمة- زايو- ازغنغان. وخبرت أبناء جلدتي لما يفوق الخمسين سنة في الحياة، مارست خلالها العمل النقابي والسياسي والصحفي والجمعوي(ديال بالصح وبالنيَّة)، قبل أن أرمي الحمل عن كتفي طواعية وأتفرغ للقصة والقصيدة، للسرد والشعر، وأصبحت بالتالي لا أرى العالم إلا من خلالهما. اعلموا أحبتي حفظكم الله أن المغرب بلد مختلف في كل شيء، في تاريخه وجغرافيته، في تركيبته البشرية وطبيعة سكانه السيكولوجية، الإنسان المغربي زئبقي ومزاجي الطبع أكثر من كل البشر، ينفلت من قبضة اليد مثل سمكة "النـَّهري" لأن جلده لزجٌ “من عند الله“، فلا تستطيع أي قوى خارجية مهما حاولت أن تحتويه بالسلطة أو بالمال وغيره، واسألوا أهل “البَـدو“ ممَّن جرَّبوا صيد السمك بكفـَّي اليـَدين في المجاري المائية الصغيرة التي تتفرع عن الأنهار في منطقة جبال الريف. انظروا مثلا على مدى طول التاريخ المغربي قديمه وحديثه، وعـُدوا كم واحدا شرب مياه جبال الأطلس أو جبال الريف ثم خان وطنه بعد ذلك، مهما مـُورس عليه من جبروت أو ذاق من مرارة ظلم “المْخزن“ في المملكة من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها، ستجدونهم ظاهرين فوق ومندسين تحت كل شبر من هذه الأرض الطاهرة، وفي كل مكان وزمان عبر تاريخ المغرب، لكنهم بكل تأكيد: قليلون وأقلاء وإن كثروا...װ أقول هنا لمن يريد الاصطياد في الماء العَكر: (نحن وإن جار الزَّمان لبُرهَة ═ نبقى الكبَارُ وغيرُنا أقزام) - نحن أوفياء وسنبقى كذلك لهذا البلد السعيد، نتصالح مرة ونختلف فيه مَرَّات، لكن لن نصل بحول الله إلى حـَدِّ الخلاف، فلا يُراهن أحد في الداخل أو الخارج منذ اليوم على شيء يُخالف طبعنا وطبيعتنا في هذا المغرب الجميل، سنحبُّه وإن جَار علينا ‼
#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جمعية أصدقاء المكتبة الوسائطية بفاس تحتفي بتجربة الأستاذ الد
...
-
مواعيد ثقافية: “استضافة كاتب“
-
نَدوة دَولية بفاس تُسائل ”رهانات عَودة المَغرب للاتحاد الإفر
...
-
حَدائق جْنَان السّْبيل بفاس تحتضن فعاليات”مُلتقى المَغرب الش
...
-
الشاعر الواعد عبد المنعم رزقي يفوز بمسابقة ” تجارب شعرية” لل
...
-
الآن عرفت...!
-
جمعية أصدقاء المكتبة الوسائطية - لافياط - بفاس يستضيفون د. ع
...
-
فاس العَالمة، فاس السَّائِبَة !!
-
جمعية أصدقاء المكتبة الوسائطية بفاس تحتفي بتجربة الأنتروبولو
...
-
لقاء تشاوري بين جمعية أصدقاء المكتبة الوسائطية بفاس وإدارة ا
...
-
عُْرْيُ مَسَاء خَريفي
-
حلقة الفكر المغربي بفاس تعلن عن الأسماء الفائزة بجوائزها الت
...
-
الداعية مايسة سلامة الناجي تكتب عن: ”الخرائي...”
-
قصة قصيرة جدا: بَغلٌ وصَفيحَتا ذهَب
-
زَهرةُ المُروج
-
ندوة دولية بفاس حول حوار الحضارات: العنف والتسامح
-
غُرُوب
-
إبراهيم ديب يُوقع ”جوادٌ ليس لأحد” في طنجة
-
اصْفِرَارُ اليُتم فيك
-
حَفِيدُ البَيْدَر
المزيد.....
-
الرئيس المصري يتلقى دعوة لحضور احتفالات الذكرى الثمانين للنص
...
-
روبيو: علينا أن نمارس مزيدا من الضغط على إيران
-
روبيو: وكالة USAID تقوض عمل الحكومة الأمريكية
-
طلاب من جامعة كولومبيا يقاضون الإدارة بعد إيقافهم بسبب مظاهر
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في خمس مقاطعات أوكرانية
-
مصر.. تفاصيل حكم ببراءة نجل الداعية الشهير محمد حسان في قضية
...
-
خبير عسكري: القوات الأوكرانية تعاني من مشكلة على خط الجبهة و
...
-
روبيو: الولايات المتحدة تدرس فرض إجراءات إضافية ضد الصين
-
فون دير لاين: الاتحاد الأوروبي سيرد على واشنطن بشكل صارم في
...
-
فيتالي نعومكين: أجد صعوبة في تصديق أن إسرائيل ستتخلى عن ممار
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|