أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عائشة جرو - لن نرفع الراية البيضاء















المزيد.....

لن نرفع الراية البيضاء


عائشة جرو

الحوار المتمدن-العدد: 5528 - 2017 / 5 / 22 - 22:38
المحور: الادب والفن
    


صوت سناء جميل(فضة المعداوي) في بداية تتر مسلسل الراية البيضا يقول "ولا يا حمو .. التمساحة يالا " من أكثر الذكريات التي قد تجعلك تعود بذهنك أعواما إلى الوراء لتتذكر مسلسلا كان علامة من علامات الدراما المصرية، خاصة المشهد الأخير من المسلسل، حين يجلس جميل راتب في مواجهة البلدوزر الذي يريد هدم منزله، بكل ما يرمز له من قيم ويشاركه الأخرون في الجلوس متشابكي الأيدي يواجهون الموت الذي قد يداهمهم إن لم تتوقف عجلات البلدوزر، ثم يعلو صوت فردوس عبد الحميد الرخيم يقول " الجالسون أمام فيلا أبو الغار بالإسكندرية ينادونكم للجلوس معهم حتى لا يضطرون لرفع الراية البيضاء"
اليوم لا أجد لهذه المرحلة الرديئة التي نعيشها حاليا، عنوانا أنسب مما جسدته "فضة المعداوي" في مسلسل الراية البيضا ؛ الذي انتج وبث سنة 1988. فضة بكل سوقيتها ؛ جهلها؛ بشاعتها ؛جشعها ؛ فضة التي أصبحت ترتدي كل يوم قناعا جديدا وبدلا مختلفة ، وبدل أن تهتف كبطلة المسلسل؛ الراحلة الرائدة سناء جميل : التمساحة يا لا " تصيح بصوتها الأكثر بشاعة الأيباد ياولا ، Rolls-Roys او بأحدث أنواع السيارات الفاخرة التي تساوي التمساحة آنداك، وترفع صوتها وسوطها بأسماء كل الماركات وكل انواع أدوات التكنولوجيا الذكية ؛ الحديثة بعجرفة أفظع من فجاجة و سوقية فضة. تكنولوجيا لا تصنع أصغر وأدق برغي فيها لكنها تتباهى وتتظاهر به أمام من لا يملك كسرة كرامة ؛ حتى وان حدث أن تعطل فلن تستطيع اصلاحه فتعيده الى صانعه الأجنبي اسيويا كان او اروبيا او امريكيا ...، جيل مسلسل سامحيني ذو الحلقات الطويلة الجوفاء كما لهاية في فم رضيع يمتصها بنهم شديد ثم ينام دماغه المخدر، لا يعرف عن بلدوزرات " فضة" ومعاركها الضارية ضد الفن ،الاصالة ، والجمال ،حقوق الانسان ،الثقافة عموما، والأهم ضد الضمير الذي متى فقد انتفت صفة الانسانية عن الانسان ،شيئا يذكر وقد لا يتحمل هذا الجيل مشاهدة ربع حلقة من مسلسل "الراية البيضا" ذو 16 معركة كما سماها مبدعوه (وليس حلقة) ؛ زاخرة بالدروس ،العبر ، والكثير من الفن الثقافة العميقة، يصور بإبداع فائق، كيفية تغول وتوحش الإنسان وطحن أخيه الإنسان بدوافع الجهل الجشع الانانية الانتهازية والقبح الداخلي . بلدوزرات "فضة وفريقها" من رجال اعمال ،ساسة ، اعلاميون ومحامون ثم حفنة ليست بالهينة من البلوريتاريا الرثة، تزحف كل يوم وتطحن اليابس والأخضر ؛ الإنسان ؛ الطبيعة ؛التعليم ؛الفكر ؛ الثقافة ؛ الاقتصاد ؛ السياسة ؛ الفن المعمار ؛ الجرافات بأنيابها المتوحشة
تزلزل وتطحن كل شيء .
وكما جاء في مقدمة "الراية البيضا" بصوت القديرة فردوس عبد الحميد :
"أحداث هذا المسلسل حقيقية حدثت ولا زالت تحدث ولكن اسماء الأماكن والأشخاص ليست كذلك أي تشابه بينها وبين الواقع هو من قبيل الصدفة والضرورة الفنية ، فقط نؤكد أن التشابه والتطابق في الأحداث مقصود لأنها حدثت ولا زالت تحدث ... "
جيل آواخر الثمانينات مراهقين وشباب الذين تابعوا/ن بكل جوارحهم/ن هذه المعارك الضارية بين وحوش الفساد والمال والاستبداد يعرفون بألم وحسرة شديدة عما أتحدث منهم/ن من انضم الى فريق الدكتور مفدي ابو الغار ولا يزال يجلس مشبكا يديه مع من بجانبه؛ مشكلين/ات ذرعا بشريا أمام كل الجرافات ولم يرفع حد هذه الساعة "الراية البيضا"،و هم/ن قليل جدا اذ لازال الشر ينتصر كل دقيقة ؛بالمقارنة مع جحافل من ينسلون كل يوم من بيننا ؛ يتركون ايدينا بيضاء غير ملطخة ، ثم يهرولون للإنضمام الى فريق " فضة المعداوي" كل يوم ينتصر الجشع الجهل الفساد يستشري ويزداد الاستبداد تغولا وهم/ن قد تعبوا/ن من شعارات : درب النضال طويل عسير ... ولن يستطيعوا/ن الصمود طويلا أمام كل هذه البلدوزورات يريدون بدلها خبزا وان كان ممرغا في الذل، ويهتفون مع فضة ، الهامر، الفيراري ، والايفون ، والايباد يالا ..." كل دقيقة يد تتخلف وتموت قبل ان يموت صاحبها راكبا ماهو أغلى منه مرتديا ما هو أبهظ منه،بين يديه مسبحة صنعت بألمانيا أو هاتف آخر طراز منضما الى ترسانة فضة على متن الجرافة محطما نفسه وغيره يلبس كل الوجوه متعلمة او أمية فاهمة لقواعد اللعبة المحبكة جيدا او غير فاهمة ،يسارا يمينا تلبس الدين تارة تدعي العلمانية اخرى شعبوية حداثية ... ،منساقة او هي تتدرب على التغول وتربي خفيا أنياب جرافات بداخلها ، لا تعرف سوى من وما ستهدمه. تسلعن كل شيء ، الدين ، العلم ، السياسة ، الأدب ، الفن ، الثقافة ...
بعد الهدم يكون البناء ولكن كيف ؟ متى؟ وأي بناء ؟
في ظل هذا المستنقع الكبير الذي ما فتىء يغرزنا غائرا تحت، يظهر بين الفينة والاخرى بعض بصيص أمل ونردد مع ماركس مقولته : "التاريخ يتطور حين يتعفن" وان طال هذا العفن والتعفن و التحلل...
الكبير محمد فاضل ، مخرج مسلسل "الراية البيضاء"، أكد أن دور المبدع والفن عموما هو التنبؤ بالمستقبل، وليس رصد الواقع ؛ وقد صدقت نبوءة كل من اسامة انور عكاشة مخطط المعركة والمخرج محمد فاضل في كون الاحداث مستمرة الى الآن.
والفكرة العامة للمسلسل يمكن حصرها في الحرب بين " الجمال والأصالة والذوق " من جانب .. و" توحش رأس المال والقبح والعشوائية " من جانب آخر، وتدور الأحداث حول دبلوماسي سابق يعود لمسقط رأسه بالإسكندرية بعد رحلة طويلة ليدافع عن فيلا رائعة أثرية تحتوي على مكتبة نادرة ولوحات لا تقدر بمال .. ويدخل في حرب حقيقية صاغ تفاصيلها بإحكام أسامه أنور عكاشة والمخرج محمد فاضل أمام تاجرة الأسماك المعلمة " فضة المعداوي" والتى تريد شراء الفيلا بأي ثمن وبأى وسيلة لهدمها وتحويلها لبرج سكني وتجاري،(مول-تجاري بلغة اليوم) نشاهد فريقين تم تنظيم معاركهما بحبكة .. فضة ، سيدة جاهلة أمية أصبح معها مبلغ من المال، تفنن المسلسل في تقديم
"هتيجي لحظة يعرفوا تتار الزمن الأغبر إن الناس أقوي من كل بلدوزرات الدنيا " .. عبارة وردت علي لسان أحد أبطال فريق أبو الغار( الممثل هادي الجيار) قبل مشهد النهاية ، وحتى هذه اللحظة .. سيظل "الوطن" ممثلا في فيلا ابو الغار .. يصرخ بلا مجيب، اما بلدوزرات من هن/م على شاكلة " فضة المعداوي" حتى وان اختلفت اشكالهم/ن ولبسوا جلابيب وقفاطين و بدلات أكثر اناقة من "فضة" وظهروا بمظهر حداثي وفاحت منهم/ن عطور بارسية مشتراة من أموال منهوبة من ثروات الفقراء او نتيجة تبيض أموال مخدرات في عقار او إعلام ، او اي مجال آخر، وارتدوا/ن اقنعة المثقف ، والسياسي والاقتصادي، رجل/امرأة أعمال، قانوني/ة، صحافي/ة فن ...

فضة ، سيدة جاهلة أمية أصبح معها مبلغ من المال، تفنن المسلسل في تقديم جوانب سوقيتها وماديتها وفجاجتها وهوسها بالسيطرة على كل شي ؛ قررت تلك السيدة في حين غفلة شراء قصر كانت نفسها تهوي إليه وهي صغيرة ، بغرض تحطيمه وتحويله إلى برج أو مول تجاري بقاموس حديث ، لا تأبه لحسابات "مفيد أبو الغار" التي تتحدث عن قيمة الشيء لا عن سعره ، والتي ترى في الدنيا أشياءً أبعد من حسابات البيع والشراء والحساب بالمليم..

مسلسل "الراية البيضاء" الذي عرض في التليفزيون المصري لأول مرة قبل ما يقرب من الربع قرن ، حافل بالعديد من الرموز والإسقاطات ، ولعله كان أكثر أعمال الراحل "أسامة أنور عكاشة" احتواءً على رموز من باقي ما كتب للتليفزيون من مسلسلات طوال تاريخه الدرامي الطويل ، وتشعر بعد ربع قرن من الزمان أن أحداثه ما زالت تجري الآن ، وإن اختلفت الشخوص ،والأماكن ..”مفيد أبو الغار” وفريقه ، “فضة المعداوي” وفريقها ، علاقة الحب التي تربط “فضة” بـ”مفيد أبو الغار” من جانب واحد كرمز لطموح “فضة” في أن تحسب نفسها على طبقة لا تنتمي إليها ، علاقة تحولت كما تتحول أي علاقة حب عكسياً إلى رغبة في التدمير والإذلال بأي شكل وبأية وسيلة ، حتى اسم المسلسل نفسه مستوحى من لغة الحروب على أساس أن “الراية البيضاء” هي علامة الاستسلام..

المال السياسي لا يختلف كثيراً عن السيدة "فضة المعداوي" ، إقطاعيو ما قبل 1952 كانوا يتعاملون مع الثقافة وما يقرب إليها من قول أو عمل بأسلوب أقل فظاظة وفجاجة ، بل كانوا يعدون الوجاهة الثقافية ضمن مكونات ما ينبغي لنبيل من الأسرة المالكة أو من يسعى لأن يحسب نفسه على طبقة النبلاء.. وكان من العادي أن تقوم أسر كبيرة بتسفير أبنائها للتعلم في الخارج والنهول من الثقافة الأوروبية بما كان لها من تفوق ، وبما كان لها أيضاً من وجاهة إعلامية تلخصها العبارة المصرية الدارجة "ألا فرانكا" ، وقدمت تلك الأسر نماذجاً للثقافة الأوروبية الغربية بما لها وبما عليها..
الفرق الوحيد بين "فضة المعداوي" وبين المال السياسي الحالي سواء كان مصريا أو مغربيا ... بسيط ، أن المال السياسي أبى إلا أن يؤثر ويحكم ، طموحه أبعد من مساحة فيلا(وطن) بها نقوش نادرة ومكتبة بها أمهات الكتب وأشياء من التي يراها المثقفون -وحدهم- بالعين المجردة كما يعتقد أمثال "فضة" ، إذا كانت معركة فيلا "مفيد أبو الغار" هي محاولة لاستعراض القوة ، وأن أموال الست "فضة" تستطيع أن تفعل أي شيء وقتما تشاء وتريد ، فإن معركة الاستيلاء على بلد بأكمله ، وتغيير قواعده وقوانينه بما يناسب المزاج والمصلحة والكيف لا تقل لدى هؤلاء عن فيلا "أبو الغار" بالنسبة لها..
والمضحك أن المال السياسي يتحدث عن الثقافة كأحد حماتها ، بشكل يذكرنا بمشهد مؤتمر "فضة المعداوي" الانتخابي ، أحد أعلى نقاط الضحك في المسلسل ككل ، وهي تتحدث عن الثقافة ، والاسكندر ذو القرنين ، وهتيفتها يهتفون بشكل كوميدي من ورائها إعجاباً بالدرر التي تطلقها السيدة "فضة" من لسانها .. وبعيداً عن "ذو القرنين .. ذو القرنين" ، و"حياة الناس .. حياة الناس" يصفون أنفسهم بأنهم حماة الفكر والثقافة والفنون ، وهم يخدرون عقول الناس بإعلام لا يفكر ولا يساعد على التفكير ، نسخة أخرى من الإعلام الشمولي التلقيني الذي يقدم نفسه كمالك حصري لحقوق بث الحقيقة ، ولا يتعامل بسماحة ولا بسماحية مع أي مساحة نقد توجه له ولخطابه ، ويميل إلى تخنين وتخوين المخالف والمختلف..
وإذا كانت فيلا أبو الغار" الوطن بمعناه الكوني تم هدمه .. فهناك كثيرون يقفون أمام البلدوزرات وينادونكم/ن للوقوف معهم قبل أن أن يرفعوا هم/ن أيضا " الراية البيضا ".
من سينتصر.. نحن أم جرافات الجهل والجشع؟ ".



#عائشة_جرو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين نافذتين
- يوميات حافلة : عنوان اليوم / الدعاء المستجاب
- قبلات مغتالة
- احتمالات الارجل المبتورة
- على قيد الكتابة
- مأساة أمينة بين مطرقة التقاليد الذكورية وسندان القوانين الرج ...
- الوعد الأخير الى روح الشهيدة سعيدة المنبهي
- محل للاعراب
- طعم الصباح
- المرأة في الربيع الديمقراطي
- فدويى العروي شهيدة العنف الطبقي
- صباحات معتادة
- عابر كلام
- البرتقالي
- رقصة الجسد المذبوح
- المرحوم
- نوارة
- قصيدة عندما لاذ العشق بالمجيء
- ميدان الأحرار
- مسحوق الظلام


المزيد.....




- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عائشة جرو - لن نرفع الراية البيضاء