|
مخطوطات على ورق البردي – قصة قصيرة
حسين علي غالب
الحوار المتمدن-العدد: 1447 - 2006 / 1 / 31 - 08:51
المحور:
الادب والفن
أدق باب بيت جارنا ..!! و يفتح الباب و إذ جارنا ترتسم عليه ابتسامة كبيرة فرحا لرؤيتي و قال لي بصوت مرتفع : أهلا و سهلا بك هيا تفضل بالدخول. فأتقدم بخطوات سريعة و دخلت لبيته و أشر بيده على سجادة مفروشة على الأرض و قال لي : أجلس هنا . فتقدمت و جلست و جلس جاري بقربي و بدأت بفتح الحديث معه قائلا له : لقد علمت بأنك مريض فخيرا ما بك . ارتسمت على وجه جاري علامات الحزن و بدأ بالحديث قائلا : أنا لست مريض و لكنني متعب للغاية فعملي شاق و مرهق و لا أستطيع تحمل تكاليف الحياة الباهظة . أرد عليه قائلا : أنا مثلك و لكن ليس بيدنا حيلة ..؟؟ يرد الجار قائلا : و لكن أود أن أطلب منك طلبا متواضعا و أرجو أن تلبيه لي من دون تردد أو تأخير ..؟؟ أرد عليه قائلا : بكل تأكيد أطلب ما تشاء فنحن جيران و كذلك أصدقاء منذ وقت طويل . فيرد جاري قائلا : أنت تعمل في مكتبة لبيع القرطاسية أليس كذلك..؟؟ فأرد قائلا له على الفور : نعم هذا صحيح. فيرد جاري قائلا : كان والدي خطاط و قد علمني مهنته عندما كنت صغيرا و ترك لي كمية هائلة من ورق البردي و في وقت فراغي أقوم بكتابة أبيات شعرية و أمثال مختلفة على ورق البردي القديم الذي أملكه بمختلف أنواع الخطوط التي تعلمتها من والدي . فأرد عليه قائلا : و ما هو المطلوب مني بالتحديد ..؟؟ يرد جاري بالقول : أرجو أن تأخذ مني ورق البردي و تعرضه بمكتبتك عسى أن يشتريه أحد ..؟؟ أرد قائلا : رغم أنني غير مقتنع بفكرتك و ما تطلبه و لكنني سوف أنفذه إكراما لك . ترتسم على وجه جاري ابتسامة كبيرة و يقول لي : أنتظر قليلا سوف أذهب و أجلب لك أوراق البردي . فيذهب جاري و يعود بصندوق خشبي قديم مليء بأوراق البردي و يقول لي : هذا الصندوق فيه سبعين ورقة بردي كتبت عليها أبيات شعرية و أمثال مختلفة و هي كل ما أملك من أوراق البردي . أبتسم لجاري و أقول له : أبشر و سوف أخذ صندوقك الآن و أذهب حالا لكي أضع أوراق البردي على واجهة مكتبتي الزجاجية . فأمسك و أحمل الصندوق الخشبي بيدي و أودع جاري و أخرج من بيته متوجها بخطوات بطيئة نحو مكتبتي . و أنا في طريقي لمكتبتي كانت هناك فكرة أفكر فيها وهي لماذا لا أرمي أوراق البردي و أعود لجاري و أقدم له مبلغا من المال كمساعدة له و أدعي أنها من بيع أوراق البردي ..؟؟ و لكنني وعدت جاري بأن أعرض أوراق البردي في مكتبتي و من المعيب أن أخلف وعدي الذي قطعته له فوصلت لمكتبتي و قررت تنفيذ وعدي و أن فشلت ببيع أوراق البردي أقدم له أنا مبلغا من المال كنوع من المساعدة البسيطة له . دخلت لمكتبتي و أخذت شريطا ورقيا لاصقا و أخذت عدة أوراق من الصندوق لكي ألصقها على واجهة مكتبتي و عندما انتهيت دخلت للمكتبة منتظرا أي زبون يأتي لمكتبتي . مرت عدة ساعات و أنا بعت فقط عدة أقلام رصاص لطلاب المدرسة الصغار و إذ وجدت رجل مسنا يقف و يطالع أوراق البردي بدقة متناهية و بعدها دخل على المكتبة و قال لي : مرحبا هل أوراق البردي هذه للبيع أم أنها للعرض فقط ..؟؟ أرد عليها قائلا : نعم للبيع و هناك غيرها الكثير . فيرد الرجل المسن قائلا : كم عدد أوراق البردي التي تملكها ..؟؟ فقالت على الفور : سبعين ورقة بردي مع هذه الأوراق المعلقة على واجهة المكتبة . فيرد الرجل المسن قائلا: أنا سوف أشتريها جميعها مهما كان الثمن . بعد سماعي لكلام الرجل المسن و استغرابي قالت له : و لكن ماذا تفعل بأوراق البردي..؟؟ فيرد الرجل المسن قائلا : أنها فن جميل و أنا أعشق هذا الفن . بعد انتهاء كلام الرجل السمن أجمع أوراق البردي و أعيد الأوراق التي لصقتها للصندوق و قدمتها له فقال لي : كم تريد ثمنا لها ..؟؟ قالت له : أنا لا أعرف ثمنها و لكن أي مبلغ تقدمه لي سوف أقبله . فيخرج الرجل المسن دفترا للشيكات من جيبه و يقول لي : ما أسمك ..؟؟ فذكرت له أسم جاري لأنه هو صاحب أوراق البردي وهو من يستحق المال . فبدأ بكتابة شيك و اعطاني أيه و من ثم قال لي : هذا ثمن أوراق البردي . فأخذت الشيك من الرجل المسن و وضعته بدرج المال من دون أن أرى المبلغ الذي حدده بالشيك لأنني غير مهتم بأوراق البردي . و خرج الرجل المسن من المكتبة و علامات الفرح تغمره و كنت أنا أيضا أشعر بفرح لأنني تخلصت من أوراق البردي مهم كان الثمن الذي وضعه بالشيك . حان وقت الغروب و هذا الوقت يدل على انتهاء عملي ففتحت درج المال و جمعت النقود القليلة و وجدت الشيك فأمسكت بالشيك و نظرت إليه و إذ الحيرة و الاستغراب و التعجب يغمرني فالمبلغ المذكور في الشيك هو مليون دينار…!! و إذ أجد جاري يدخل على مكتبتي و يقول لي : أين أوراق البردي ..؟؟ و أنا ما زالت واقفا و مصدوما و الشيك بين يدي فقالت له : لقد بعت كل أوراق البردي و هذا الشيك ثمنا لها . فتقدم جاري نحوي و أخذ الشيك من يدي و علامات التعجب و الذهول ارتسمت على وجهه بعدما قراء الشيك فقال لي بصوت متقطع : مليون دينار لي مقابل أوراق البردي أن القدر أخيرا أبتسم لي بعد تعبا طويل . فقالت له : نعم كلامك صحيح . فنظر جاري لي و قال : و أيضا أبتسم لك القدر ..؟؟ فقالت له : أنا فقير و هذا ما جنيته من عملي عدة ساعات في البنك . فأخرجت المال الذي جنيته من عملي من جيبي و عرضته إمامه فقال جاري لي : لا أن نصف هذا المبلغ هو لك . فقالت لجاري : ماذا لي و لكن أوراق البردي هيا ملكك أنت ..؟؟ فيرد جاري قائلا : و كذلك أنت عرضت أوراق البردي في مكتبتك و وضعت أسمي في الشيك و كان بإمكانك أن تأخذ كل المال و تعطيني القليل منه فلذلك نصف المبلغ هو من حقك و أنت تستحقه فلذلك قالت لك أن القدر أبتسم لك أيضا .
#حسين_علي_غالب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاختلاف بين الحكومة القادمة و سابقاتها
-
الحروب و الظروف لا توقف مسيرة الحياة
-
العمل التنظيمي الإرهابي و بقايا البعث
-
الجيش العراقي اليوم و وضع الجيش سابقا
-
لكي لا نعيد خطأ عبد الكريم قاسم
-
نصف مبتور من مجتمعنا
-
تشجيع القطاعات الخاصة و مؤسسات الدولة
-
الشأن البيئي شأن جديد في العراق
-
الصندوق المدفون – قصة قصيرة
-
كلام لا يقبله عقل ولا منطق
-
صحف و مواقع انترنيت – قصة قصيرة
-
بين المحافظة و التطوير على ما نملك
-
السفر أصبح الحل لمشاكل العراقي
-
العراق و وصوله لمرحلة الإدمان على المخدرات
-
مجرد حالة تعبيرية
-
عربة الخضراوات – قصة قصيرة
-
القبر – قصة قصيرة
-
شعب محروم و ثروات كثيرة
-
السارق – قصة قصيرة
-
الديمقراطية تلك التجربة الجديدة
المزيد.....
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|