|
خالد الكيلاني يكتب : قصة مشادتي مع وزير خارجية قطر الأشهر
خالد الكيلاني
الحوار المتمدن-العدد: 5531 - 2017 / 5 / 25 - 10:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كنت قد وعدتكم بالأمس أن أحكي لكم قصة مشادتي العلنية مع رئيس وزراء قطر السابق ووزير خارجيتها الأسبق والأشهر الشيخ حمد بن جبر بن جاسم آل ثاني ، وها أنا ذا أوفي لكم بما وعدت .
في ظهيرة يوم 23 نوڤمبر عام 1997 ، أجريت حواراً للتليفزيون المصري مع الراحل العظيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات ، حيث كان متجهاً في زيارة رسمية إلى القاهرة في اليوم التالي ، وهو الحوار التليفزيوني الوحيد الذي أجراه طيلة حياته .
في البداية كاد الحوار ألا يتم بسبب إصرار المستشار الإعلامي للشيخ زايد وقتها الأستاذ محمد عزب ( وهو صحفي مصري عجوز كان مقيماً في الإمارات منذ وقت طويل ) ، بسبب إصراره بأن أطلعه مسبقاً على أسئلة الحوار .
وكان ردي أن الحوار مع شخصية مثل الشيخ زايد لا يجب أن يكون محدوداً بأسئلة معينة ، فالحوار يفرض دائماً ، ويتولد عنه ، أسئلة جديدة .
ولكن الرجل أصر على وجود أسئلة ... أمسكت ببلوك نوت أخضر كان معي ووضعت أربعة محاور للحوار وقدمتها للمستشار الإعلامي ، الذي رفض تماماً إلا أن أحدد أسئلة مكتوبة وألتزم بها ، فقلت له أن هذا الحوار لو تم بالشكل الذي تطلبه سيكون حواراً خشبياً ، أو لا حوار ... فطبيعة الحوار - من إسمه - هو خد وهات ، والأسئلة المعلبة لا تعد حواراً ، ووعدته أن ألتزم بالمحاور الأربعة التي قدمتها له ، مؤكداً أننا نستطيع في المونتاچ - الذي سوف يحضره المستشار الإعلامي نفسه ومندوبون عن رئيس دولة الإمارات أن نحذف ما تشاءون من الأسئلة والإجابات ... لأن الحوار في عقيدتي الصحفية ليس " خطفة " .
رفض الرجل بشدة أن يتم الحوار بهذه الطريقة ، ورفضت من ناحيتي أن يكون هناك حوار بتلك الطريقة ... ووصلنا إلى طريق مسدود ، حسمه أن فُتح باب القاعة المجاورة في تمام الواحدة ظهراً ، وخرج أحدهم وقال بحسم " أستاذ خالد ، تفضل سمو الشيخ زايد في إنتظاركم " ، فأُسقط في يد المستشار الإعلامي ودخلت إلى القاعة ، حيث الشيخ زايد وعدد من أبناءه ومستشاريه .
تطرقت في الحوار بالطبع إلى العلاقات المصرية الخليجية ، والإماراتية على وجه الخصوص ، وإلى الأوضاع العربية بشكل عام ، وإلى الأزمة العراقية الخليجية ، ومبادرات التصالح مع صدام حسين ، وكان لابد أن أسئله عن الحادث الإرهابي في الأقصر ، الذي وقع في الدير البحري قبلها بحوالي خمسة أيام ، والذي راح ضحيته 58 سائحاً من جنسيات مختلفة ، والذي فاجأ فيه الشيخ زايد - وقتها - الجميع بأن اتهم جماعة الإخوان مباشرة بالحادث ووصفهم " بالكفرة الفسقة " ، وبأن الأرض التي لوثوها بدماء الأبرياء ، لن تتطهر سوى بدمائهم .
المهم ... نأتي إلى مربط الفرس ، وسبب الخلاف مع حمد بن جبر بن جاسم آل ثاني ، فقد أجاب الشيخ زايد - رحمه الله - عن سؤالي حول جهود المصالحة الخليجية مع العراق بجواب كان صادماً في حينه ، حين قال لي فيما معناه : " صدام حسين قد أخطأ ، ولكن كلنا نخطيء ، ولا يوجد زعيم عربي لم يخطيء ، وإذا كان المعتدى عليه لم يمت له سوى إثنين ، بينما هو ، وهو المعتدي قد مات له عشرة ... ألا يدعو هذا للصفح والغفران ونسيان ما فات " .
ثم تطرق إلى مثال الحرب العالمية الثانية ، وكيف قُتل فيها أكثر من 55 مليون مواطن أوروبي ، ومع ذلك فقد تجاوزت أوروبا ثاراتها وعداواتها ، وأنشأت وحدة بين دولها وشعوبها لصالح المستقبل ، بعد أن تجاوزت عن الماضي .
استمر الحوار بيننا لوقت طويل ، حتى بعد أن أُطفأت الأضواء وأُغلقت الميكروفونات ، وأستاذنت سموه حوالي الرابعة لأنتهي من المونتاچ قبل موعد حجز القمر الصناعي في التاسعة من مساء نفس اليوم .
في صباح اليوم التالي 24 نوڤمبر 1997 أذيع الحوار بالتزامن في التليفزين المصري ، وفي قناتي أبو ظبي ودبي ، وما هي إلا ساعات من إذاعة الحوار ، وقبل أن يركب الشيخ زايد طائرته متجهاً إلى القاهرة ، إلا وكانت الكويت تعلن سحب سفيرها من الإمارات غضباً مما قاله الشيخ زايد عن المصالحة مع صدام حسين .
وأمسكت قناة الجزيرة وصحف قطرية بفتيل النزاع ، لتشعل فيه النيران أكثر ... لكن حكمة الشيخ زايد والدبلوماسية الإماراتية سرعان ما احتوتا المسألة ، متسقة مع شخصيات حكيمة على رأس الحكم في الكويت ... وعاد السفير الكويتي مرة أخرى إلى مقره في أبو ظبي .
إلى هنا وكان يجب أن تنتهي القصة ... ولكن بعدها بعدة شهور وفي ربيع عام 1998 كان هناك إجتماعاً في المغرب - لا تسعفني الذاكرة الآن إن كان الإجتماع الوزاري للجنة القدس أم الإجتماع الوزاري لمجموعة العمل من أجل البوسنة التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي .
كانت مصر تحضر المؤتمر الذي استمر ليومين ممثلة بوزير الخارجية عمرو موسى ، وغادر عمرو موسى في نهاية اليوم الثاني ، وفي اليوم الثالث أُقيم مؤتمر صحفي مشترك بين وزير الخارجية المغربي - وقتها - الصديق العزيز محمد بن عيسى ، ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جبر بن جاسم آل ثاني ، وكان يدير المؤتمر وزير خارجية الدولة المضيفة السيد محمد بن عيسى ، وكنت جالساً في الصف الثاني ، وبعد حوالي ثلاثة أسئلة من صحفيين أجانب رفعت يدي لأطلب الكلمة ، فأشار لي السيد بن عيسى قائلاً باللهجة المغربية " سي الكيلاني " .
وهنا تغير وجه وزير الخارجية القطري وقال " أنا لن أُجيب عن أسئلة لصحفيين مصريين " !!! . وسط حالة من الذهول في قاعة المؤتمر المكتظة بصحفيين من كل جنس ولون ، سألته - وكنت قد أمسكت بالميكروفون : لماذا يا معالي الوزير ؟ رد حمد بن جبر بعنف شديد : الصحفيون المصريون يثيرون الفتنة بين الدول العربية ويوقعون بينهم . - عفواً سيادة الوزير ... الصحفيون المصريون هم من علموا العالم العربي كله يعني إيه صحافة ، وهم عندكم في الخليج تاج على رأس أي صحيفة يعملون فيها .
- رد وزير الخارجية القطري بحدة وصلف : " إنت تحديداً قمت بالوقيعة بين الكويت والإمارات " ، ولذلك أرفض الرد على أسئلتك .
- قلت له بنفس طريقته - وسط محاولات تهدئة من المنصة يقوم بها وزير الخارجية المغربي السيد محمد بن عيسى - " كلامك غير دقيق بالمرة ، أنا أجريت حواراً تليفزيونياً مع رئيس دولة ، ومن حقه أن يقول ما يشاء في حواره ، ومن أوقع بين الدولتين هي قناة الجزيرة والصحافة القطرية ، أما أنا فكنت سوف أتوجه بسؤالي لمعالي الوزير محمد بن عيسى وليس لك ، ومع ذلك فأنا أرفض جملة وتفصيلاً كل ما قلته عن الصحفيين المصريين ، وبما أنك موجود هنا ، فسوف أغادر هذه القاعة متنازلاً عن سؤالي " .
سادت حالة من الهرج في القاعة ووضعت الميكروفون على الكرسي الذي كنت أجلس عليه ، بينما كان وزير الخارجية المغربي ينهي المؤتمر الصحفي - بعد كل ما حدث - معتذراً للصحفيين .
#خالد_الكيلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الميكروفون واللافتات والإسلام الجديد ... وأنا ( الحلقة الأول
...
-
خالد الكيلاني يكتب : قراءة هادئة في قرار ترامب بمنع مواطني 7
...
-
خالد الكيلاني يكتب : لماذا العاصمة الجديدة ؟
-
حقوق الصحفيين قبل حرياتهم يا أستاذ إبراهيم
-
خالد الكيلاني يكتب : يصل ويسلم
-
خالد الكيلاني يكتب : عن الحرية الأمريكية
-
خالد الكيلاني يكتب : زي النهاردة من 5 سنوات
-
خالد الكيلاني يكتب : رسالة مفتوحة لرئيس البرلمان ... الدستور
...
-
خالد الكيلاني يكتب : الفن للوطن
-
خالد الكيلاني يكتب : ممدوح البلتاجي ضحية صفوت الشريف ورجل مب
...
-
خالد الكيلاني يكتب : تحيا مصر العربية
-
خالد الكيلاني يكتب : أرجوكم ... لا تغرنكم المظاهر
-
خالد الكيلاني يكتب : قصة حوار مع الأمير سعود الفيصل
-
هل المطلوب أن يحمي القانون الكذب المتعمد ؟!!!
-
بيان صحفي حول ما ورد بتصريحات منسوبة للمستشار زكريا عبد العز
...
-
يا ترى إنت فين يا أوباما ( قصة قصيرة لكنها حقيقية )
-
خالد الكيلاني يكتب : المجمع العلمي ... الجريمة والعقاب
-
الأناضول وما أدراك ما الأناضول
-
خالد الكيلاني يكتب : الدفاع عن الله ... والغيرة على الدين
-
أكيد فيه حاجة غلط ... بس ليها حل
المزيد.....
-
تطورات الحادث الجوي في واشنطن.. طائرة ركاب اصطدمت بمروحية عس
...
-
مصادر لـCNN: اصطدام مروحية عسكرية بطائرة ركاب بالقرب من واشن
...
-
فيديو استقبال محمد بن سلمان وأداء صلاة الميت على الأمير محمد
...
-
كيف تتم عملية تبادل الرهائن في غزة؟
-
اصطدام مروحية عسكرية أمريكية بطائرة ركاب تحمل 60 شخصا بالقرب
...
-
يكثر استهلاكه في المنطقة العربية.. الحليب الحيواني الأكثر فا
...
-
إسرائيل: 11 رهينة محتجزين في غزة سيتم الإفراج عنهم هذا الأسب
...
-
تصادم طائرة ركاب مع مروحية عسكرية قرب مطار ريغان بالعاصمة ال
...
-
عاجل | رويترز: طائرة ركاب تابعة لخطوط جوية أميركية اصطدمت بط
...
-
ترامب يستعد لإعلان قرار يهم طلاب الجامعات المتعاطفين مع حماس
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|