ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 5526 - 2017 / 5 / 20 - 14:06
المحور:
كتابات ساخرة
في طفولتي كانت ثمّة عادة شائعة وهي: إذا رأى أحدنا فردة حذاءٍ مقلوبةٍ على الأرض، فإنه وبردّة فعل لا إرادية سرعان ما يرجعها إلى وضعها الطبيعي احتراماً وإجلالاً للذات الإلهية. إذ من غير المستحبّ أن يكون سافل الحذاء باتجاه السماء. وهذه العادة موروثة من التراث الديني منذ زمنٍ طويل. وكانت أيضاً عادة أخرى ذات صلة بالموروث الديني وهي إذا لقي أحدٌ كسرة خبز على الأرض، سرعان ما يلتقطها ويقبّلها ويرفعها إلى رأسه ويلمسها بجبينه امتناناً وعرفاناً بنعمة الخبز، ويضعها في مكان مرتفع على سور بيت أو حافّة شبّاك.. لئلاّ تدوسها الأقدام.
وأذكر أنني سألتُ والدتي وأنا عاجز عن التفسير في ذلك الزمن الذي صار اليوم بعيداً:
- ماما، طالما أن الله على كل شيء قدير، أليس بمقدوره قلب الأحذية حتى ينتظر على واحد «فصعون» مثلي القيام بذلك؟! ولماذا لا يلتقط كسرات الخبز بنفسه ويضعها في أماكن حريزة؟!
وأذكر كيف مسحتْ براحتها شعري بكثير من الحنان وأجابت وهي تبتسم:
- يا بنيّ، الله عزّ وجلّ، يترك لك شرف القيام بهذا الفعل ليسجّل لك حسناتك فتفوز بشأنٍ عظيم.
ولا يمكن أن أنسى ذلك اليوم كيف هرعتُ متجولاً في أنحاء الحارة باحثاً بشغف عن كسرات الخبز والأحذية المقلوبة. ولما لم أعثر على مرادي وقد أعياني المشي في الأزقّة والساحات، بدأتُ بشلح شحّاطتي وقذفها في الفراغ، وكلما استقرّت على الأرض مقلوبةً، أبتهج وأقلبها.. وأهتفُ بصوتٍ مسموع:
- ها هي حسنة يسجّلها الله لي.. آملاً ألاّ يسهو عن أيٍّ منها. وأعود نشوانَ إلى البيت.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟