أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - حسين علي الجبوري - جزر النساء حكايه اللاوعي عن عصر سيادة المراة















المزيد.....



جزر النساء حكايه اللاوعي عن عصر سيادة المراة


حسين علي الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 1446 - 2006 / 1 / 30 - 06:39
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


في البداية:
تخيل انك انحطمت بك سفينة كتلك المنكودة ( تيتانك) وكنت الوحيد من الناجين وقد جرفك الموج إلى جزيرة ورحت في غيبوبة من الوعي نائما على الساحل فتستيقظ على أصوات عذبة ناعمة فتنظر فإذا حولك جمٌّ من الفتيات الفاتنات، انكببن عليك، واحدة تفرك رجليك وواحدة تربت خديك و أخرى تمسد جبينك والرابعة تدفع إلى فمك من أنفاسها ( قبلة الحياة ) ثم تُحمل في محفة وهن يحففن بك و كأنما عثرن على صيد ثمين. ثم تعلم بعد أن تعود إلى رشدك أن هذه الجزيرة منعزلة عن العمران وأن مجتمعها كله من النساء وأنت الرجل الوحيد بها ، فكيف تتصور حياتك بينهن ؟
على الأغلب ستقول أنني سأكون في الجنة التي وعد الله بها المتقين، بين ماء وعيون وث مر جني وحور عين، ولكنني أعتقد أنك ستكون من الواهمين وستلعن التيار الذي قادك إليهن وتتمنى لو تنقل إلى الجحيم و لا تبقى في هذا النعيم وذلك لجملة أسباب:
الأول: هو أنك سوف لن تملك من أمرك شيئا في دوله النساء هذه حيث ستكون ملكا لهن جميعا، يتعاورن فيما بينهن على امتلاكك للخصوبة بالتناوب. فإن قلت: هذا لا يهم فانني أتمتع، فأقول إن متعتك سوف تقف عند حدود طاقتك الرجولية فإن تلاشت طردت من مجتمعهن أو ربما قتلت مثلما يفعل بالذكر في مجتمع النحل.
السبب الثاني: هو أن أولادك الذين يأتون من صلبك سيكون مرجعهم إلى النساء اللواتي تواصلت معهن فيسمون بأسمائهن و ليس لك من حق عليهم فلا يذكر اسمك بعدهم فيطمس ذكرك.
الثالث: إذا شاء حظك العاثر أن تختص بك واحدة منهن فسيكون اسمك مقترنا باسمها و يمحى اسم أبيك أو عشيرتك من (السجلات ) الشفاهية، فإذا كانت فتاتك( ليلى) مثلا و كنت قيس بن الملوَّح العامري فستكون ( قيس ليلى ) فحسب. أما إذا كان اسم فتاتك ( بثينة) كمثلٍ آخر وكنت(جميل بن معمر) فسيكون اسمك حسب الأعراف الاجتماعية ( جميل بثينة ) وهكـذا دواليك فـــي ( كثيّر عزة ) و( قيس لبنى ) و غيرهم.
أما إذا لم تحظ بواحدة تختارك خدنا لها فعند ذلك تُلصق باسم أمك فإذا كان اسمها ( شعوب ) فأنت ابن شعوب و إذا كان اسمها (غزاله) و كنت الشاعر ربيعه بن عبد الله فسيكون اسمك(ربيعة بن غزالة) وحتى لو كنت الحافظ المشهور (احمد بن عبد الحليم) فستسمى (ابن تيمية) لاسم أم احد أجداده. وهكذا في السليك (ابن السلكة) و شرحبيل (ابن حسنة) والرماح (ابن ميادة) وعاصم (ابن بهدلة) و محمد ( ابن الحنفية ) وهو ابن العلم المعروف الإمام على ابن أبى طالب (ع ) وكذلك الشاعر الأديب محمد (ابن حبيب) فانه نسب إلى –حبيب- وهى أمه و كل هذه الاسماء تدلل على وجود وشل من عصر سيادة المرأة متشبث بتقاليد الأزمنة اللاحقة.
وأما الأمر الرابع: وهو الادهى فانه أمر ( العبادة ) حيث يتوجب عليك أن تتعبد بديانتهن التي تقوم على تأليه ( الأم الكبرى ) الممثلة لهذا المجتمع و تسجد لها لأنها تعتبر الخالقة والواهبة والشافية والحكيمة والساحرة . الزروع تنمو بفضلها فهي التي اكتشفت الزرع وهى شجرة الحياة وسيدة المخلوقات فهي كل شيء. هي ( أنانا و عشتار) في العراق و( نوت وإيزيس) في مصر و(ديميتر وارتميس وافروديت) في اليونان و( ديانا و فينوس) عند الرومان و( اللات والعزى و مناة) عند العرب و( كالى ) في الهند إلى غير ذلك من النساء والآلهات ( عن/ لغز عشتار/ فراس السواح ).
1
عصر المرأة في الأساطير:
لقد أثبت علماء الانثروبولوجيا والفولكلور وعلماء النفس أن البشرية مرت بعصر سبق عصرنا ( البطريركي ) الحالي تميز بسيطرة المرأة على كل مقومات المجتمع ونشاطاته الثقافية والاجتماعية. وقد اعتمد هؤلاء على قراءة آثار عينية خلفها ذلك العصر واستقراء طبائع سلوكية من طبائعه السالفة لا تزال متشبثة بعصرنا. كما أنهم اهتدوا إلى وجوده من خلال تحليل ما في الذاكرة الاجتماعية من قصص و حكايات وأساطير تشير إلى ذلك العصر الذي أطلقوا عليه اسم (العصر المتريركي ) كانت فيه المرأة أم المجتمعات و لم يكن للأب فيه دور يذكر.
وفى الواقع إن ذاكرة الإنسان تختزن في طواياها ما مر عليه في طفولة حياته الأولى من مؤثرات نفسية ودينية واجتماعية وتبقى هناك ثابتة لا يمحوها تبدل الأفكار ولا تغير الأحوال وتظهر في بعض الأحيان في أحلامه وفي أحيان كثيرة في أساطيره التي هي بمثابة سرد يستبطن الحوادث التاريخية الكبيرة التي مرت عليه كما يقول ( شتراوس ) في ( الأسطورة و المعنى ).
فمن جملة هذه الأساطير ذات المعنى التاريخي المتصل بالعصر المتريركي حكايات عن جزر سكانها من النساء و ليس بينهم رجال. و قد وردت كإفادات عن شهود عيان شاء لهم الحظ العاثر أن تجنح بهم سفنهم إلى تلك الجزر فعاشوا فيها وانداحوا في ملاذها حيث انتهوا إلى الموت بعد أن استنفدت منهم طاقة الحياة.

الموت اللذيذ:
وأكثر الناس تعرضا للوقوع في فخ هذا الموت اللذيذ هم البحارة. و لم يكونوا يستطيعون أن يمنعوا أنفسهم من الرسو على تلك الجزر لأن إغراءات نسائها كانت شديدة تأخذ بعقولهم و ألبابهم. حيث كن يقفن على الساحل و يستعرضن أجسامهن العارية الجميلة أمامهم ويلوحن بأيديهن إليهم و يغنين أعذب الغناء المثير لاستدراجهم. فإذا ما شاهد المبحرون هذا الإغواء وهم بعيدو عهد بالنساء انجذبوا إليهن بدون وعى ووجهوا السفينة نحوهن فيكون آخر العهد بهم. وقد ينجح احدهم بالخلاص منهن بأعجوبة فيعود إلى وطنه فيتحدث الناس بما حدث له فيتعجبون منه و قد يقول بعضهم: يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما.
و يطلق اسم ( حوريات البحر ) على هاتيك النسوة وقد سمين بالسيرنيات (Sierensٍ) في الميثولوجيا اليونانية وجاء ذكرهن في ملحمة هوميروس المعروفة بـ (الأوديسة) في القسم الخاص بعودة البطل (يوليسيس) أو(اوديسيس) إلى موطنه بعد عشر سنين من سقوط طروادة، فان هذا البطل كان على علم بخطورة السبرينات على بحارته ولم تكن العودة تتم دون المرور بجزيرتهن ولكنه استطاع أن يعبرها متبعا إرشاد الساحرة (سرسه cerce) التي نصحته بان يضع الشمع في آذان رفاقه البحارة. أما هو فقد ربط نفسه بسارية السفينة بالحبال لكي يسمع أصواتهن الشجية دون خطر عليه.
وتبعا لأسطورة أخرى تقول إن عصبة الأبطال (الاركونوتس) (Argonauts) الذين أبحروا بالسفينة (اركو) (Argo) تخلصوا من السبرينات بواسطة الموسيقار (اورفيوس) الذي قام بالعزف ثم غنى (لاركو) غناء عذبا غطى على غناء الحوريات.


مصادر الحكايات:
وفى الغالب تكون كتب الرحلات البحرية ابرز المصادر في إيراد تلك الحكايات وعلى الرغم من أنها تجنح إلى افتعال الخيال للتشويق والإثارة فان العلماء و خاصة علماء الجغرافية
2
والتاريخ والانثروبولوجيا يولونها اهتماما كبيرا لكونها عندما توضع على محك النقد يستخرج منها الكثير من الحقائق عن الأمكنة والشعوب التي تحدثت عنها. يقول ( كراتشوفسكى ): (( لقد اثبت العلم أن من الخطل اعتبار القصص البحرية أسطورة خرافية تدور حوادثها خارج حدود الزمان والمكان فقد استبان من أبحاث ( رينو) و( دي خويه) و( فيران) أن أسفار السندباد البحري مثلا قد انبعثت حوالي سنة (900م) و يرجع كازانوفا تاريخها بالتحديد إلى عصر الرشيد أما مسرح حوادثها فهو الهند وأرخبيل الملايو، وقد أمكن تحديد أماكن بعض حوادثها بالكثير من الدقة )). ( تاريخ الأدب الجغرافي العربي /1/142).
ولقد وجدنا أن اشهر الحكايات الخاصة بجزر النساء، حكاية مفصلة وردت في كتاب ( عجائب الهند ) للربان ( بزرك بن شهريار) وكان من مشاهير (النواخذه) (الربابنة) وأصله من ( رامهرمز) على الساحـل الفارسـي من الخليج العربـي وهذا كل ما يعرف عنـه وتعود قصصه إلـى الفترة مابيـــــن
(228-342هـ)(900-953م)، وهذه الفترة سبقت مرور الرحالة الفينيسي (ماركو بولو) الذي سار على نفس الخط الذي تحدثت عنه الحكاية السابقة ابتداء من احد المرافىء الصينية عـام (1292م) حيث أشار في مذكراته إلى وجود جزيرة للنساء كذلك قرب جزيرة (سقطرى) العربية (رحلات ماركو بولو/6).
ونظرا لخطورة كتاب بزرك بن شهريار فقد اهتم الغربيون به فقام بنشره محققا ( فان درلث) الهولندي مع ترجمة فرنسية قام بها ( مارسل دفيك ) وطبع الأصل والترجمة معا في ليدن بهولندة (1883-1886) (( من رحلات العرب / المقدمة/ نقولا زيادة/ 13)).
ويغلب على قصص الكتاب الطابع الأدبي الذي يستملك عواطف القارىء ويتغلب على نفسه ويذكره بليالي العرب، ليالي ( ألف ليلة و ليلة ) وعلى هذا يمكن أن تندرج ضمن القصص الملاحية كأمثال قصص السندباد البحري وغيره.
ومع هذا فإننا لا يمكن أن نغمط حق الحكاية من وجود نوافذ فيها تطلنا على بعض الحقائق وذلك مقارنة مع ما ذكره ( ماركو بولو ) في رحلته ومقارنة كذلك مع ما جاء في أساطير اليونان عن (النساء الامازونيات) اللواتي حكمن في أراضي ( سيكيثيا Segthia ) في الجنوب الشرقي من أوربا بحدود سنة ( 800 ق.م ) كما سنفصله لاحقا.

الرحلة إلى جزيرة النساء:
ينقل لنا ( بزرك بن شهريار ) حكاية جزيرة النساء نقلا شفاهيا عن الناخذا ( أبى الزهر البرختي ) ويقول عنه انه كان من عظماء أهل (سيراف) وكان مجوسيا على دين أهل الهند، وكان عندهم أمينا يقبلون قوله ويستودعونه أموالهم وأولادهم فاسلم وحسن إسلامه و حج بمخاطبته ( كذا)، الأرجح (بخطبته) امرأة من جزيرة النساء. ومعنى هذا أن الناخذا ( أبا الزهر) قد الم بهذه الجزيرة وتزوج من إحدى نسائها واستدرجها إلى الإسلام، أما كيف جرى ذلك فلم يظهر في القصة وإنما الذي ظهر فيها أن شيخا من أهل الأندلس هو الذي قام بالعملية وأن قصة الرحلة قد حدَّث بها ( أبا الزهر) شخصٌ آخر كان مسافرا في مركب له عظيم ومعه فيه خلق من أخلاط التجار من كل بلد وهم يسيرون في بحر ( ملاتو )( لعله ملايو) وقد قربوا من ارض ( صين ).
ويمضى ( البرختي ) قائلا: فلم يشعروا إلا وريح قد خرجت عليهم من الجهة التي يقصدونها فلم يسعهم إلا الانصراف معها حيث توجهت، وركبهم من هول البحر ما لا طاقة لهم به، ومرت بهم الريح إلى سمت سهيل. ومن اضطر في ذلك البحر إلى أن يصير سهيل على قمة رأسه فقد دخل بحرا لا رجعة فيه وتنكس في لجة هابطة إلى الجنوب مصوبة إلى تلك الجهة. فكلما مرت الموكب علا ما وراءها من جهتها، وهبط ما بين يديها من تلك الجهـــة. فلا تستطيع الرجوع بريح عاصـــف ولا غيره
3
وهوت في لجج البحار المحيطة... ودخل عليهم الليل واظلم وادلهم وحال بخار البحر ودجنته ونداه وزخره بينهم وبين النجاة فلم يروا ما يهتدون به، و هول البحر وأمواجه ترفعهم إلى السحاب وتخفضهم إلى التراب، وهم يجرون في قار وضباب طول ليلهم وأصبح عليهم الصباح فلم يشعروا به لشدة ظلمة ماهم فيه واتصال قار البحر مع ضباب الجو وغلظ الريح و كدورته.
فلما طال عليهم الليل وهم يجرون في قبضة الهلكة قد احكم عليهم الريح العاصفة والبحار الزاخرة والأمواج الهايلة ومركبهم ينط ويئن ويتقعقع ويتتعتع، توادعوا وصلى كل منهم إلى جهة على قدر معبوده لأنهم كانوا شيعا من أهل الصين والهند والعجم والجزاير واستسلموا للموت، و جروا كذلك يومين وليلتين لا يفرقون فيهن بين الليل والنهار.
فلما كانت الليلة الثالثة وانتصف الليل، رأوا بين أيديهم نارا عظيمة قد أضاء افقها فخافوا خوفا شديدا وفزعوا إلى ربانهم وقالوا: له يا ربان ما ترى هذه النار الهايلة التي ملأت الآفاق ونحن نجرى إلى سمتها وقد أحاطت بالأفق، والغرق أحب إلينا من الحريق. فبحق معبودك ألا قلبت بنا المركب في هذه اللجة والظلمة لا يرى احد منا الآخر ولا يدري ما كانت ميتته ولا يتجرع لوعة صاحبه وأنت في حل وبل مما يجري علينا، فلقد متنا في هذه الأيام والليالي ألف ميتة، فميتة واحدة أروح. فقال لهم: اعلموا انه قد يجرى على المسافرين والتجار أهوال هذا أسهلها وارحمها، و نحن معشر الربابنة علينا العهود والمواثيق أن لا نعرّض سفينة إلى العطب وهي باقية لم يجر عليها قدر. و نحن معشر ربابنة السفن لا نطلعها إلا وآجالنا وأعمارنا معنا فيها فنعيش بسلامتها ونموت بعطبها. فاصبروا واستسلموا لملك الريح والبحر الذي يصرفهم كيف يشاء.
قال الراوي: فلما ايسوا من الربان ضجوا بالبكاء والعويل وندم كل منهم شجوه. و صار الربان إذا أمر مناديه أن ينادى رجاله بجذب حبل أوارخايه ليصلح شان المركب فلا تسمع الرجال ذلك من دوي البحر وحس تلاطم الأمواج وهدير الرياح في القلوع والشرع والحبال وضجيج الخلايق. فاشرف المركب على التلاف بعطلة الرجال وعدة المركب من غير حادث عليهم من بحر أو ريح.
وكان في المركب شيخ مسلم من أهل( قادس) ( جزيرة غربي الأندلس) قد طلع إلى المركب في ازدحام الناس عند طلوعهم ليلة السفر ولم يشعر به ربان المركب. وكان في زاوية من المركب مهجورة وهو مختفي فيها خوفا من أن يعلم به فيوبث ويوبخ. فلما رأى القوم وما نزل بالناس وما هم عليه من الإخطار بأنفسهم ومركبهم، رأى أن يخرج إليهم فيكون من حاله معهم ما كان. فخرج إليهم وقال لهم: ما شأنكم ؟ انفتح المركب ؟ قالوا لا، قال: فانكسر السكان ؟ قالوا:لا، قال: فركبكم البحر ؟ قالوا: لا، قال: شأنكم ؟ قالوا له: كأنك ليس معنا في المركب، ما تنظر هول هذا البحر وأمواجه وظلمة الهواء الذي لم نر معه نهارا ولا شمسا ولا قمرا ولا نجوما نهتدي بها؟ .......
قال: فأوصلوني إلى الربان. فأطلعوه إليه، فسلم عليه بالهندية. فرد عليه ويعجب منه لأنظاره له، وقال له: من أنت ؟ من التجار أم من أتباعهم فلا نعرفك في رجال المركب ؟ قال له: ما أنا من التجار ولا من أتباعهم. قال: فمن أطلعك وما بضاعتك ؟ قال له:أما من أطلعني فاني طلعت في جمهور الناس ليلة الإسراء، (أي إسراء الظلام ) وآويت إلى مكان في المركب. قال: فمن أين تأكل ومن أين تشرب ؟ قال: كان (بانيان المركب ) يضع كل يوم قريبا منى صحفة أرز بسمن لملايكة المركب ومنشل المركب ماء، فكنت أتقوت بذلك، وأما بضاعتي فقربة عجوة(1)، فتعجب الربان منه و اشتغل الناس بسماع ***************************************************************
(1) العجوة: نوع من أنواع التمر وهو أجوده وتشتهر المدينة المنورة به وقيل انه من غرس النبي (ص) (الخلاف/الشيخ الطوسي/3/70) ويبدو أن الشيخ الاندلسي تزود منه رحلته البحرية لاحتوائه على عناصر غذائية متكاملة بسبب ما شاع عنه من أخبار، فقد قيل انه يشفي من السم ويعطى للنفساء ويوصف لاشتداد الوجع وقيل إن العجوة أم التمر وهي التي انزلها الله لآدم من الجنة (جواهر الكلام/الشيخ الجواهري/36/487). وكانت الدراهم تصرف مقابلة بالعجوة وبالعكس وكان الإمام علي (ع) يثرد له الخبز والزيت وتمر العجوة فيجعل له منه ثريدا ويأكله.

4
حديثه الذي قال فيه: يا ربان لا باس عليك ولا خوف، نجوتم بقدرة الله. هذه جزيرة يحيط بها ويكتنفها جبال يكسر عليها الأمواج بالبحار المحيطة بالأرض، فتنظر في الليل نارا هايلة مرجفة يخافها الجاهل. فإذا طلعت الشمس ذهب ذلك المرأى وعاد ماء. وهذه النار ترى في بلاد الأندلس وقد عبرت عليها مرة وهذه الثانية.
فتباشر الناس وسكنوا إلى قول الشيخ وتناولوا طعامهم وشرابهم وذهب ما كانوا فيه من الغم والخوف وتناقص الريح وصار البحر رهوا والريح رخوا وقدموا على الجزيرة مع شروق الشمس وأصبحت السماء واشرفوا على الجزيرة وتخيروا مرسى كنينا، ووردوا الجزيرة بجملتهم ويطرحون أرواحهم على الرمال ويتمرغون على الأرض شوقا إليها ولم يبق في المركب منهم احد، فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم نسوان من داخل الجزيرة لا يحصي عددهم إلا الله تعالى فوقع على كل رجل ألف امرأة أو أكثر فلم يلبثوا أن حملوهم إلى الجبال وكلفوهم الاستمتاع بهن. فلم يزالوا على ذلك وكل من قويت على صاحبتها أخذت الرجل منها والرجال يتماوتون من الاستفراغ أولا فأولا وكل من مات منهم يتواقعن عليه....فلم يبق منهم سوى الشيخ الاندلسي فانه جاءته واحدة فكانت تزوره في الليل فإذا أصبح أكنته ( خبأته) في موضع قريب من البحر وجاءت له بشئ تقوته به. فلم يزل كذلك إلى أن انقلب الريح من تلك الجزيرة إلى الجهة التي خرج المركب منها من الهند فاخذ الشيخ قارب المركب الذي يسمى ( الفلو ) ووضع في الليل ماء وزادا. فلما فطنت به المرأة أخذت بيده وجاءت به إلى موضع فنبشت التراب بيديها عن معدن تبر فنقلت هي وهو منه ما صبَّر به القارب وأخذها معه وأسرى عن عشرة أيام وإذا هو بالبلد التي خرج المركب منها فأخبرهم الخبر وأقامت المرأة معه إلى أن تفصحت وأسلمت ورزق منها الأولاد. وسألها عن تلك النسوان التي في الجزيرة وانفرادهم دون الرجال، فقالت له: نحن أهل بلاد واسعة ومدن عظيمة محيطة بهذه الجزيرة، ومسافة مابين كل بلد من جميع بلادنا وبين هذه الجزيرة ثلاث أيام بلياليها و كل من في أقاليمنا ومدننا من الملوك والرعايا يعبدون هذه النار التي تظهر لهم في الليل في هذه الجزيرة ويسمونها ( بيت الشمس)، لأن الشمس تشرق من طرفها الشرقي وتغرب في جانبها الغربي، فيظنون أنها تبيت في هذه الجزيرة، فإذا أصبح وأشرقت الشمس من جانبها الغربي وأمسى، ظهرت النار فيقولون: هي هي فيعبدونها ويقصدونها بصلواتهم وسجودهم من ساير الجهات.
ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل المرأة في بلدنا تلد أول بطن ذكرا و ثاني بطن أنثيين، وكذلك باقي عمرها. فما اقل الرجال في بلدنا وأكثر النسوان، فلما كثروا وأرادوا يغلبون على الرجال، صنعوا لهم المراكب وحملوا منهم آلافا وطرحوهم في هذه الجزيرة ويقولون للشمس يا ربهم أنت أحق بما خلقت و ليس لنا بهم طاقة. فابقوا فيها ويتماوتوا فيها بعضهم على بعض. وما سمعنا ولا مر بنا احد من الناس غيركم ولا يطرق بلادنا احد على مر الأزمنة وان بلادنا في البحر الأعظم تحت سهيل و لا يقدر احد يجيئ إلينا فيرجع، ولا يجسر احد يفارق الساحل والبر خوفا من أن تشربه البحار وذلك تقدير العزيز العظيم. ا.هـ

نشوء دولة النساء:
تلك هي جزيرة النساء وهي كما رأيتها تقبع وسط ظلمات كثيفة من العماء والتيه وأسوار من البحار والمحيطات المحفوفة بالمهالك والمخاطر فلا يمكن أن يتوصل إليها كل عابر. قد خفيت على حذاق الربابنة الذين جابوا تلك الأصقاع والمواقع فلم يبصروها أو يسمعوا بها. يقول ربان المركب المنكود (( والله لقد ركبت هذا البحر وأنا دون البلوغ ومع أبى وكان قد اذهب عمره في ركوبه وها أنا اليوم قد رميت ثمانين سنة ورائي فما سمعت بمن سلك هذا المكان ولا خبر عنه)) ويدلك هذا القول على أنها خارج حدود الزمان والمكان، و مع ذلك فإنها موجودة في الذهن، في ذهن

5
( الشيخ الاندلسى ) الذي برز فجأة في الحكاية و كأنما القصد منه أن يمثل الذاكرة التاريخية وما بقي فيها من تصور لمعاناة الرجل في مجتمع النساء.
ولو أننا قمنا بتحليل حديثه لوجدنا أن الجزيرة جعلت كمنفى لعزل النساء الفائضات عن الحاجة والمحدثات إرباكا في التوازن الاجتماعي للسكان في الجزر المحيطة (( فلما كثرن وأردن أن يغلبن على الرجال صنعوا لهن المراكب و طروحهن إلى هذه الجزيرة )).
أما لماذا إلى هذه الجزيرة بالذات فان الأمر يعود إلى ديانة القوم أولا وإلى وجود النار البركانية في الجزيرة ثانيا.
فديانتهم – حسب قول فتاة الجزيرة – كانت تقوم على تأليه ( الشمس ) فكانوا يقصدونها في عبادتهم وكانوا يعتقدون أنها تبيت في هذه الجزيرة التي أطلقوا عليها اسم ( بيت الشمس ) ودليلهم على ذلك ظهور النار فيها أثناء الليل فإذا ظهرت قالوا ( هي، هي ) أي الشمس فيسجدوا لها (( من ساير الجهات )) ويدلك قولهم: هي هي على تعظيمهم لها كاله فلا ينطقون باسمها إجلالا كما يفعل بعض الصوفية عندنا فينادون الله بقولهم ( يا هو... ).
ومن الطبيعي – حسب مقارنة هذه الديانة مع مثيلاتها في الديانات القديمة – أن يكون للإله المعبود في بيته من يخدمه ويوفر له حياته الجنسية فكانت العذارى تقدم للمعابد كزوجات للإله و لهذه الغاية حزم ناس الجزيرة النساء وأرسلوهن في الزوارق إلى ( بيت الشمس ) قائلين: ياربنا أنت أحق بما خلقت. وفي الواقع إن فكرة جعل البنات من حصة الإله هي فكرة عقائدية قديمة آمنت بها بعض الديانات، وأقرب من آمن بها إلينا هم العرب قبل الإسلام وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى (( ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذن قسمة ضيزى )) ( النجم /21، 22 ). فيبدو أن أولئك القوم كانوا يفعلون هذه القسمة التزاما بديانتهم فيعزلون حصة من إناثهم لالاههم ( الشمس ) وهو اله ذكر حسب منظور تلك الديانات.
ولا بد أن تنشا عن هذا العزل المتواصل على مر السنين سلطة بين زوجات الإله المتوحدات في الجزيرة فتقوم الكبيرة منهن بتولى السلطة وتحديد المسؤوليات وتقسيم العمل وتنظيم السلوك والشوؤن الأخرى، ولكن هذا لم يظهر في حديث الشيخ الاندلسى وإنما ظهر في حديث رحالة آخر هو ( ماركو بولو) عن جزيرة نسائية مشابهة تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية قرب جزيرة (سقطرى).

جزيرة النساء في رحلة ماركو بولو:
وماركو بولو هذا بحار ( فينيسي ) توصل في رحلته الأولى سنة (1275م) إلى بلاط الخان الأعظم ( قبلاى خان ) عميد الاسرة المغولية في بلاد الصين وبقي عنده معززا مكرما مدة سبعة عشر عاما ثم اشتد به الحنين إلى موطنه فأبحر من احد المرافئ الصينية في أوائل (1292م) متجها إلى البندقية مرورا بالخليج العربي فوصل إليها عام (1295م) وخلال هذه المدة جاب البحار والأقطار وكتب ما شاهده فيها في مذكراته التي تعد من أهم كتب الرحلات على الرغم مما فيها من أخبار غير دقيقة ربما استقاها سماعا.
فمن جملة ما كتبه في رحلته هذا النص الذي يقول فيه (ص226): وبعيدا عن كيزماكوران(2)
***************************************************************
(2) كيزماكوران: جاء في معجم البلدان لياقوت:كيز وبعضهم يقول (كيج) بالجيم، من اشهر مدن مكران وبها مقام الوالي وبينها وبين (تيزمكران) خمس مراحل وهي فرضة مكران وتيز بلدة على ساحل بحر مكران وفي قبالتها من الغرب ارض عمان. وذكر (شيخ الربوة) محمد بن أبي طالب (1256-1327) بلدة (تيزمكران) في تحديد حدود بحر فارس (الخليج العربي) قال: هو مثلث الشكل احد أضلاعه من البصرة إلى رأس (الجمحة) من بلاد مهرة، والآخر من البصرة إلى (تيزمكران) إلى أن ينتهي إلى الحسا والقطيف الخ........ وشيخ الربوة معاصر لماركوبولو ولكنه لم يذكر شيئا عن جزيرة النساء.
6
وعلى بعـد خمسمائــة ميل في اتجاه الجنوب وفي المحيـط توجد جزيرتـان تبعدان حوالي ثلاثين ميـــلا
إحداها عن الأخرى و يسكن الأولى رجال ليس بينهم امرأة واحدة وتسمى جزيرة الذكور وتسكن الأخرى نساء وليس بينهم رجال وتسمى ( جزيرة الإناث ) وسكان الجزيرة من جنس واحد كما أنهم يعمدون مسيحين ولكنهم يتبعون شريعة العهد القديم ( يقصد يختنون حسب الشريعة اليهودية). ثم يقول: (( ويزور الرجال جزيرة الإناث ويظلون معهم ثلاثة اشهر متعاقبة هي مارس وابريل ومايو فيحتل كل رجل منزلا منفصلا مع زوجته ثم يعودون إلى جزيرة الذكور حيث يظلون سائر شهور السنة بغير تواجد اى إناث معهم. وتحتفظ الزوجات بأبنائهن معهن حتى يبلغوا سن الثانية عشرة فيرسلون للانظمام مع آبائهم. وأما البنات فتحتفظ الأمهات بهن حتى يبلغن سن الزواج ثم يمنحنهن لبعض رجال الجزيرة الأخرى وتولدت طبيعة العيش هذه عن طبيعة الجو الخاص بتلك المناطق التي لا تسمح بوجودهم طول العام مع زوجاتهم بغير التعرض لدفع ثمن ذلك ولديهم أسقفهم الذي يتبع كرسي جزيرة (سقطرى). ويزود الرجال النساء بما يلزمهن من طعام وبذور ولكن النساء يجهزن الأرض للزراعة ويحصدن المحصول وتنتج الجزيرة أنواعا عديدة من الفواكه ويعيش الرجال على اللبن واللحم وصيد السمك حيث يصطادون منه مقادير هائلة لأنهم صيادوا سمك مهرة)).

مقومات مجتمع النساء:
انتهى كلام ( ماركو بولو ) عن الجزيرتين الأختين وعلى الرغم من انه لم يسمهما إلا انه حدد موقعهما في قوله: بان لدى سكانهما ( أسقف ) يتبع كرسي ( سقطرى ) مما يدل على أنهما تخضعان لسيطرة هذه الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي على الجانب الشرقي لخليج عدن. وبالفعل توجد جزيرتان هناك من ضمن الجزائر المحيطة بسقطرى يطلق عليهما في الخرائط الجغرافية اسم (جزيرتي الأخوين) أو (الشقيقتين)(3).
ثم يقول: اهالى هاتين الجزيرتين ( يعمدون ) مسيحيين و لكنهم ينتسبون إلى شريعة(العهد القديم) ومعنى هذا أنهم كانوا يهود ثم جاءتهم النصرانية – ربما بفعل قوة احتلالية – فنصرتهم واضطرتهم إلى ( التعميد ) أي التطهر بالماء ولكنهم بقوا على تقليد الشريعة اليهودية ( شريعة العهد القديم، التوراة ) التي توجب التطهر بالختان فصاروا يجمعون بين الديانتين.
ولكن ماذا عن الظاهرة المتشبثة بحياتهم وهى ظاهرة جعل الأولاد في عهدة أمهاتهم فترة الحضانة الأولى من حياتهم المحددة بسن الثانية عشرة ثم الفصل بينهم وإرسال الذكور إلى مجتمع الآباء في (جزيرة الذكور) وإبقاء الإناث في مجتمع الأمهات في (جزيرة النساء)؟
في الواقع إن الدافع لذلك – نستطيع أن نقول – هو ما تبقى في السلوك الاجتماعي لهذه القبيلة من تقاليد موروثة تعود إلى عصر سيادة المرأة ( الأم )على اعتبار أنها هي ( خالقة ) أبنائها و لم يكن يعرف للرجل دور في عملية الإنجاب عدا الإخصاب.
ولا شك إن الأبناء في هذه القبيلة ينتسبون إلى أمهاتهم بحكم القوانين السالفة ولكن ماركو بولو لم يشر إلى ذلك ولكنه أشار إليها ضمنا في قوله: (إن طبيعة هذا العيش تولدت عن طبيعة الجو الخاص بتلك المناطق) وهو جو ( بيئة) تقوم على شرعية حق الأمهات في تدبير شؤون أولادهم فإذا آل أمرهم إلى مرحلة البلوغ منحن بناتهن إلى الذكور في جزيرتهم للتزاوج في اشهر الخصب الطبيعية ( مارس، ابريل، مايو ) حيث ينعزل كل ذكر مع أنثاه في بيت (العرس) الذي أعده لها فإذا ما تم التزاوج عادت البنات إلى الأمهات مخصبات وإذا ما حدثت الولادات لا يعرف الأبناء آباءهم بالطبع وإنما يعرفون أمهاتهم فينتسبون إليهن. إن هذا النوع من التزاوج كان متبعا في العصور الاموميه القديمة حيث يتزامن في اغلب الأحايين مع موسم خصب الطبيعة فإذا ما تم فعلا لم يعد للذكر من فائدة
***************************************************************
(3) انظر تفصيل جغرافية جزيرة سقطرى في / دائرة المعارف الإسلامية / 11/ 470
7
في وجوده مع الإناث فيرحل طائعا أو مقهورا.
أما طبيعة العمل في هاتين الجزيرتين فيقوم على أساس تقسيمه بين الجنسين حيث يقع على كاهل
النساء مهمة الزراعة وتجهيز الأرض و حصاد المحصول بينما يقع على كاهل الرجال مهمة الصيد (فهم صيادون مهرة) كما يقول ماركو بولو وهذا التقسيم كان جاريا في الأزمنة التي سلفت ولا تزال آثاره نلمسها في العديد من المجتمعات الريفية في عصرنا.
وهكذا نجد أنفسنا أمام مجتمع ملامحه تعود إلى عصر سيادة الأم حيث ينشأ في هذا المناخ القائم على عزل الجنسين مجتمع خاص بالنساء، له مقوماته البنيوية التي تحافظ على استقلاله ودوامه ودرء الأخطار عنه لذلك ليس من المستبعد أن يظهر عند النساء فيه تخصص آخر يقع على عاتق فصيل منهن يتمثل ببروز محاربات مدربات يحافظن على كيانه لان مثل هذا المجتمع يكون مغريا للافتراس من قبل مجتمعات الرجال فحينئذ تكون الحاجة إلى تشكيل جيش من النساء إحدى المهام الضرورية لصد أطماع الغزاة.
وقد احتملنا وجود هذه الرتبة في مجتمع الجزيرة النسائية بالمقارنة مع مجتمع نسائي آخر هو مجتمع ( النساء الامازونيات ).

مجتمع النساء الامازونيات:
ورد ذكره في الأساطير اليونانية في (الياذة) هوميروس المشهورة بخاصة وهو مجتمع خال من الرجال يكاد يشبه المجتمعات النسوية التي مررنا بها. و يعتقد الباحثون أن بلدهن في إقليم ( سكيثيا Scythia ) في آسيا الصغرى على سواحل البحر الأسود. وقد لعبن دورا كبيرا في الحروب الطروادية ضد اليونانيين ( القرن الثامن ق.م ) و تروي الملاحم اليونانية قصصا عن بعض ملكاتهن واشهرهن ( بنتيسيليا) التي جاءت على راس فرقة من المحاربات لمساعدة (برياموس) ملك طروادة ولكنها لقيت مصرعها على يد البطل اليوناني (أخيل). ومنهن الملكة (لايوريستوس) التي أرسل إليها (هرقل) حملة للحصول على زنارها وأسفرت الحملة عن الانتصار عليها.
ويقال إن (ثيستوس) اشترك كذلك مع (هرقل) في حملة ضد الامازونيات واختطف ملكتهن (انتيوبي Antiope ) و تزوجها وأنجب منها ابنا هو )هيبولوتس)(4).
وقد نظمت هاتيك النسوة مجتمعهن على أساس الوحدة الجنسية فكن يطردن الرجال من بينهن، فإذا أردن الإنجاب رحن يمارسن حياة جنسية مع رجال القبائل المجاورة وبعد أن يختصبن يعدن إلى بلادهن فإذا حدثت الولادات كن يرسلن مواليدهن الذكور للعيش مع آبائهم من القبيلة المجاورة أو يقمن بقتلهم(5).و نرى هذا التنظيم يشابه ما لدى قبيلة النساء المذكورة في رحلة (ماركو بولو) عدا القتل.
ولقد أدركت الامازونيات أن مجتمعهن النسائي لا بد وأن يصبح في مجال الجذب والاستيلاء من قبل الرجال بحكم الفكرة الخاطئة عندهم عن ضعف المرأة فأثبتن أنهن عكس ذلك فدربن أنفسهن تدريبا قاسيا للحصول على اللياقة العسكرية، فارتدين ثوبا من القماش الخفيف وتمنطقن بحزام يرفع الثوب إلى أعلى الركبتين حتى لا يعوقهن عن الحركة السريعة واسبغن على الثوب نصف درع على شكل هلال واستخدمن في القتال القوس والحربة وبلطة خفيفة.
ولما وجدن أن الثدي الأيمن للمحاربة يمكن أن يعوقها عند توتير القوس فقد قمن باستئصاله بالقطع أو الإحراق فعشن بدونه ولهذا أطلق عليهن اسم(Amazon) ومعناها (بلا أثداء).
*************************************************************** (4) معجم الفلكلور / د. عبد الحميد يونس / وانظر الإحالات المؤشرة في / ص / 51
(5) Encarta Ency. – Amazon Item
8
إن وجود مثل هذه الأساطير في الآداب القديمة له دلالة أكيدة على أنها نابعة من إيحاءات حلمية مستبطنة بالوراثة في عقل الإنسان. وهذه الإيحاءات الحلمية مصدرها يعود إلى السالف التاريخي المشوب بالصراع بين الذكر والأنثى على قيادة المجتمع، وقد انتهى بانتصار أبطال اليونان الذكوريين على الملكات الامازونيات و جيشهن.

أوشال عصر المرأة في العصر الحديث:
يرى باحث الميثولوجيا المعروف ( فراس السواح): أن أسطورة النساء الامازونيات تمثل حالة الصراع بين المرأة التي تريد أن تتشبث بموقعها في قيادة المجتمعات وبين الرجل الذي اخذ يغير على هذا الموقع ليستلب القيادة منها وإن شيوع هذه الأسطورة خارج الثقافة الإغريقية ووجود شبيها لها لدى معظم الحضارات ليدل دلالة قاطعة على حدوث ذلك الصدام في المجتمعات البشرية في زمن ما من تاريخها(6).
وقوله هذا نجد مصداقيته لدى بحثنا عن هذه المجتمعات المماثلة فقد أكد الرحالة ( فرانشسكو دي ادريلانا ) انه التقى بفريق من النساء المحاربات أثناء ارتياده لأمريكا الجنوبية في القرن السادس عشر وذلك عند نهر ( مارينون ) فسمي هذا النهر باسم ( نهر الأمازون ) نسبة إلى تلك النساء الأسطوريات اللواتي ظهرن له عيانا في محيط هذا النهر.
أما في عصرنا الحالي فنجد من القنوات التي بقيت عالقة به منذ ذلك التاريخ قناة ( عسكرة النساء ) تمثلا بنظام العساكر الامازونيات ففي داهومي وهي مملكة في غرب افريقية طبق هذا النظام في قصر الملك ( اكاجا Agaja ) و قد ذكر ذلك السير ريتشارد بورتون في زيارته للملك الداهومي المذكور سنة (1720م) فقال: إن الملك قرر أن لا ينام احد من الرجال داخل سور قصوره بعد الغروب عداه، فاستخدم فرقة من النساء لحراسة البلاط الملكي في الليل، جندها من حريمه و زوجاته و قد أطلق بورتون على هذه الفرقة اسم (أمازون) وذاع الاسم عليهن بعد ذلك(7).
ثم أصبح هذا التقليد شائعا في الثقافة العسكرية الأفريقية فصار لدى الملك ( غيزو ) (1818-1859) جيش من النساء المحاربات وظفهن كفرع من الجيش النظامي (7)
ولما كان البناء العقلي للبشر متشابها لدى جميع الناس كما يقول( يونك)(8) فليس من الغريب أن نجد ما يشبه ذلك البناء في فكر الرئيس الليبي الأخ ( معمر القذافي ) الذي قام بإنشاء عسكر من (الامازونيات يحرسنه).
وإذا كان هدف الرئيس منه هو التماهي في الثقافة الإفريقية بعد أن يئس من جدوى دمج نفسه في الكيانات العربية المستهلكة فان الواقع يشير إلى انه لم ينفصل – مع ذلك – عن اسر (الشفرة الوراثية) المتأصلة في ذاته منذ عصر سيادة المرأة.
(6) لغز عشتار / 37
(7) Encarta Ency. – Amazon Item
(8) الأسطورة والمعنى/ شتراوس / ت.د شاكر عبد الحميد / 14
________________________________________


حسين علي الجبوري
كربلاء / 2005م



9



تعقيب الأستاذ جاسم عاصي


البحث تطرق إلى عالم الأنوثة باعتماد الأساطير والحكايات والنوادر مجسدا بذلك طبيعة الصراع التاريخي بين سلطة الأنوثة والذكورة. نستشف من خلال البحث، وجهات النظر، عند التحليل والاستقراء، ومناقشة مبرر الطرح، مما وفر للبحث حالة التوازن في الطرح.
ولما كان البحث يتناول الصراع هذا بأسلوب حكائي أو اسطوري، معتمدا على ما أفرزته المخيلة الإنسانية، عبر المخيلة السردية، لذا كانت لنا جملة تعليقات حوله، تعتبره نوعاً من القراءة لنص البحث باعتبارات قراءة ما وراء النص سواء كان هذا متخذا نص البحث أوالنصوص الواردة فيه منصة لذلك.
البحث أعتمد نصوصا أسطورية وحكائية، وهذه النصوص هي بمثابة خطابات ذكورية خالصة، أنتجها الرجل باتجاه عالم المرأة. لذا نرى أنها عكست جوا نيات منتجيها. فالخطاب الذكوري هذا أنتج مادته وفي مخياله ثيمة الصراع الأزلية والتاريخية والتي نراها عبر ما يأتي من ثنائيات:
ادم + حواء
قابيل + هابيل
إبراهيم الخليل + ( سارة + هاجر )
النبي لوط + أمرأة لوط
شهريار+ شهرزاد
تموزي+ عشتار
وهذه الثنائيات جسدت هذا الصراع، وتبادلت مفرداته على وفق بيانات مختلفة، لكنها بالنتيجة رشحت بنى ثقافية – فكرية. وهذا النسق من ارخنة الصراع، جسدته الأساطير على وفق سياقات ذاتية- بنيوية، تخص بنية تشكل الاسطورة أوالحكاية. لذا تبدو للرائي للوهلة الأولى على أنها خطابات تعنى ظاهر الأشياء، و لكن بالحس المعرفي تجد غير هذا. وخير مثل على ذلك هو ما ورد من ثيمات في ملحمة – جلجامش – حصرا وما جسدته حكايات- ألف ليلة و ليلة – منطلقة بذلك من مبررات توفر -شهرزاد- على ثيمة الصراع ووعيها معرفيا وثقافيا محاولة بذلك أن تقهر أفرازات سلطة الذكورة متمثلة بـ – شهريار – و ذلك بأتباع سلطة الكلام ثم السرد، بعدها المعرفة الانثويه الزاخرة بالأعاجيب، فعلى الرغم من تعدد مصادر الحكايات و تنوعها، إلا أنها تحسب إنتاجا لصالح المخيال السردى الأنثوي.
كما ذكرنا كانت الأساطير والحكايات الواردة في البحث هي من أنتاج الذكر، فهي معتمدة الإقصاء والتهميش للمرأة وسلطتها المعرفية، فجزر النساء، وأماكن تواجدهن وعزلتهم بعيدا عن عالم الرجال، هو نوع من إحكام الطوق القصدي. فالحيز - الجزيرة – هو مكان للنفي، من جهة، وجعل موجوداته – الإناث – على ارتباط بالرجال في حالة – التخصيب – فقط، حيث تفرز الولادات. تبقى الإناث في الحيز وتقصى أو تنفى الأخرى – الأولاد – إلى عالم الآباء – الرجال –. وهذا نوع من إسقاط نوع من الخلل المعرفي من الرجل إلى المرأة، باعتبارها معرفيا واحدية الثقافة، تمارس فعل الإقصاء. فالخطاب الذكوري هنا، هو نوع من إسقاط التهم وتسفيه العالم الانثوي من داخله، أي عبر إنتاجه على هذه الصورة وكأنه منتجا – ذاتيا - على صعيد الاختيار، بينما الخطاب – كما نقرأ – هو نوع من التعدي على عالم الأنثى بإسقاط وجهة نظر مشوهة. من هذا نرى أن هذه الأساطير جسدت ما
10
يأتي:

وجود - الجزر X إخصاب

اكتفاء ذاتي حاجة للرجل ( الإنجاب )


ذكوري قصصي إلى جنس الرجال
أنجاب
أنثوي – دائم البقاء مع الجنس

لذا نرى إن فعل الإقصاء، سواء الإقصاء الأول – الجزر – أوالإقصاء الثاني – الولادات الذكورية- ، هي ليست من إنتاج الأنوثة، بل هي أنتاج ذكوري، يتعمد الحط من عالم النساء.
إن اختفاء خاصية – عسكرتارية – على عالم ألأنثى، يعني إقصاء فتنة الجسد، وتقديم بد يل مزدوج يخترع له مصطلحا هو – الانثورجولي - فهو مرة جسد محارب وفي أخرى مخصب للحياة، عبر الاتصال بالرجل مؤقتا بينما نجد أن الميثولوجيا الإسلامية تنظر إلى الجسد عند كلا الجنسين نظرة متوازنة فمثلا ,, تعتبر إن عورة الرجل تثير الجنس، كذلك عينيه، بينما جسد الأنثى كله عورة، واعتقد أن هذه النظرة تنطلق من جمالية الجسد نحو محرماته،، وبالتالي تحافظ على الخصائص الذاتية بعيدا عن الابتذال أو ازدواجية النظرة.
ثمة إقصاء اساسي لبعض خصائص الأنثى، فالمحاربة قد تعيقها الأثداء خاصة الثدي الأيمن أو الأيسر على درجة استخدام الساعد، لذا توجب أستئصاله أو كلاهما، وبهذا يتم إقصاء رمز الخصوبة والنماء بأعتبارهما - مدرة – الوليد.
وهذا تصور ذكوري، وليس من صنع وابتكار الأنوثة، فالمرأة شديدة الحرص على جماليات جسدها، على العكس من نساء جزر الأمازون مثلا المصنوعة من خيال الذكر.
ولعل ما ذكره – عبد الوهاب بو حديبة – في كتاب – الإسلام و الجنس- خير مثال، على قيمة المرأة في الإسلام ونظرته للمحرم والمثير، فلعل –عائشة( رض ) و زليخا – يوسف خير مثل على ذلك. والقرآن كما نظر إلى – زليخا – وتبرير حالة الإغواء – أعدت متكأ – وأظهرت ما يفتن النساء حضور – يوسف بينهن -, وإزاء هذا ولكي يعيد القرآن عن طبيعة الإثارة، فقد دلل على ذلك مجموعة من الشفرات اللغوية والسلوكية التي هي ردود فعل لمرئى يوسف، فلكي يؤكد ما جرى لهن جميعا - الحيض- في أن واحد عند النساء، عبر عنه، بالسكين، والأكف المجروحة، وتساقط الدم من الأكف وهى رموز تعريفية عن حالة –الحيض – الذي تهيج في غير اوانة عند النساء، بسبب غواية - يوسف – لهن كذلك وجود فاكهة – الاترنج – وهى ذات مدلول جنسي.
ما نريد أن نؤكد في كل ما تقدم، أن البحث فكك هذا الخطاب ألذكوري، و ذلك بالقراءة والبحث والطرح، والتحليل، فأستحق منا الإصغاء والتعقيب لأنه درس في السيوسولوجيا والانثروبولوجيا..................



#حسين_علي_الجبوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر … ...
- دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
- السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و ...
- دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف ...
- كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني ...
- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...
- تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
- -مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
- اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - حسين علي الجبوري - جزر النساء حكايه اللاوعي عن عصر سيادة المراة